لقواتنا المسلحة خبرة طويلة في حرب التمرد بمهنية عالية، وأخلاق رفيعة هي أخلاق قومنا الكرماء، وهي مستمدة من أخلاق نبينا الكريم ﷺ وصحابته الكرام.
ففرحنا بالنصر بلا طغيان، ونعامل أسرانا بإحسان، ويعاقب قضاؤنا مجرميهم بلا عدوان، ونصلح ذات بيننا بلا هوان.
تعمي فرحة النصر الطغاة فتزيدهم طغياناً بنحو قتل العزل وتعذيبهم ونهب الممتلكات.
وأما نبينا محمد ﷺ وصحابته الكرام فقد كان حالهم في أعظم لحظة نصر تاريخية للمسلمين حال المتذلل لله تعالى بحلق الرؤوس وتقصيرها في العمرة، هذا مع فرحهم بنصره العزيز.
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: ٢٧]
هذا مع فرحهم بالنصر العظيم من عند الله سبحانه وتعالى، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥۸]، ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصف: ١٣].
وقد تعاملت قواتنا المسلحة وقومنا المسلمون الكرماء بأخلاق عالية مع أسرى المتمردين ومقاتليهم دون غفلة ولا هوان.
فهم يفرقون بين الفار بغرض الكر والفار بغرض الفر، وقد أجمع المسلمون على تحريم قتل الفار من البغاة المسلمين وتحريم الإجهاز على جريحهم.
وقد رأيت في مقاطع توفير ضباط وجنود جيشنا البواسل العلاج لجرحى المتمردين.
والقتلى من البغاة مسلمون يجب دفن موتاهم في مقابر المسلمين.
بل إنّ قواتنا المسلحة وقومنا المسملين الكرماء لم ينسوا أنّ المتمرّدين الجدد كان لهم فضل سابق وتعاون صادق في إخماد فتن وتمرّد سابق، وكيف لا وهو خلق نبينا الكريم ﷺ.
قال الله تعالى في شأن الزوجين بعد الطلاق: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.
وقد حفظ النبي ﷺ فضل المطعم الذي أجاره بمكة ثم مات على الشرك، فقال في شأن أسرى بدر: (لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له)، صحيح البخاري (٤٠٢٤).
وقال في شأن العجوز التي أكرمها: (يا عائشة إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان)، السلسلة الصحيحة (ج١/ص٤٢٤).
والقوم السودانيون الكرماء يعلمون أنّ قواتهم المسلحة التي مدت حبال الصبر مع المتمرّدين لن تتهاون ولن تقبل بتفاوض معهم إلا بعد التأكّد من إذعانهم للحق.
فقد وضح جلياً لنا كقوم مسلمين مساحمين كرماء أنّ مدّ حبل الصبر في قضية "الإطاري" لم يكن غفلة ولا ضعفاً، وإنّما كان حكمة وحنكة بغرض تقليل الخسائر في الأنفس والممتلكات، ولمقابلة مكر الخائنين بدهاء الصادقين.
وقد شهد الأجنبي لقواتنا المسلحة بالمهنية العالية والأخلاق الرفيعة في تقليل خسائر الأنفس والممتلكات في حرب المدن.
وكما تعامل قادتنا البواسل بمهنية عالية وخلق رفيع دون غفلة، فإنهم لن يعودوا لمفاوضات الصلح مع المتمردين و "الإطاري" إلا وفق إرادة سودانية سودانية، وبعد تصفية صفوف "الدمج السريع" و "النشطاء السياسيين" من المرتزقة الخونة وعملاء السفارات، وبعد إعادة السيادة للبلد بإعادة ضبط لقاء المواطنين بالسفراء عبر الخارجية والجهات السيادية.
والاستجابة للصلح مع المتمردين والحزبيين بعد تصفية صفوفهم من الخونة ووعظ من فيه خير منهم بالقول و "البيان بالعمل" هو استجابة لأمر الله، ولاستقرار البلد، وليتفرغ أهلها لإنمائه.
فقد أمر الله تعالى بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين ونصر إحداهما على الفئة الباغية؛ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ۹].
وأما السفارات، فقد تلقت درساً بليغاً و "بياناً بالعمل"، وهم يعرفون خصال قومنا وشعوبنا، ومنها الكرم وطيب المعشر والمسامحة بلا غفلة والتواضع بلا هوان.
فهذا مسجل في أدبيات البريطان، خبروه في قتال السودانيين ضد استعمارهم وفي تعايشهم السلمي معهم.
وإخواننا المسلمون في الخليج خصوصاً يعرفون هذا جيداً.
وما من فتنة وقعت بين المسلمين إلا كانت سبباً لتدخل الكفار والأجانب.
والأجنبي ولو كان مسلماً يقدم مصالح وطنه وقومه.
وذلك لأنّ الوطن السياسي يضم الأوطان الحقيقية (بلاد المولد والنشأة والعشيرة)، وغالباً ما يضم شعوباً بينها رحم.
وعلاقة الذمة (الوطن السياسي) والرحم البعيد (الشعوب التي بينها رحم) معتبرة شرعاً، ومن تجمعهم مضافة إلى أخوة الدين أولى بالمحبة والنصرة في الحق [١].
فقد دلت السنّة على تأكيد الإحسان إلى الرحم البعيد وخصوص صلته واعتبار ذمته، كما في حديث؛ (إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً)، رواه مسلم بلفظ مختلف.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق