مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحابته الغر الميامين، ومن بعدهم من السلف الصالحين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
هذا المجموع أصله مقالات متعددة كتبتُها عندما زعم بعضٌ أنّ الاتفاق الإطاري علمنة مؤقتة يوجد اضطرار لإقرار غيرنا عليه لا إقرارنا به، فلم توافقه جماعة أنصار السنة المحمدية على هذا القول.
وجماعة أنصار السنة جماعة دعوية لا تقر غيرها على علمنة البلد، وهي ليست جماعة سياسية حزبيّة، ولذا فهي لا توقّع على مثل هذه التحالفات السياسية ولو كانت مشروعة.

مفردات

كلمة الإطاري في عرف القانونيين والسياسيين تعني الاتفاق المبدئي الذي لم يصل مرحلة الاتفاق التام.
والعَلْمني هو المنحاز لمعسكر العلمنة ولو لم يكن علمانياً.
والأسلمي هو داعية الأسلمة.
والنسبة الصحيحة إلى الحركة الإسلامية حركي وليس إسلامي، لأن النسبة إلى النسبة لا تصح بهذه الطريقة.
فالإسلامية هي نسبة إلى الإسلام، وهي نسبة الحركة.
ونسبة رجل إلى الإسلام مسلم وليس إسلامي.
ولذا فالصحيح أن يقال لمن انحاز إلى معسكر الأسلمة أسلمي ولو لم يكن مسلماً.
ويقال لمن انحاز إلى معسكر العلمنة عَلْمني سواءٌ كان مسلماً أو علمانياً.

جماعتنا الدعوية وهويتنا السودانية

تظل جماعتنا بإذن الله متميزة بنهجنا، جامعة لأهل قبلتنا، وفية لأهل ذمتنا، مندمجةً في نظام وطننا، مساندة لقواتنا، معززة لاستقلالنا.
فقد ظلت جماعة أنصار السنة تدعو للتوحيد الخالص والاتباع المجرد والحجة والبرهان وتزكية النفوس وحسن الأخلاق.
وفي هذا السبيل تحقيق مصالح أمتنا المسلمة عامة والسودانية خاصة وسعادتها الدنيوية والأخروية.
وهو سبيل ائتلاف القلوب وتوحيد الكلمة ورص الصفوف.
ومع هذا التميز والتمايز المنهجي ظلت الجماعة على العهد في حرصها على وحدة السودان وأراضيه وقوميّته وقصده على الطريقة السنيّة.
وذلك بدعوتها إلى طاعة أولياء الأمور وإن كانوا مبتدعة أو فسقة أو ظلمة ما داموا مسلمين مقيمين لأصل الدين؛ الشهادتين والصلاة.
فبهذا يتوحّد أهل القبلة بمختلف طوائفهم وجماعاتهم في نظام سياسي واحد.
وظلت الجماعة عبر تاريخها الطويل داعمة للقوات المسلّحة باعتبارها حامية الأرض والنفس والعرض والمال بإذن الله تعالى.
وقد استجاب عدد من أفراد الجماعة لدعوة النفرة بدون تمايز عن بقية الأمّة السودانيّة في تشكيلات عسكريّة خاصّة.
وقد عرف عن الجماعة منذ إنشائها أنّها لم تتمايز عن بقيّة السودانيّين بجيش خاص ولا حتى مجرّد كتيبة حزبيّة تحت إمرة القوات المسلّحة.
فهذا هو سبيل الجماعة في توحيد أهل القبلة خاصة والأمة السودانية عامة في القضايا المشتركة.
وأما الدعوة لوحدة أهل القبلة عبر الأحزاب السياسية والكتائب الحزبية، فقد ثبت بالنظر والتجارب أنها لا توحّد، بل تزيد التشقّق والتصدّع.
وما أكثر عدد الأحزاب التي تدعي أنها عريضة جامعة لأهل القبلة! وما أكثر انقساماتها!
ولذا جزم مشايخنا من الرعيل الأول بعدم إعادة تجربة جبهة الميثاق الإسلامي.
وكل تنظيم مدني يشمل مجاله مسائل أصولية غير مشتركة أو يراها المخالفون أصولية، فمصيره إما إلى الفشل أو مجاراة المخالفين، وقد دلت على ذلك التجربة والعقل المجرد مع دلالة الشرع وأقوال السلف عليه.
ولذا لما سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن حركة الجهاد الإرترية، أجاب بأن التجارب المعاصرة قد دلت على أن مصير هذه التحالفات إلى فشل، وهذا ما حدث.
ولأنّ جماعتنا دعويّة، فإنّها لم توقّع على تحالفات حزبيّة لا سيّما ما يؤدّي منها لعلمنة البلد.
وقد زعم من زعم أنّ الإطاري علمنة مؤقّتة يوجد اضطرار لإقرار غيرنا عليه لا إقرارنا به، فلم توافقهم الجماعة.
وتميّز جماعتنا المنهجي وتمايزها به لم يمنعها من الاندماج في الأمّة السودانيّة الديني والسياسي النظامي وسائر جوامع الهويّة السودانية.

هويتنا السودانيّة

السودان أمة وقومية واحدة مع ما فيه من تعدّد [١].
فالأمّة لغة من أمّ بمعنى قصد.
والأمة من الناس اصطلاحاً هم الجماعة التي لها مقصد مشترك يعملون له.
والقوم لغة من القيام.
والقوم اصطلاحاً هم الجماعة من الناس التي لها جامعة يقومون لها.
لقوميتنا أربع جوامع أساسيّة، وهي من مقاصد أمتنا، وهي؛
١. جامعة الدين.
٢. جامعة الرحم، لأننا شعوب بينها رحم.
٣. جامعة الميثاق الوطني (الذمة).
٤. يضمّ وطننا السياسي أوطاننا الحقيقية (بلاد المولد والنشأة والعشيرة).
٥. جوامع أخرى كاللغة والعادات.
ومن تجمعهم هذه الروابط مع أخوة الدين أولى بالمحبة والنصرة.
قال رسول الله ﷺ: (إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً)، رواه مسلم بلفظ مختلف.
وهذا دليل على اعتبار رابطة الدم والميثاق الوطني (الذمة) في الشرع.
والقبط أخوال بني إسماعيل، ولذا فهما شعبان بينهما رحم.
لأن النسب بالآباء، والرحم بالآباء والأمهات.
قال الله تعالى: ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾.
معنى الشعب في هذه الآية هو النسب البعيد.
وميثاقنا الوطني مبني على اختيار أغلبنا وتمسكهم بدينهم.
قال الله تعالى: ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾.
وجامعة الدين لا تغفل حقوق غير المسلمين، فهم أهل ذمتنا بالاصطلاح الفقهي.
قال القرافي المالكي رحمه الله: (والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله) [٢].
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الأحد ٧ جمادى الأول ١٤٤٤هـ، ١٢ ديسمبر ٢٠٢٢م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق