كرونا وإغلاق المساجد وتوقعات نهاية دورته

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

إغلاق المساجد مؤقتاً بسبب أوبئة لا يخالف الإجماع

هذا مبحث عام، وأما إنزال الحكم على حال انتشار وباء كورونا الحالي فهو واجب من بحث المسألة من الفقهاء واللجان الفقهية بالتعاون مع المختصين في الأوبئة.
يجب التمسك بالكتاب والسنة والإجماع، لا سيما إجماع السلف وهم أهل القرون الثلاثة المُفضلة.
ولدي بحث خلصت فيه إلى أن نهاية القرون المفضلة بحوالي عام 247هـ في؛ مدونتي » قواعد وأصول » تحديد القرون المفضلة.
إن من يقول بأن إغلاق المساجد مؤقتاً بسبب الوباء مخالف للإجماع، قد استند إلى أنه لم ينقل عن السلف ذلك مع حدوث الطواعين في عصرهم.
والأصل في دلالة عدم العلم بقائلٍ على الإجماع أنها ظنية، وكذا دلالة الإجماع السكوتي، وهو ما لا يعلم قائل بخلافه، وذلك لأنَّ عدم العلم ليس علماً بالعدم في الأصل.
ودلالة عدم العلم بقائل على الإجماع أضعف من دلالة الإجماع السكوتي، لأن الإجماع السكوتي يُعلم قائل به غير أنه لا يعلم مُخالف له.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ذم تقديم الإجماع الظني على النص: (ثم ما يدريه فلعل الناس اختلفوا وهو لا يعلم، وليس عدم العلم بالنزاع علماً بعدمه، فكيف يقدم عدم العلم على أصل العلم كله؟) ... إلى قوله: (وحين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول) [1].
ويرد هنا سؤال وهو؛ إذا كان الإجماع الظني معمولاً به في الشريعة، فلم لا يُعتبر دليلاً في مسألة إغلاق المساجد مؤقتاً بسبب الأوبئة؟ وجوابه من وجهين؛
الوجه الأول؛ قياس الأولى الجلي في حُكم المنصوص عليه، فإذا جاز ترك صلاة الجماعة بسبب الوحل والطين فتركها مؤقتاً لحفظ النفوس أولى، والنص مقدم على الإجماع الظني.
فدلالة الإجماع الظني بحسب ترتيب مصادر الشريعة، فيقدم الإجماع الظني على القياس الظني، ويقدم النص الظني على الإجماع الظني لأن مرتبة النصوص أعلى من مرتبة الإجماع.
والوجه الثاني؛ دلالة القواعد الشرعية المجمع عليها، والإجماع الثابت يقيناً مقدم على الإجماع الظني.
فإن قيل: إن قول صلوا في رحالكم ليس فيه إغلاق المساجد، فيقال: بل قد يكون فيه إغلاق المساجد لصلاة واحدة أو أكثر، والعلة التي يدور معها الحكم هي الاضطرار والحاجة، ولا أثر للوقت في الحُكم.
وإن قيل بأنها رخصة، والعمل بالرخصة ليس واجباً، فيقال؛ هذا إذا كانت رخصة في حال المشقة، وأما في حال الضرر فالعمل بالرخصة واجب، وذلك بدلالة النصوص والقواعد الشرعية الفقهية وأقوال العلماء في الاضطرار.
وحبذا قراءة تفصيل قاعدة؛ "تنزيل البلوى العامة منزلة الضرورة الخاصة" في؛ مدونتي » أحكام » الاضطرار.
دلالة كلٍ من الإجماع السكوتي وما لا يعلم قائل به قد تكون يقينية في بعض الأحوال.
فسنة الخلفاء الراشدين إجماع سكوتي ولكنه يقيني بالقرائن وهي؛ اشتهاره، لأن السنة هي الطريقة المتبعة، بخلاف فتاوى الخلفاء الراشدين كقول عثمان رضي الله عنه في حد السفر المبيح للفطر بأنه ما حُمل فيه الزاد والمزاد، ولدلالة النص على وجوب اتباع سنة الخلفاء الراشدين.
ما لا يعلم قائل به يكون يقينياً في مخالفته للإجماع إذا كان معارضاً لما نقل إلينا من نص أو إجماع.
من الإجماع المتوهم؛ ترك النص المحكم الذي رواه السلف ولم يرد عنهم أنه منسوخ أو متروك بسبب إجماع ظني حاصله الجهل بقائلٍ بمضمون النص أو الجهل بمخالف لقول مخالف للنص.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مخالفة النص لعدم العلم بقائلٍ بمضمونه: (فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم "ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا" يقول: من قال بهذا؟ ويجعل هذا دفعاً في صدر الحديث، أو يجعل جهله بالقائل به حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل) [2].
وقال في مخالفة النص لعدم العلم بالمخالف (الإجماع السكوتي) في بيان أصول فتاوى الإمام أحمد رحمه الله تعالى؛ (ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص; فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده) [3].
قد يوجد حكم مسألة في غير مظانها، وكثير من الكتب أتلفت في اعتداء بعض الكفار على بلاد المسلمين، وبعض الكتب لا تزال مخطوطات لم تقرأ.
ولكن كل ما نحتاجه في أمر ديننا نقل إلينا، فقد نقلت إلينا النصوص والقواعد الفقهية التي تدل على المسائل التي لم تنقل إلينا بعينها.

توقعات دورة حياة كورونا

طبيعة البشر استشراف المستقبل في سائر شؤونهم، ولا بأس باستشراف المستقبل بالمباح، بل هو أمر لازم في العديد من الأنشطة البشرية، كأهمية توقعات الطقس في الملاحة البحرية والجوية، وتوقعات الأرباح في الأنشطة التجارية.
ومع قلقل الناس بسبب وباء مرض كورونا، فإنهم يتطلعون لمعرفة موعد نهايته، ولا بأس بذلك ما لم يكن بمحرم كالتنجيم والكهانة والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم واعتماد روايات ضعيفة.
ورد حديث صحيح يدل على أن نهاية عاهات الزرع تكون بوقت طلوع نجم الثريا صباحاً، ووردت أحاديث فيها ضعف مطلقة في جميع العاهات.
ويطلع نجم الثريا صباحاً حوالي الثاني عشر من مايو / أيار.
قال الطحاوي رحمه الله تعالى: (وطلبنا ما يقابل ذلك من الشهور السريانية التي يعتبر أهل العراق بها ذلك فوجدناه أيار، وطلبنا اليوم الذي يكون ذلك في فجره فإذا هو اليوم الثاني عشر من أيامه) [4].
الحديث المقيد بالزرع صحيح وهو عن عثمان بن عبدالله بن سراقة قال: (سألتُ ابنَ عُمرَ عن بيعِ الثِّمارِ فقال نهى رسولُ اللهِ ﷺ عن بيعِ الثِّمارِ حتّى تَذهبَ العاهةُ قلتُ: ومتى ذاك؟ قال: حتى تَطلُعَ الثُّريّا) [5].
وأما الحديث المطلق وفيه ضعف فهو؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما طَلَعَ النَّجْمُ صَباحًا قَطُّ، وبقومٍ عاهةٌ، إلا وَرُفِعَتْ عنهم، أو خَفَّتْ) [6].
الأحاديث المطلقة كلها فيها ضعف، وعلى فرض تقويتها كما قال بذلك بعض العلماء فإن حمل المطلق على المقيد يتأكد في هذه الحال، لما في المطلق من ضعف مقابل المقيد.
فالأحاديث خاصة بعاهة الزرع فقط، ولكن يمكن أن يُستنبط من الحديث الصحيح أن عاهات البشر التي لها علاقة بالمناخ قد تفنى في الأسطح في تاريخ مشابه لوقت طلوع نجم الثريا، إلا أن انتقالها عبر العلاقات الاجتماعية قد يستمر لفترة طويلة، لأن درجة الحرارة الداخلية لجسم الإنسان ثابتة طوال السنة.
فوقت نهاية عاهات البشر التي لها علاقة بالمناخ قد يكون بعيداً عن يوم طلوع نجم الثريا، وذلك لأن الثمار لها وقت معين للنضج والظهور، فعاهاتها كذلك بخلاف عاهات البشر، ففائدة معرفة تاريخ نهاية عاهة الزرع في عاهات البشر قد تنحصر في طرق مقاومتها.
وقد وجدت موقعاً فيه توقع دورة حياة مرض كورونا باستخدام المعلومات المتوافرة وما يعرف بالذكاء الاصطناعي، ومن خلال الرسومات البيانية يظهر أن التوقعات ليست بعيدة كثيراً عما يحدث حقيقة، وهذا هو رابط الموقع؛

وقت ذهاب عاهة الزرع في جنوب الأرض

وهنا مسألة حول عاهة الزرع وطلوع نجم الثريا بالنسبة للنصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
فالمعلوم أن الصيف والشتاء يتعاقبان بين النصف الجنوبي والشمالي من الكرة الأرضية، فمنتصف الصيف في النصف الشمالي يقع تقريباً في يوم 20 و21 و22 يونيو، وهي أطول الأيام فيه، وهي منتصف الشتاء في النصف الجنوبي وأقصر الأيام فيه.
وأما منتصف الشتاء في النصف الشمالي فيقع تقريباً في يوم 21 و 22 و23 ديسمبر، وهي أقصر الأيام فيه، وهي منتصف الصيف في النصف الجنوبي وأطول الأيام فيه.
السؤال هو ما هو موعد نهاية عاهة الزرع في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية؟
الجواب؛ لاشك أنه ليس يوم الثاني عشر من شهر مايو، والغالب قياساً أن يكون هو يوم الثاني عشر من نوفمبر، وأما توجيه الحديث ففيه احتمالان؛
الاحتمال الأول؛ يحتمل أن نجم الثريا يظهر في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية يوم الثاني عشر من نوفمبر، وذلك بدلاً عن ظهوره يوم الثاني عشر من شهر مايو في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
الاحتمال الثاني هو أن نجم الثريا يظهر دائماً يوم الثاني عشر من مايو في النصفين الشمالي والجنوبي، وأن المقصود بنص الحديث النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وأن على أهل النصف الجنوبي أن يقدروا لذلك قدره.
ولذلك أمثلة في السنة، فمع علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن اتجاه القبلة في مكة هو كل الاتجاهات إلا أنه وجه نص كلامه إلى أهل المدينة في حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط.
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتَيْتُمُ الغائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، ولا تَسْتَدْبِرُوها ببَوْلٍ ولا غائِطٍ، ولَكِنْ شَرِّقُوا، أوْ غَرِّبُوا). قالَ أبو أيُّوبَ: (فَقَدِمْنا الشّامَ فَوَجَدْنا مَراحِيضَ قدْ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْها ونَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) [7].
فقوله: (شرقوا وغربوا) هو لأهل المدينة وكل من كانت قبلتهم تجاه الجنوب أو الشمال، ولا يشمل ذلك قطعاً من كانت قبلتهم في اتجاه الشرق والغرب، ولذا فإن نهاية عاهة الزرع في النصف الجنوبي من الأرض هي في يوم الثاني عشر من شهر نوفمبر حتى ولو كان ظهور نجم الثريا عندهم يوم الثاني عشر من شهر مايو.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند السويد
الإثنين 27 شعبان 1441هـ، 20 أبريل / نيسان 2020م.

المصادر

[1] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج2/ص174-175)، تحقيق؛ محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية، ييروت الطبعة الأولى، 1411هـ - 1991م.
[2] إعلام الموقعين (ج4/ص188)، الطبعة السابقة.
[3] إعلام الموقعين (ج1/ص24)، الطبعة السابقة.
[4] شرح مشكل الآثار (ج6/ص56)، تحقيق؛ شعيب الأرنؤوط، الناشر؛ مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى - 1415هـ، 1494م.
[5] مسند أحمد (٧ / ١١٨). 
قال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وصححه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤ / ٢٣)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (٣ / ٣٢٦): صحيح إسناده، رجاله ثقات، وقال العيني في نخب الأفكار (١١ / ٤٥٤): طريقه صحيح، وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند (٥١٠٥): إسناده صحيح على شرط البخاري.
[6] أخرجه أحمد (٩٠٣٩)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (٣ / ٤٢٦)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (١٣٠٥). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (٥٠٩٦)، وله روايات أخرى ضعفها الألباني رحمه الله تعالى في؛ السلسلة الضعيفة (٣٩٧)، وفي ضعيف الجامع (٥٨٥).
[7] أخرجه البخاري (١٤٤)، ومسلم (٢٦٤)، وأبو داود (٩) باختلاف يسير.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق