لا استثناء فيما ورد في الحبة السوداء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على النبي الأمين البشير النذير، وعلى كل صحبٍ بار نصير، وعلى من يقتفي أثرهم وعلى دربهم يسير.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فِي الحَبَّةِ السَّوْداءِ شِفاءٌ مِن كُلِّ داءٍ، إلّا السّامَ)، متفق عليه [1].
سب اختياري لهذه الرواية هو أنها وردت على صيغة؛ (في ....إلخ.)، وهي في الصحيحين بهذه الصيغة.
لا شك أن هذه الرواية لها معنىً أدق من رواية (الحبة السوداء ...إلخ.)، فالمعنى أن في الحبة السوداء مواد فيها دواء لجميع الأمراض بلا استثناء كما هو واضح من نص الحديث.
فالأصل حمل النصوص على ظاهرها إلا لصارف، فواضح أن شفاء هنا تعني دواء، وشموله جميع الأمراض واضح من ظاهر النص، إضافةً إلى التأكيد الوارد في الحديث؛ (إلا السام).
ولكن إذا أضفنا إلى شمول مواد الحبة السوداء لأدوية جميع الأمراض قول النبي صلى الله عليه وسلم في دواء كل مرض: (عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وجَهِلهُ مَنْ جَهِلهُ) علمنا أنَّ كيفية استخدام ما في الحبة السوداء من مواد ليس معلوماً عند الجميع، وهذا يدل على أنه لابد لمعرفة كيفية استخدامها من دراسة وبحث وتجربة.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللهَ لمْ يُنْزِلْ داءً أوْ لمْ يَخْلُقْ داءً إلّا أنْزَلَ أوْ خلقَ لهُ دَواءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وجَهِلهُ مَنْ جَهِلهُ، إلّا السّامَ، قالوا: يا رسولَ اللهِ وما السّامُ؟ قال: المَوْتُ)، صححه بمجموع طرقه الألباني رحمه الله تعالى [2].
فإذا أضفنا إلى ما سبق إرشاد القرآن والسنة إلى أن في غير الحبة السوداء شفاءٌ أيضاً، علمنا أن النصوص فيها إرشاد إلى أن التداوي بما في الحبة السوداء من مواد قد يقتضي إضافة مواد أخرى إليها مستخرجة من غير الحبة السوداء.
من النصوص التي أرشدت إلى ما في غير الحبة السوداء من شفاء؛ قول الله تعالى ذكرُهُ في شأن عسل النحل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ}.
فالمقصود بحديث الحبة السوداء مع جمع النصوص؛ توجيه الصيادلة من الأمة لاستخراج مواد من الحبة السوداء لاستخدامها في تصنيع أدوية جميع الأمراض تُضاف إلى مواد أخرى تستخرج من غير الحبة السوداء.
فرواية؛ (في الحبة السوداء شفاء من كل داء) تعني أن الحبة السوداء ليست بالضرورة شفاءاً بكاملها، وأن الشفاء في موادها المكونة لها.
والعلماء مجمعون على أن الأحاديث يجوز روايتها بالمعنى وأن روايتها بنصها أفضل، ولذا فإن علماء الرواية والدراية يجمعون بين الروايات المختلفة لاستخراج المعنى الصحيح المُراد من الأحاديث.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نضر اللهُ امرءًا سمِعَ مِنّا شيئًا، فبلَّغَه كما سَمِعَه، فرُبَّ مبلَّغٍ أوْعى من سامِعٍ)، صححه الألباني [3].
فقوله: (كما سمعه) يعني بنصه لا بمعناه، وقوله: (فرب ...) تعليل لأفضلية رواية الحديث بنصه لا بمعناه.
وعن جبير بن مطعم عن أبيه قال: (قامَ رسولُ اللَّهِ ﷺ بالخيفِ من منًى، فقالَ: نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمِعَ مقالتي، فبلَّغَها، فرُبَّ حاملِ فِقهٍ غيرُ فَقيهٍ، وربَّ حاملِ فِقهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منهُ)، صححه الألباني رحمه الله تعالى [4].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
السبت 23 رمضان 1441هـ، 16 مايو 2020م

المصادر

[1] أخرجه البخاري (٥٦٨٨)، ومسلم (٢٢١٥).
[2] السلسلة الصحيحة (١٦٥٠)
[3] أخرجه الترمذي (٢٦٥٧) واللفظ له، وابن ماجه (٢٣٢)، وأحمد (٤١٥٧)، وصححه الألباني في؛ صحيح الجامع (٦٧٦٤).
[4] صحيح ابن ماجه (٢٤٩٨).
  
pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق