حُكم تعويضات شركات التأمين

السؤال؛ ورد سؤال مسجل من صاحب موتر وقع له حادث مع صاحب سيارة وتسبب له في تلف في ساقه، فهو يسأل عن حكم أخذ تعويض التلف من شركات التأمين المؤنة له ولصاحب السيارة.
الجواب؛ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياك الله وبك نفع.
التأمين التجاري كله محرم لما فيه من غرر، ولكن التعويض الذي تتحمله شركات التأمين يجوز لكل من التزموا له به أن يطلبه من شركات التأمين لسببين وهما؛
1. جواز المال المحرم لكسبه لغير المُكتسِب، فمن يُدفع له التعويض لا ينظر إلى كسب الدافع ما دام أن المال ليس محرماً لعينه.
2. أنه لا ظلم في الغالب على شركة التأمين، لأنها لو لم تكن رابحة لأفلست وتركت التأمين، والأحكام تُبنى على الغالب.
الأصل في كل ما فيه غرر احتمال أن يتضرر أحد الطرفين، ولكن في حال التأمين يبدو أن ضرر شركات التأمين يحدث عادةً في حالات قليلة لأن الغالب قلة الحوادث والغش، وقصدي بالغش مثل حرق المؤمَّن له ما يملك ليقبض التعويض ويشتري أفضل مما فقد ونحو ذلك.
هذا ينطبق على السائل (صاحب الموتر) ومن وقع معه الحادث (صاحب السيارة).
والأصل في صاحب السيارة أنه غير ضامن ما لم يتعمد الحادث أو يفرط في السلامة بما يوجب عليه الضمان (التعويض)، ولكن إذا كانت الجهة التي تدفع هي شركة التأمين فالحكم الجواز لما سبق.
يبدو أن صاحب السؤال لا يدفع إلا التأمين الإجباري الذي أجازه العلماء بسبب البلوى العامة، وأما صاحب السيارة فلا يُشترط سؤاله عما إذا كان يدفع أكثر من التأمين الإجباري لما سبق من أن المال المحرم لكسبه حرام على المُكتسِب فقط.
لمزيد إيضاح أنقل في التالي تعريفي للبلوى العامة ورابط التعريف لأن التعريف متعلق بالاحتياج والاضطرار، وفي الرابط كلام عنها جميعاً، وقد عرَّفت البلوى العامة لما رأيت أن التعريفات التي اطلعت عليها غير وافية.
(البلوى العامة هي شيوع تعارضٍ بين ترك محرم لذاته وتحقيق مصلحة حاجية أو مرجوحة، بحيث يُورث فوات المصلحة ضرراً أعظم من ضرر المحرم على المجتمعات وحرجاً عظيماً على الأفراد بسبب شيوع التعارض.
ومن أمثلة البلوى العامة؛ تعارض ترك دفع تأمين السيارات الإجباري مع امتلاك سيارة، وذلك لأن انعدام السيارة مع كبر حجم المدن في زماننا يورث مشقة أو ضرراً أخف لو كان التعارض نادراً، ولكن مآله إلى ضرر أعظم على المجتمع لعموم البلوى به)، منقول من؛ الاضطرار والاحتياج والبلوى العامة.
وكنتُ قد أجبتُ على سؤال سابق متعلق بالمال المحرم لكسبه، أنقل منه ما يلي.
قسم العلماء المال (كل ما له قيمة) المحرم إلى قسمين؛
١. محرم لعينه ومثلوا له بعين المسروق. ٢. محرم لكسبه، ومثاله المال المكتسَب من الربا.
المال المحرم لعينه كعين المسروق محرم على من اكتسبه وعلى غير المكتسِب، فلا يجوز لأحد أن يشتري عين المسروق ولا يقبله كهدية ولا عارية ولا دين ولا أي نوع من أنواع الكسب.
وأما المحرم لكسبه، فقد اختلف العلماء في حكمه على غير المكتسِب على ثلاثة أقوال؛ ١. أنه حرام على غير المكتسِب. ٢. لو كان أكثر المال من حلال، فهو حلال لغير المكتسِب. ٣. أنه حلال لغير المكتسِب، فيجوز قبول الهدية والشراء وأكل الطعام والمشاركة في التجارة مع من كان كسبه من حرام إذا كان مجال التجارة مباحاً ليس فيه حرام.
والقول الصحيح هو حل الحرام لكسبه لغير المكتسِب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود، والمعلوم أنهم يأكلون السحت ويكتسبون من حرام، ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أكثر كسبهم من حلال أم لا، فقبل هديتهم، وعامل يهود خيبر على نصف تمرها (والمزارعة نوع من المشاركة)، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي لدين كان له عليه.
وقد سأل رجلٌ ابن مسعود رضي الله عنه: إن لي جاراً يعمل بالربا، ولا يجتنب في مكسبه الحرام، يدعوني إلى طعامه إذا جئت، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: لك المهنأ، وعليه المغرم، ما لم تعلم الشيء بعينه حراماً.
قال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: (ومعنى قول ابن مسعود هذا قد أجمع العلماء عليه، مَن علم الشيء بعينه حراماً مأخوذاً من غير حلّه، كالخبزة وشبهها من الطعام، أو الدابة، وما كان مثل ذلك كله من الأشياء المعينة غصباً أو سرقة، أو مأخوذة بظلمٍ بيّن لا شبهة فيه، فهذا الذي لم يختلف أحد في تحريمه، وسقوط عدالة آكله، وأخذه وتملكه).
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق