ليكن السودان حزبنا السياسي

ملخص؛ لا للتحزب، وليكن السودان حزبنا السياسي، وضرورة رؤية كلية (استراتيجية) بعيدة المدى.
ليكن حزبنا السياسي واحد هو السودان.
وحزب أغلبنا الديني واحد هو حزب الله (الإسلام)، وميثاقنا الوطني مبني على هذا الدين الذي يراعي حقوق غير المسلمين.
ونحن شعب واحد أو شعوب بينها رحم بنفس درجة رحم الشعب.
ويشمل حزبنا السياسي غير المسلمين، فهم أهل ذمتنا، والذمة تعني العهد والميثاق (الميثاق الوطني).
قال القرافي المالكي رحمه الله تعالى: (والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله) [١].
ولا تتم وحدتنا إلا بجيش واحد تحت قيادة واحدة.
وميثاقنا الوطني يلزم الجهات والقبائل بالانتماء لحزب السودان.
فيجب أن تكون الجهات والقبائل تكتلات طبيعية تعاونية، فلو سعت للسلطة بالسلاح فهي أحزاب سياسية مسلحة.
والقوات المسلحة جزء أصيل من ميثاقنا الوطني، وسيطرة الأحزاب عليها تُسيِّسها بجعلها حزباً سياسياً مسلحاً يسعى للسلطة، وهذا يجعلها جزءاً من الصراع السياسي وينفر عنها القلوب بدل أن تكون رمزاً للسيادة والوحدة.
وكل الأحزاب تسعى للتحكم في البلد ولو كانت تنتسب للإسلام.
فالأحزاب هي سبب الفراغ السياسي الذي كاد أن يؤدي إلى فراغ عسكري.
والحرب كانت مؤامرة خارجية باستغلال تناقضات وخيانات داخلية، ولكن الأحزاب تسعى لاستغلال الحرب لصالحها إن لم تتسبب فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
فالأحزاب هي المتسبب في الحرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. 
والأحزاب هي سبب نشوء الحركات المسلحة والمليشيات وتسييس الجيش والانقلابات والقبلية والجهوية والتدخلات الخارجية وكل بلية.
ولا تنكر جهود الأحزاب في استقلال السودان والمحافظة عليه وعلى هويته.
فكل سوداني وطني حتى يثبت العكس، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وكل مسلم صادق في ولائه لدينه ظاهراً وباطناً حتى تثبت زندقته، ومن فيه علامات النفاق يجب الحذر منه ويعامل معاملة المسلم.
وثمة قلة عميلة للأجنبي، سواء كان الأجنبي عدواً أصلياً كافراً، أو عدواً مؤقتاً سولت له نفسه سرقة خيراتنا وممالأة الأعداء لحماية مصالحه على حساب وطننا وشعبنا.
وبدون نظرة كلية (استراتيجية) بعيدة المدى، فإن كل خطواتنا لا تعد إلا مسكنات ألم.
ولنستفيد من طاقات شباب الأحزاب وحكمة شيوخها؛ فلنسع لتحويلها لجماعات نصح سياسية، وهي جماعات نصح معرفية ومطلبية، وهي غير حزبية لأنها لا تسعى لسلطة.
فمجال أنشطة وبرامج جماعات النصح هو نفس مجال أنشطة وبرامج الأحزاب عدا السعي للسلطة سواء كان بترشيحات أو محاصصات أو انقلابات أو أي وسيلة كانت [٢].
والتنوع في القبائل والآراء والمهن والجهات نعمة إذا قبلنا بتكتلها الإيجابي في تجمعات وجماعات واتحادات قبلية وطلابية ومهنية وسياسية.
فمن فوائدها أن تنصح وتطالب الحكومة المنتخبة والجيش الوطني وكل صناع القرار ولو بضغط منضبط بالشرع والعقل.
ولم توجد أحزاب سياسية فترة السلطنة الزرقاء (١٥٠٤-١٨٢١) وسلطنة دارفور (١٦٠٣-١٨٧٤) ثم الحكم التركي ثم الدولة المهدية، وقد نشأت الأحزاب في السودان برعاية الاستعمار البريطاني، ولا تزال التقليدية تحت تأثير بريطانيا والغرب.
وقد عاصر الشاعر محمد سعيد العباسي (١٨٨١-١٩٦٣) فترة الديمقراطية الحزبية وما قبلها في السودان،  وقد قال في ذم التحزب ما يلي؛
فلو درى القوم بالسودان أين هم ... من الشعوب قضوا حزناً وإشفاقا
جهلٌ وفقرٌ وأحزابٌ تعيث به     ...     هدّت قُوى الصبر إرعاداً وإبراقا
إن التحزّب سمٌّ فاجعلوا أبداً      ...        يا قوم منكم لهذا السم ترياقا
ضمّوا الصفوف وضمّوا العاملين لها  ...  لكي تنيروا لهذا الشعب آفاقا
فنحن أمة واحدة، بيننا ميثاق وطني تجمع غالب أهله أخوة الدين أولاً ثم الرحم البعيد ثانياً (بدرجة رحم الشعب الواحد)، ويضم وطننا السياسي أوطاننا الحقيقية (بلاد المولد والنشأة والعشيرة).
وعلاقة الذمة (الوطن السياسي) والرحم البعيد (بدرجة رحم الشعب الواحد) معتبرة شرعاً، ومن تجمعهم مع أخوة الدين أولى بالمحبة والنصرة.
قال رسول الله ﷺ؛ (إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً)، رواه مسلم بلفظ مختلف.
فبنو إسماعيل والمصريون شعبان بينهما رحم، وذلك لأن جدة بني إسماعيل مصرية لها رحم مع كل المصريين أصولهم وفروعهم وحواشيهم.
والسودانيون جميعاً إما شعب واحد أو شعوب مختلفة يجمع بينها رحم ونسب.
أسأل الله تعالى أن يوحد صفنا ويؤلف بين قلوبنا ويقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
 والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق