الاضطرار والاحتياج والبلوى العامة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اختلف العلماء في حد الاضطرار، وأفضل دليل على الحق فيما اختُلف فيه القرآن الكريم والسنة المطهرة.
قال الله تعالى ذكرُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
الاضطرار هنا يعني الإلجاء إلى محرم بسبب ضرر.
اضطر على وزن افتعل، فقُلبت التاء طاءاً لأن الفعل المجرد يبدأ بالضاد؛ ضرَّ، فأصل الكلمة هو الإلجاء إلى ما يضر أو عما يضر، مثال الأول قوله تعالى: {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ}، ومثال الثاني قوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}.
ويبدو أن كلمة ضرورة صفة مشبهة على وزن فعولة بمعنى فاعلة، كشكورة بمعنى شاكرة، والمعنى أنها حالة ضارة إذا لم تُرفع، ثم استعيرت في كل أمر لازم، وذلك لأن ضرَّ (ضرْرَ) على وزن فعل.
فالاضطرار الذي هو إلجاء يُفيد عدم جواز فعل المحرم مع وجود الحلال أو مع وجود ما هو أقل حرمةً وضرراً مما يُرفع به الضرر أو يُدفع.
أقرب الأقوال في معنى الباغي في الآية أنه مُبتغي الحرام لشهوة، لمُناسبة هذا القول للآية، ولأنَّ بعض التفاسير بعيدة عن سياق الآية، وبعضها جعل اضطُر وغير باغٍ وغير عادٍ كلها بمعنىً واحد، وبعضها جعل غير باغٍ وغير عادٍ بمعنىً واحد، وقد ذكر بعض العلماء أن الترادف قليل في اللغة معدوم في القرآن.
ولكن تُقبل كل التفسيرات الصحيحة المناسبة للسياق ما لم تتعارض، وهذه قاعدةٌ عامةٌ في التفسير.
فكلمة باغٍ هنا مِن ابتغاء المحظور لتحقيق مصلحة غير ضرورية، لأن الشهوة هنا هي الشهوة لتحقيق مصلحة إما مُلغاة بالشرع أو متوهمة.
ولما كان الاضطرار يحتمل أن يكون عن ضرر وإلى ضرر، جاء قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ} لتأكيد الأول، ويبقى الاحتمال الثاني صحيحاً لقاعدة التفسير في أن ما احتمل عدة معانٍ صحيحة غير متعارضة فإنه يحمل عليها جميعاً.
العدوان هو الزيادة على القدر الذي يرفع الضرر أو يدفعه، وهذا يوافق قول الفقهاء الضرورة تُقدر بقدرها.
المحرم لذاته لا يُباح إلا للضرورة المُلجئة (الاضطرار) بدليل؛ {غَيْرَ بَاغٍ} و {اضْطُرَّ}، ولأن المحرم لذاته ضرر في ذاته فلا يباح إلا لرفع الأضر أو دفعه.
والمحرم لغيره يباح للحاجة المُلجئة (الاحتياج)، وذلك بدلالة النصوص، ولأنه لا ضرر في ذات ما حرم لغيره.
وبالمثال يتضح المقال؛ فالنظر للأجنبية محرم لغيره لأنه يؤدي إلى الزنا، والزنا محرم لذاته، وكذا أكل الميتة.
وبناءاً على ماسبق فالاضطرار هو تعارض بين ترك محرم أو فعل واجب ورفع ضرر (جلب مصلحة ضرورية) أو دفع ضرر (حفظ مصلحة ضرورية).
والاحتياج هو تعارض بين ترك محرم لغيره وتحقيق مصلحة غير ضرورية لا غنى عنها أو رفع مشقة أو دفعها.
وقال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
المخمصة هي الجوع الشديد، وهو الذي يُخشى أن يقع بسببه ضرر على الإنسان، وفي الآية دليل على اشتراط أن يكون للضرر المراد دفعه أمارات واقعة وليست متوقعة.
فمن شروط الاضطرار؛ وجود ضرر في الحال أو وجود أمارات تدل على احتمال وقوعه بيقين أو غالب ظن.
والمتجانف للإثم هو المائل إليه، والميل هنا يشمل الميل إلى المحرم لشهوة، والميل إليه بالعدوان والزيادة عن القدر.
وبما أن الضرر المُراد رفعه أو دفعه مطلقٌ في النصوص، فيُحمل على كل ضررٍ أعظم من ضرر فعل المحظور بشروط الاضطرار، والشروط تقلل من احتمال حدوث الضرر العظيم.
فتقدير الضرورة بقدرها وعدم فعل المحرم إلا عند الضرورة المُلجئة تقلل احتمال الضرر كما هو معلوم فيما يسمى بتحليل الخطورة في الطب وغيره.
والضرر عام يشمل كل ضرر يتعلق بالضرورات الخمس المتفق عليها، وهي؛ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، بشرط أن يكون أعظم ضرراً من الضرر المتحقق أو المتوقع بظن غالب بفعل المحظور بشروط الاضطرار.
ومما يتعلق بالنفس صحة البدن، فيدخل في الاضطرار كل مرض ضرره أعظم من فعل المحظور بشروط الاضطرار، وذلك للإطلاق في قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ}، وقوله: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ} وقوله: {اضْطُرَّ}.
وقد تجب الرخصة إذا غلب على الظن وقوع الضرر الأعظم، وكل اضطرار لابد فيه من اعتبار ذلك، يدل على ذلك حديث عبدِ اللَّهِ بنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: (أصابَ رجلًا جُرحٌ في عَهْدِ رسولِ اللَّهِ ﷺ ثمَّ احتلمَ فأمرَ بالاغتسالِ فاغتسلَ فماتَ فبلغَ ذلِكَ رسولَ اللَّهِ ﷺ فقالَ قتلوهُ قتلَهُمُ اللَّهُ ألم يَكُن شفاءُ العِيِّ السُّؤالَ)، صححه الألباني رحمه الله تعالى في صحيح أبي داود (٣٣٧).
والمصالح تنقسم من حيث الفقر إليها إلى ثلاثة أقسام؛ ضرورية وحاجية وتحسينية (تكميلية).
فالضرورية هي ما يترتب على فواتها ضرر، والحاجية هي ما يترتب على فواتها مشقة أو فوات ما لا غنى عنه من غير ضرر، والتحسينية هي المصالح التي لا يُفتقر إليها.
فالشروط الأصلية لفعل محرم لذاته عند الاضطرار هي؛
  1. أن يكون لرفع ضرر أو دفعه (جلب مصلحة ضرورية أو حفظها).
  2. أن يكون ضرر فعل المحرم أخف من  الضرر المراد رفعه أو دفعه.
  3. وأن تُقدر الضرورة بقدرها؛ وذلك بعدم تجاوز حد ما يرفع الضرر أو يدفعه.
  4. التعيُّن؛ ويعني تعذر تحقيق المُراد بمباح أو محرم أصغر.
  5. وجود أمارات قوية للمتوقع؛ والمعنى أن تكون للضرر المراد دفعه (المترتب على فوات مصلحة ضرورية) أمارات في الحال تجعله متوقعاً بيقين أو بظن غالب.
وشروط فعل محرم لغيره للاحتياج (الحاجة المُلجئة) هي؛
  1. أن يأمن الوقوع في المحرم لذاته.
  2. وأن تقدر الحاجة بقدرها.
  3. التعين؛ ويعني تعسُّر تحقيق مصلحة حاجية أو رفع مشقة أو دفعها بمباح أو تعذُّر تحقيق ذلك بمباح.
  4. وألا يكون الغرض متوهماً، وذلك بأن تكون لفوات المصلحة الحاجية أو حدوث المشقة المتوقعة أمارات في الحال تدل عليهما بيقين أو ظن غالب.

التلازم بين المضار والمنافع الضرورية

سبق أن المصالح الضرورية هي ما يترتب على فواتها ضرر، وأن الحاجية هي ما يترتب على فواتها مشقة أو فوات ما لا غنى عنه من غير ضرر، وأن التحسينية هي المصالح التي لا يُفتقر إليها.
فبين الفساد والصلاح الضروري تلازم، فهما ضدان كالنور والظلام، فيقل الظلام أو يزول بقدر حلول النور وقوته.
وبسبب الغفلة عن هذا التلازم بين المفاسد وبعض المصالح يشتبه الأمر على بعض طلاب العلم، فيظنون أن كل مصلحة داخلة في قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
فدفع أو رفع مفسدة يحفظ أو يجلب المصلحة الضرورية المُضادة لها، ومثال ذلك؛ إنقاذ نفس من الهلاك يدفع مفسدة هلاكها ويحفظ حياتها، فالحياة مصلحة ضرورية مُقابلة لمفسدة الهلاك.
وجلب أو حفظ مصلحة ضرورية يرفع أو يدفع المفسدة المضادة لها، فالعلاج مثلاً يجلب مصلحة صحة البدن ويرفع المرض، والوقاية تحفظ الصحة وتدفع المرض.
وذهاب مصالح حاجية خاصة يؤول إلى ضرر عام بخلاف تحصيلها، ومما يدل على ذلك وجوب قطع يد السارق في ربع دينار فأكثر ولو كان المسروق منه غنياً، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد.
وليس كل جلبٍ لمصلحة يستلزم دفعاً لمفسدة، فاكتساب مال على مال لا يُقابله دفع ضرر إلا في مثل حالة الفقر وتعطل مصلحة ضرورية، ولهذا يحرم اكتساب المال بالمحرم لمجرد تحقيق مصلحة حاجية بغرض تقوية الاقتصاد العام، ولا يعد ذلك ضرورة خلافاً للبلوى العامة.

تنزيل البلوى العامة منزلة الضرورة الخاصة

قيل إنَّ أول من وضع قاعدة الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة هو الجويني رحمه الله تعالى، والقاعدة عنده فيما تعم به البلوى من الحاجات المُلجئة وكان مآل امتناع الآحاد عنها إلى الإضرار بالناس عامة.
فمراد الجويني رحمه الله تعالى بالحاجة هنا الحاجة المُلجئة لفعل محرم أو ترك واجب (الاحتياج)، فالحاجة تُطلق أيضاً على المُباح من حاجيات الناس من غير تعارض مع ترك محرم أو فعل واجب.
ومراده بالضرورة هنا الضرورة المُلجئة لفعل محرم أو ترك واجب (الاضطرار)، فالضرورة تُطلق على المُباح من ضرورات الحياة وهي المصالح الضرورية من غير تعارض مع ترك محرم أو فعل واجب.
يدل على أنه قصد بالحاجة هنا البلوى العامة أن من الأمثلة التي ذكرها في الأطعمة أن الحرام لو طبق الأرض، فإن إلزام الناس بقدر ما يسد الرمق يعطل المصالح العامة وهو ضرر، وفسر ذلك بأن الأكل بمقدار ما يسد الرمق فقط يضعف البدن، وأن ضعف جميع الأبدان أو أكثرها يعطل المصالح العامة، ومثل لها بصورة أعم بما يورث ضعفاً يصد عن التصرف والتقلب في أمور المعاش ويكون مآله إلى ضرر.
ولابد من ضبط الحاجة هنا بالمُلجئة وبعموم البلوى بها، فلو كانت الحاجة هنا مجرد جلب مصلحة غير ضرورية، فلا يُمكن مع ذلك إخراج الاتجار بالمخدرات مثلاً أو التعامل بالربا لتقوية اقتصاد المسلمين أو فئة مجتمعة منهم، وذلك لأن ضعف اقتصاد المسلمين مقابل قوة اقتصاد غيرهم ضرر، فيؤول الأمر إلى تبرير كل وسيلة بالغاية.
ولضبط المصطلحات تُسمى الحاجة في قاعدة الجويني رحمه الله تعالى بالبلوى العامة، وتضبط البلوى العامة بما يفوت مصلحة حاجية أو يورث مشقة أو ضرراً أخف من ضرر المحظور لو كانت البلوى نادرة، وبشرط أن يكون المآل إلى ضرر أعظم في المجتمع لعموم البلوى.
ويمكن تعريف البلوى العامة بشيوعِ تعارضٍ بين ترك محرم لذاته وتحقيق مصلحة حاجية أو مرجوحة، بحيث يُورث فوات المصلحة ضرراً أعظم من ضرر فعل المحرم على المجتمعات وحرجاً عظيماً على الأفراد بسبب شيوع التعارض.
ومن أمثلة البلوى العامة؛ تعارض ترك دفع تأمين السيارات الإجباري مع امتلاك سيارة، وذلك لأن انعدام السيارة مع كبر حجم المدن في زماننا يورث مشقة أو ضرراً أخف لو كان التعارض نادراً، ولكن مآله إلى ضرر أعظم لعموم البلوى به.
فإن قيل بأن الإفتاء بالتحريم يُجبر السلاطين على منع التأمين، فيقال؛ غالباً ما يؤدي هذا المسلك إلى ضعف اقتصاد الفئة الأكثر تمسكاً بالأحكام، وفي ضعف هؤلاء ضرر على الدين.
ومما قال الجويني رحمه الله تعالى في بيان هذه القاعدة: (فالقول المجمل في ذلك إلى أن نفصله؛ أن الحرام إذا طبق الزمان وأهله، ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلاً، فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة، في حق الواحد المضطر، فإن الواحد المضطر لو صابر ضرورته، ولم يتعاط الميتة، لهلك.
ولو صابر الناس حاجاتهم، وتعدوها إلى الضرورة، لهلك الناس قاطبة، ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك، ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد)[1].
الشروط الأصلية للبلوى العامة؛
  1. شيوع تعارض بين ترك محرم لذاته وحفظ أو جلب مصلحة حاجية أو مرجوحة.
  2. وأن يؤدي شيوع التعارض حال ترك المحرم إلى ضرر عام في المجتمع.
  3. وأن يكون ضرر فعل المحرم أخف من  الضرر العام المراد رفعه أو دفعه (جلب مصلحة عامة أو دفعها).
  4. وأن تُقدر الضرورة أو الحاجة بقدرها؛ وذلك بالاقتصار على ما يرفع المشقة أو الضرر أو يدفعهما (يجلب الأصلح أو يحفظه).
  5. التعيُّن؛ ويعني تعذر تحقيق المُراد بمباح أو محرم أصغر.
  6. وجود أمارات قوية للمتوقع؛ والمعنى أن تكون للضرر العام المراد دفعه (المترتب على فوات مصلحة عامة) أمارات في الحال تجعله متوقعاً بيقين أو بظن غالب.

الاقتصار على تعريف واحد للحاجة

لا شك أن تعدد التعريفات للفظ الواحد يوقع في الاضطراب، فلأهمية الاقتصار على تعريف واحد للحاجة سميتُ الحاجة المُلجئة بالاحتياج.
وقد عرَّفتُ الاحتياج بأنه تعارض بين ترك محرم لغيره وتحقيق مصلحة غير ضرورية لا غنى عنها أو رفع مشقة أو دفعها.
وهذا التعريف للاحتياج يميزه عن الاضطرار، فالاضطرار والضرورة من الضرر، وكل محرم لذاته يترتب عليه ضرر بحسبه، فالاضطرار متعلق بالحال الذي فيه ضرر أو مآله إلى ضرر بحسبه، ولما كان جلب مصلحة حاجية غير الضرر وكذا المشقة رأيتُ أن يكون تعريف الاحتياج مقتصراً عليهما.
والمحرمات متفاوتة في الحُرمة، فمنها الموبقات ومنها الكبائر ومنها الصغائر، وما يندرج تحت كل قسم من هذه الثلاثة يتفاوت أيضاً تفاوتاً عظيماً، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات تشمل جميع المحرمات.
المقصود وضع حدٍ شرعي تُعرف به الحاجة المُلجئة (الاحتياج) مُميزةً عن الضرورة المُلجئة (الاضطرار)، وليس المقصود المعنى العام لكلمة الحاجة وكلمة الضرورة.
ولضبط المصلطحات أيضاً يلزم تعديل قاعدة الجويني رحمه الله تعالى بنحو؛ تنزيل البلوى العامة منزلة الضرورة الخاصة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأربعاء 8 شعبان 1441هـ، 1 أبريل 2020م

سؤال وجواب

سؤال؛ هل طريقة التحويل الحالية لمعظم المغتربين من تسليم الوكيل العملة (ريال.. دولار...) في بلاد الاقامة واستلام مندوبيهم بعد زمن ساعات الى يوم مما عمت به البلوى لانه متعذر التقابض او ارسال المبلغ نقداً؟
الجواب؛ حديث (إنما الربا في النسيئة) يدل على أن المحرم لذاته وحقيقته في النسيئة، وأن ربا الفضل محرم لغيره، قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى، والنسيئة تعني التأخير والتأجيل.
والتحقيق أن الحديث يدل على أن حقيقة الربا لا تكون إلا فيما كان نسيئة، وأنه ينصرف أصالةً إلى ربا القروض، وأن ربا البيوع سواء كان نسيئة أو فضلاً قد يكون محرماً لغيره، فاستبدال ذهب بفضة نسيئة محرم لغيره، وكذا استبدال جنيهات بريالات نسيئة.
شرط التقابض في الصرف مقصود لغيره لا لذاته، وهذا أمر في غاية الوضوح، إذ لا ضرر في ذات عدم التقابض.
فالصحيح أن الربا محرم لغيره في الربويات في حالتين وهما؛ ربا الفضل وربا النسيئة إذا اختلف الجنسان.
ويعد الربا محرماً لذاته بل من الموبقات إذا كان نسيئة واتحد الجنس كإقراض الدولار بالدولار لأجَلٍ مع الزيادة، وفي غير الربويات يترجح قول الإمام مالك رحمه الله تعالى وهو اتحاد الغرض والمنفعة أيضاً مع اتحاد الجنس، ولذا جاز البعير بالبعيرين.
ومبادلة شيء بجنسه نسيئة مع اتحاد الغرض والمنفعة قرض ولو سميت بيعاً، فالعبرة بالحقائق والمسميات لا بالأشكال والأسماء.
ولذا فإن جواز  الصرف من غير تقابض في حق المغتربين هو من باب تحقيق مصلحة حاجية تتعسَّر بالمباح أو تتعذَّر به، أو بتعبير آخر؛ هو من باب إباحة المحرم تحريم وسائل للاحتياج الذي هو تعارض بين ترك محرم لغيره وتحقيق مصلحة غير ضرورية لا غنى عنها أو رفع مشقة أو دفعها.
ولدي تفصيلات مهمة في ربا النقود والصرف في؛ مدونتي » أحكام » جريان الربا في الأوراق النقدية.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
السبت 11 شعبان 1441هـ، 4 أبريل 2020م

المصادر

[1] غياث الأمم في التياث الظلم (ص 478-479) » باب في الأمور الكلية والقضايا التكليفية، تحقيق؛ عبد العظيم الديب، مكتبة إمام الحرمين، الطبعة الثانية، 1401هـ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق