حركي لا إسلامي وحكم العلماني

النسبة للحركة الإسلامية حركي وليس إسلامي.
ولا يوجد إسلامي، وإنما يوجد مسلم وعلماني ومقر للعلماني على العلمنة.
فمجمل القسمة؛ علمانيون ومسلمون.
والمسلمون فيهم من يقر على علمنة البلد فسقاً لأجل السلطة أو رغد العيش من مدنيين وعسكريين، وفي المسلمين من يقر على علمنة البلد لعذر كمن اضطر للتوقيع على الوثيقة الدستورية والإطاري وكانت نيته الإصلاح لا السلطة.
وأما العلماني الذي يتخذ لا دينية الدولة نهجاً صالحاً وفكراً، فليس بمسلم وإن ظن أنه مسلم.
والذي يعذر هو الجاهل والمتأول، وعلاقة الدين بالدولة لا يجهلها مسلم، بل لا يكاد يجهلها كافر، فكل الناس يعرفون أن النبي ﷺ أقام دولة سار على نهجها خلفاؤه الراشدون.
وكل مسلم يعلم أن في الإسلام حدود وعقوبات لا يقيمها إلا قضاء في ظل دولة.
وكل مسلم يعلم أن في ديننا جهاد لا يقام إلا من أرض متميزة عن غيرها، ولا تميز لأرض إلا بدولة.

فتاوى التكفير تنزل منزلها 

رأيت فتاوى متداولة في كفر العلمانيين للشيخ الفوزان حفظه الله [١] والشيخ ابن باز رحمه الله [٢].
وهذه الفتاوى تكفير نوع لا عين، وما كان منها تكفير عين فهو لظهور الحجة وليس لأنهم لا يشترطون بلوغ الحجة.
ففي الأمر تفصيل.
فمثلاً من صوت للعلمانيين وهو لا يعتقد صحة العلمانية لا يكفر لأنه مقر غيره عليها وليس مقراً بها.
وإقرار الغير على الكفر ليس كفراً، فقد أجمع المسلمون على إقرار أهل الذمة على أديانهم المحرفة.
ولكن إقرار العلمانيين على العلمانية محرم ما داموا ينتسبون إلى الإسلام.
بل يقتل بحكم القضاء الشرعي بالإجماع المرتد المحرف للدين والزنديق، ولا يقتل كل مرتد [٣].
فالمرتد المحارب مثل المسلم والذمي، فقد يعاقب بما دون القتل كقطع يديه ورجليه من خلاف، وكنفيه من أرض قراره بحبس أو تشريد من وطنه، وذلك حسب جريمته وأثرها وحاله [٣].
وإقرار العلمانيين على علمنة بلاد المسلمين مخالف لما يدعيه العلمانيون أنفسهم من احترام خيار الشعب.
وإقرار العلمانيين على علمنة بلد مسلم كفر محتمل إذا لم يكن بسبب اضطرار معتبر شرعاً.
ولا سبيل لتكفير مسلم بكفر محتمل أو كبيرة بمجرد إقامة الحجة عليه، فلا يصح تكفيره إلا بأن يصرح باعتقاده الباطل.
والكفر المحتمل هو المتردد بين الأكبر والأصغر.
الكفر الذي لا يحتاج تكفير صاحبه إلى التصريح باعتقاده وإنما تكفي فيه إقامة الحجة هو الكفر الصريح والشرك الصريح، لأنه يستلزم الاعتقاد، مثل دعاء المخلوق. 
والشرك المحتمل للأصغر والأكبر كذلك لابد فيه من تصريح فاعله باعتقاده، وهو مثل التبرك بآثار الصالحين والحلف بالمخلوق والتمائم.
 ومن الاضطرار المعتبر شرعاً اعتبار الأصلح الضروري.
 ولكن الذي قد يضطر لإقرار العلمانيين على العلمانية هو الحاكم وليس الأحزاب والأفراد، وذلك لأن الاضطرار إلجاء.
 فالاضطرار افتعال من الضرر، وهو إلجاء من ضرر أعظم إلى ضرر أخف، وله شروط منها التعين وتقدير الضرورة بقدرها [٤].
ولا ينبغي الاستهانة بالكفر المحتمل فهو من أعظم علامات النفاق بعد الكفر الصريح ممن يظن أنه وقع فيه لشبهة.
والكفر المحتمل من أعظم علامات النفاق لأنه محتمل للكفر الأكبر.
والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين خلافاً للزنادقة الذين تبيَّن نفاقهم.
والله تعالى إنما ذكر صفات المنافقين للحذر منهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣۰].
والخطورة ليست فقط من الزنادقة والمنافقين، بل تشمل المسلمين الذين يرضونهم لمصالح دنيوية.
ولذا فإن الراجح في الجاسوس المسلم الذي يتجسس للكفار هو قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وهو أنه يُقتل، وأنه يجوز العفو عن أهل الهيئات كما حدث في قصة حاطب رضي الله عنه.
ولكن القول بأن معاونة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام يعتبر من زلات العلماء.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّن، فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً؟ قال قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب، فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه، فذكر حديث حاطب رضي الله عنه)، المصدر والتفصيل في الرابط الذي في الهامش  [٥].
الحكم على من خرج من مجمل الإيمان واضح، كالحكم بزندقة من يطعن في الدين ويدعي الإسلام.
وأما تكفير المعين بمفصل الإيمان كدعاء المخلوق والانتماء للأحزاب العلمانية فإنه خاص بالقضاء والعلماء.
وذلك لأن فيه تفصيلات علمية شرعية لا يدركها كثير من طلبة العلم بله العوام.
ولذا قد يفضل ألا يصرح حتى العلماء بتكفير من ارتد بمفصل الإيمان لكيلا يُجرِّؤوا العامة على التكفير، لأن العامي قد يعمم الحكم على من لديه شبهة كشبهة ربا الأوراق النقدية، ومن يصوت للعلمانيين (يقرهم على العلمانية ولكنه لا يقر بها)، ومن ينتمي لحزب علماني بشبهة، ونحوهم ممن لا يجوز الحكم بتكفيرهم بأعيانهم.
والردة عن أصل الدين أغلط، ولكن الردة عن بعض شرائعه أخطر، كمانعي الزكاة الذين سماهم الصحابة رضي الله عنهم مرتدين.
والله تعالى أعلم.
[١] فتوى العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى؛ ("سؤال؛ فضيلة الشيخ وفقكم الله هل يصح أن نطلق على العلماني و الليبرالي و الشيوعي لفظ منافق؟"
الجواب؛ "هم ما يظهرون الإيمان، هم يظهرون المذهب الخبيث من الخروج على الدين و سب الدين وسب أهل الدين، مظهرين هذا، ليسوا منافقين، هؤلاء أشد، هؤلاء زنادقة، نعم.") [١].
[٢] فتوى الإمام ابن باز رحمه الله تعالى؛ (معلوم عن حزب البعث والشيوعية وجميع النحل الملحدة المنابذة للإسلام كالعلمانية وغيرها.
كلها ضد الإسلام وأهلها أكفر من اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى تباح ذبائحهم ويباح طعامهم ونساؤهم المحصنات، والملاحدة لا يحل طعامهم ولا نساؤهم ، وهكذا عباد الأوثان من جنسهم لا تباح نساؤهم، ولا يباح طعامهم، فكل ملحد لا يؤمن بالإسلام هو شر من اليهود والنصارى.
فالبعثيون والعلمانيون الذين ينبذون الإسلام وراء الظهر ويريدون غير الإسلام ، وهكذا من يسمون بالشيوعيين ويسمون بالاشتراكيين كل النحل الملحدة التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر يكون كفرهم وشرهم أكفر من اليهود والنصارى، وهكذا عباد الأوثان وعباد القبور وعباد الأشجار والأحجار أكفر من اليهود والنصارى، ولهذا ميز الله أحكامهم، وإن اجتمعوا في الكفر والضلال ومصيرهم النار جميعا لكنهم متفاوتون في الكفر والضلال، وإن جمعهم الكفر والضلال فمصيرهم إلى النار إذا ماتوا على ذلك) [٢].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الخميس ١٣ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ١ يونيو ٢٠٢٣م

مصادر وملاحق

[١] فتوى مفرغة من درس المنتقى من أخبار سيد المرسلين بتاريخ ١٢ شوال ١٤٣٢ هجري.
[٢] مجموع فتاوى الشيخ بن باز (ج٦/ص٨٥).
[٣] حكم المرتد.
[٤] الاضطرار والاحتياج والبلوى العامة.
[٥] حكم من عاون مشركين على المسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق