القيام بالمحفوظ من الورد القرآني ومقداره

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم الوهاب، والصلاة والسلام على معلم الخير والآداب، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلهم إلى يوم المآب.

التلاوة من المحفوظ وفي الصلاة

النصوص التي تدل على فضل تجويد حفظ القرآن الكريم تدل على فضل القراءة من المحفوظ، وذلك لأن فائدة الحفظ هي التلاوة.
ومما يدل على فضل تجويد حفظ القرآن ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ؛ فَلَهُ أجْرانِ)، صحيح البخاري (٤٩٣٧).
وأما القول بأن القراءة من المصحف أفضل لأن فيها استعمال حاسة البصر واللسان والسمع فهو اجتهاد ليس عليه دليل، والتجربة تدل على أنَّ القراءة من المحفوظ أفضل.
فمما يدل على ذلك من التجربة أن قراءة القرآن من المحفوظ تعين على تدبر المعاني لأنها تخلو من الانشغال بتقليب الصفحات ومتابعة النص المكتوب بالبصر.
والقراءة من المحفوظ تعين على مراجعة الحفظ وتقويته.
وتلاوة القرآن في الصلاة أفضل من تلاوته خارج الصلاة، وتستحب تلاوة الحزب اليومي في صلاة الليل، يدل على ذلك ما يلي.
1. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن حِزْبِهِ أو عن شيٍء منهُ فقرأَهُ فيما بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ كُتِبَ لهُ كأنَّما قرأَهُ من الليلِ)، أخرجه مسلم (٧٤٧).
2. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسدَ إلا في اثنتيْنِ رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو يُنفقُه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ)، أخرجه البخاري (٧٥٢٩) باختلاف يسير، ومسلم (٨١٥).
3. عن أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فيه ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: فَثَلاثُ آياتٍ يَقْرَأُ بهِنَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، خَيْرٌ له مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ)، أخرجه مسلم (٨٠٢).
والخلفات هي الحوامل من النوق، يعني التي يرجى أن تخلف ولدها.
4. عن تميم الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: (مَنْ قرأَ بِمِائَةِ آيَةٍ في ليلةٍ كُتِبَ لهُ قُنُوتُ ليلةٍ)، أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١٠٥٥٣)، وأحمد (١٦٩٥٨)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٦٤٤).

مقدار الحزب اليومي

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (اقْرَأِ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ، قالَ قُلتُ: إنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قالَ: فاقْرَأْهُ في عِشْرِينَ لَيْلَةً، قالَ قُلتُ: إنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قالَ: فاقْرَأْهُ في سَبْعٍ وَلا تَزِدْ على ذلكَ)، أخرجه البخاري (١٩٧٨)، ومسلم (١١٥٩) واللفظ له.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ)، رواه الترمذي (2949) وأبو داود (1390) وابن ماجة (1347) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
يفضل في الأحوال العادية أن يكون الورد جزءاً واحداً في الليلة، فإن وجد الإنسان نشاطاً ووقتاً فجزء ونصف، فإن وجد نشاطاً ووقتاً فأربعة أجزاء وربع، وتكره الزيادة على ذلك، يدل على أن ذلك في المعتاد المتكرر قوله: (في كل شهر).
وذلك حسب شغل الإنسان في اليوم والليلة بما يجب عليه من تحصيل رزق وعشرة أهل وتربية أولاد وصلة رحم ونحو ذلك.
وأما في أوقات الفراغ وفي الأوقات غير الفاضلة؛ فتكره الزيادة على عشرة أجزاء في الليلة، وذلك للإطلاق الوارد في الحديث في نفي فهم القرآن عمن قرأه في أقل من ثلاث ليال.
وأما في أوقات الفراغ مع فضل المكان أو الزمان، فقد قيل بجواز قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام بلياليها لورود ذلك عن بعض السلف والأئمة، وقد ورد عن آخرين من السلف والأئمة كراهة ذلك.
وقد دلت السنة على كراهة قراءة القرآن في أقل من سبع ليال في المعتاد وعلى رجحان القول بكراهة قراءته في أقل من ثلاث في أوقات الفراغ بإطلاق من غير استثناء لأزمان أو أماكن فاضلة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الثلاثاء 14 ذوالجحة 1443ه، 12 يوليو 2022م

pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق