جمل في الأطعمة والأشربة

الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

القواعد العامة

١. الأصل في الأطعمة والأشربة الحل إلا لنص.
٢. كل نجس حرام.
٣. كل ضار حرام.
٤. كل مسكر ومفتر حرام.
٥. الأصل في الدواب حل لحمها إلا لنص.
٦. الأصل في اللحوم الحرمة إلا ما ذكيت.
٧. كل ما أهل به لغير الله أو ذبح على النصب فهو حرام.

الأصل في الأطعمة والأشربة

قاعدة الأصل في الأطعمة والأشربة الحل إلا لنص مندرجة تحت قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة إلا لنص، والأشياء في هذه القاعدة تشمل؛ الأعيان ومنها الأطعمة والأشربة، والمعاملات كالبيع، والعادات كطريقة اللبس والاحتفال بالزواج.
يدل على هذه القاعدة قول الله جل ثناؤه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، واللام للإباحة.
ويدل عليها أيضاً؛ قول الله تعالى ذِكرُه: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].
وهذه الآية خاصة بالأنعام بدليل سابقاتها، ولأنه ورد في السنة تحريم غير ما ورد في هذه ا لآية من الحيوانات والطيور.

النجاسات

ومنها الدم المسفوح، فكل نجس يحرم أكله أو شربه بدليل آية الأنعام السابقة؛ ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾، وبدليل الإجماع.
ولكن ليس كل ما حرم أكله وشربه نجس عند بعض العلماء، وهو الراجح، فالنباتات السامة محرمة وليست نجسة، وكذا الخمر عند بعضهم.

المسكرات والمفترات

وذلك لقول النبي ﷺ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ)، صحيح البخاري (٦١٢٤)، وصحيح مسلم (٢٠٠٢) [١].
وعن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (نهى رسول اللهِ ﷺ عن كل مسكر ومفتر)، أخرجه أبو داود (٣٦٨٦)، وأحمد (٢٦٦٣٤)، سكت عنه أبو داود، وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح، وحسن إسناده ابن حجر رحمه الله تعالى وغيره [٢].
والمسكر هو ما غيب العقل مع نشوة وفرح.
والمفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف والبدن.

الضار

ولا خلاف في تحريم كل ضار كالسموم الممرضة والقاتلة، وذلك لقول الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧]، والخبيث هو المستقبح، وكل ضار مستقبح، ولاختلاف الأذواق فإن المستقبح لا ينضبط إلا بالضار، ولقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١۹٥].

الدواب

الأصل في الدواب حل لحمها إلا لنص، وما ورد تحريمه من الدواب بالنص عليه أو بلازم نص ما يلي؛

١. الميتة وما أهل به لغير الله وما ذبح على النصب

قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣].
وتحريم الميتة مع استثناء ما ذُكي في الآية السابقة يدل أن الأصل في اللحوم الحرمة إلا أن يثبت بيقين أو ظن غالب أنها ذكيت، والتذكية تكون بالذبح أو النحر أو الصيد أو العقر.
والفرق بين الذبح والنحر هو أن النحر في اللبة والذبح في موضع الرقبة، ويستحب النحر في الإبل، ويستحب الذبح في غير الإبل، والصيد والعقر بنفس المعنى غير أن العقر هو للحيوان الأليف الذي توحش.
ويستثنى من الميتات ما يلي؛
السمك.
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (أُحِلَّتْ لنا مَيتَتانِ ودَمانِ، فالمَيتَتانِ السمكُ والجَرادُ، والدمانِ: الكَبِدُ والطِّحالُ)، أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤)، وأحمد (٥٧٢٣)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (٤/٢٧١) واللفظ له، وصححه موقوفاً الألباني رحمه الله تعالى وغيره، وله حكم الرفع [٣].
الجراد.
للحديث السابق.
ميتة البحر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال في البحر: (هوَ الطَّهورُ ماؤُهُ الحلُّ ميتتُهُ)، أخرجه أبو داود (٨٣)، والترمذي (٦٩)، والنسائي (٥٩)، وابن ماجه (٣٨٦)، وأحمد (٨٧٣٥)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (٤٣٦١) وغيره [٤].
واختلف العلماء في بعض ميتات البحر، كخنزير البحر.

٢. لحم الخنزير

لقول الله تعالى﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾.

٣. كل ذي ناب من السباع

وهي آكلات اللحوم، كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب، والقرد.
عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (نَهى رَسولُ اللهِ ﷺ عن أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ)، أخرجه البخاري (٥٥٣٠)، ومسلم (١٩٣٢) [٥].

٤. كل ذي مخلب من الطير

وهي آكلات اللحوم، كالحدأة والصقر والنسر.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (نَهى رَسولُ اللهِ ﷺ عن كُلِّ ذي نابٍ مِن السَّبُعِ، وعن كُلِّ ذي مِخلَبٍ مِن الطَّيرِ)، أخرجه مسلم (١٩٣٤)، وأبو داود (٣٨٠٣)، والنسائي (٤٣٤٨)، وابن ماجه (٣٢٣٤)، وأحمد (٣٠٢٣) [٦].

٥. الحمر الأهلية

 عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (نُهِينا عن لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ)، أخرجه البخاري (٥٥٢٥)، ومسلم (١٩٣٨).

٦. ما نهي عن قتله

الراجح تحريم أكل ما نهي عن قتله، لأنه لا سبيل إلى أكله إلا بقتله بالذكاة الشرعية، فبما أن قتله محرم فلزم تحريم أكله.
والراجح أن النهي عن قتل هذه الدواب للتحريم لعدم ورود ما يدل على صرف النهي إلى الكراهة.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (إنّ النبيَّ ﷺ نهى عن قتلِ أربعٍ من الدوابِّ، النملةِ، والنحلةِ، والهدهدِ، والصّردِ)، صححه الألباني رحمه الله تعالى في صحيح أبي داود (٥٢٦٧).
والصرد طائر وكذا الهدهد.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ ﷺ قال: (لا تقْتُلُوا الضفادِعَ)، صححه الألباني في صحيح الجامع (٧٣٩٠).
ولا يرد على ما سبق النهي عن قتل الجراد، وذلك إما بسبب أن حل الجراد استثناء مما نهي عن قتله أو لأن الجراد يؤكل ميتاً.
قال النبيَّ ﷺ: (لا تقْتُلُوا الجرادَ، فإنَّهُ مِن جنْدِ اللهِ الأعظَمِ)، حسنه الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع (٧٣٨٨)، وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (١٤٤٠)، والطبراني (٢٢/٢٩٧) (٧٥٧) باختلاف يسير، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١٠١٢٧) واللفظ له.

٧. ما أمر بقتله

الراجح تحريم أكل ما أمر بقتله، لأنه لو جاز أكله لأمر بذكاته والانتفاع به، وذلك لتحريم إتلاف المال، والمال هو كل ما له قيمة مما ينتفع به.
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: (خَمْسٌ فَواسِقُ، يُقْتَلْنَ في الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، والعَقْرَبُ، والحُدَيّا، والغُرابُ، والكَلْبُ العَقُورُ)، أخرجه البخاري (٣٣١٤) ومسلم (١١٩٨).
والحديا هي الحدأة، وهي من الطيور الجارحة.
وعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها؛ (أنّ رَسولَ اللهِ ﷺ، أمَرَ بقَتْلِ الوَزَغِ، وقالَ: كانَ يَنْفُخُ على إبْراهِيمَ)، صحيح البخاري (٣٣٥٩).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَخْطُبُ على المِنبَرِ يقولُ: (اقْتُلُوا الحَيّاتِ، واقْتُلُوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبْتَرَ، فإنّهُما يَطْمِسانِ البَصَرَ، ويَسْتَسْقِطانِ الحَبَلَ. قالَ عبدُ اللهِ: فَبَيْنا أنا أُطارِدُ حَيَّةً لأقْتُلَها، فَنادانِي أبو لُبابَةَ: لا تَقْتُلْها، فَقُلتُ: إنّ رَسولَ اللهِ ﷺ قدْ أمَرَ بقَتْلِ الحَيّاتِ قالَ: إنّه نَهى بَعْدَ ذلكَ عن ذَواتِ البُيُوتِ، وهي العَوامِرُ)، أخرجه البخاري (٣٢٩٧)، ومسلم (٢٢٣٣)، وأبو داود (٥٢٥٢)، والترمذي (١٤٨٣)، وابن ماجه (٣٥٣٥)، وأحمد (٤٥٥٧).

٨. الهوام والحشرات

الراجح تحريم أكل الهوام والحشرات عدا الجراد، وذلك لأنها لا تؤكل إلا ميتة، وقياسها على الجراد ضعيف، وذلك لأن القياس على ما استثني من محرم ضعيف.
وكثيرٌ من الهوام والحشرات تأكل النجاسات، والجمهور على القول بكراهة أكل الجلالة إلا بعد إطعامها بالطاهرات لمدة، والجلالة هي كل دابة تغذت على نجس.
وقد استدل بعض أهل العلم على حرمة الحشرات والهوام بأن الخبيث هو ما استخبثته العرب، والصحيح في الخبيث هو كل مستقبح، وبما أنه لا ضابط للاستقباح بمجرد الذوق، فقد لزم أن يكون معنى الخبيث هو الضار، وذلك لأن كل ضار مستقبح ولأن الضار يمكن ضبطه.

الأشربة

سبق أن الأصل في الأشربة الحل إلا لنص، وما ورد تحريمه في النصوص من الأشربة التالي؛

١. الخمر والمسكرات

وذلك لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ۹۰].
وسبق ذكر النصوص في حرمة كل المسكرات، وأن المسكر هو ما غيب العقل مع نشوة وفرح.

٢. المفترات

للأدلة السابقة، وسبق أن المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف والبدن.

٣. النجاسات

للأدلة السابقة.

٤. الضار

للأدلة السابقة.

الاستحالة

الراجح من أقوال الفقهاء أن كل ما يحرم أكله وشربه في الأصل يحل أكله أو شربه بالاستحالة إلى طيب.
ومثال الاستحالة؛ استحالة اللحم إلى ملح بوضعه في مملحة.
وقد جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بطهارة كل نجس بالاستحالة وحل الطيب الذي يؤكل كالملح إذا استحال عن لحم خنزير، وهذا خلافاً للحنابلة الذين يقولون بطهارة ما استحال من المتنجس وعدم طهارة ما استحال من النجس، وخلافاً للشافعية أيضاً الذين لهم تفريق مماثل.
فالخمر مثلاً متنجسة لأن أصلها طاهر على تفريق الحنابلة، وقد اتفق الفقهاء على جواز الخل إذا تخلل بنفسه لورود حل الخل في السنة.
والصحيح فيما خلله مخلل هو أن تخليل الخمر محرم لغيره، وأما حل الخل فلا فرق بين ما تخلل بنفسه وما خلله مخلل، وقد أفتى الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى بجواز أكل ما خلله اليهود والنصارى، والصحيح العموم مع حرمة صناعة الخل من الخمر.
وكذا الصحيح الجزم بحل كل ما استحال إلى طيب مما يحل أكله وطهارة كل ما استحال من نجس.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأحد ٢١ رجب ١٤٤٤هـ، ١٢ فبراير ٢٠٢٣.

المصادر

[١] صحيح البخاري (٦١٢٤)، وصحيح مسلم (٢٠٠٢).
[٢] أخرجه أبو داود (٣٦٨٦)، وأحمد (٢٦٦٣٤)، سكت عنه أبو داود، وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح، وحسن إسناده ابن حجر رحمه الله تعالى وغيره.
[٣] أخرجه ابن ماجه (٣٣١٤)، وأحمد (٥٧٢٣)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (٤/٢٧١) واللفظ له، وصححه موقوفاً الألباني رحمه الله تعالى وغيره، وله حكم الرفع.
[٤] أخرجه أبو داود (٨٣)، والترمذي (٦٩)، والنسائي (٥٩)، وابن ماجه (٣٨٦)، وأحمد (٨٧٣٥)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (٤٣٦١) وغيره.
[٥] أخرجه البخاري (٥٥٣٠)، ومسلم (١٩٣٢).
[٦] أخرجه مسلم (١٩٣٤)، وأبو داود (٣٨٠٣)، والنسائي (٤٣٤٨)، وابن ماجه (٣٢٣٤)، وأحمد (٣٠٢٣).
pdf
الرجوع إلى قسم مسائل وأحكام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق