ملخص؛ لا للتحزب، وليكن السودان حزبنا السياسي، وضرورة رؤية كلية (استراتيجية) بعيدة المدى.
ليكن حزبنا السياسي واحد هو السودان.
فنحن أمّة واحدة وقوم واحد.
لأنّ الأمّة في اللغة من أمّ بمعنى قصد، فالأمّة من الناس هم الجماعة التي لها مقصد مشترك يعملون له.
والقوم في اللّغة مصدر قام، فالقوم هم الجماعة من الناس التي لها رابطة جامعة يقومون لها.
فالسودانيّون أمّة واحدة تجمعها أهداف مشتركة، وهم قوم واحد تجمعهم روابط مشتركة يقومون لها.
لقوميّتنا أربع جوامع أساسيّة، هي؛
١. جامعة الدين.
٢. وجامعة الرحم، لأننا شعوب بينها رحم.
٣. وجامعة الميثاق الوطني (الذمة).
قال رسول الله ﷺ: (إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً)، رواه مسلم بلفظ مختلف.
فبنو إسماعيل والقبط شعبان بينهما رحم، لأنّ القبط أخوال بني إسماعيل، والقبط هم المصريّون الأوائل.
٤. ويضم وطننا السياسي أوطاننا الحقيقية (بلاد المولد والنشأة والعشيرة).
ومن تجمعهم هذه الروابط مع أخوة الدين أولى بالمحبة والنصرة.
والإسلام هو دين أغلبنا، وهو حزبنا الديني.
وميثاقنا الوطني مبني على هذا الدين الذي يراعي حقوق غير المسلمين.
ويشمل حزبنا السياسي (السودان) غير المسلمين، فهم أهل ذمتنا بالاصطلاح الفقهي.
قال القرافي المالكي رحمه الله: (والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله) [١].
ولا تتم وحدتنا إلا بجيش واحد تحت قيادة واحدة.
وميثاقنا الوطني يلزم الجهات والقبائل بالانتماء لحزب السودان، فهي تكتلات طبيعية بجب أن تكون تعاونية، فلو سعت للسلطة بالسلاح فهي أحزاب سياسية مسلحة.
والقوات المسلحة جزء أصيل من ميثاقنا الوطني، وتسييسها بسيطرة الأحزاب عليها يجعلها حزباً سياسياً مسلحاً يسعى للسلطة.
وكل الأحزاب تسعى للتحكم في البلد.
فالأحزاب هي سبب الفراغ السياسي الذي كاد أن يؤدي إلى فراغ عسكري.
والحرب كانت مؤامرة خارجية باستغلال تناقضات وخيانات داخلية، ولكن الأحزاب تسعى لاستغلال الحرب لصالحها إن لم تتسبب فيها.
بل الأحزاب هي المتسبب في الحرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
والأحزاب هي سبب نشوء الحركات المسلحة والمليشيات وتسييس الجيش والانقلابات والقبلية والجهوية والتدخلات الخارجية وكل بلية.
ولا تنكر جهود الأحزاب في استقلال السودان والمحافظة عليه وعلى هويته.
فكل سوداني وطني حتى يثبت العكس، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وكل مسلم صادق في ولائه لدينه ظاهراً وباطناً حتى تثبت زندقته، ومن فيه علامات النفاق يجب الحذر منه ويعامل معاملة المسلم.
وثمة قلة عميلة للأجنبي، سواء كان الأجنبي عدواً أصلياً كافراً، أو عدواً مؤقتاً سولت له نفسه سرقة خيراتنا وممالأة الأعداء لحماية مصالحه على حساب وطننا وقومنا.
وبدون نظرة كلية (استراتيجية)، فإن كل خطواتنا تعد مسكنات ألم فقط.
ولكي نستفيد من طاقات شباب الأحزاب وحكمة شيوخها؛ فلنسع لتحويلها لجماعات نصح سياسية، وهي جماعات نصح معرفية ومطلبية، وهي غير حزبية لأنها لا تسعى لسلطة.
فمجال أنشطة وبرامج جماعات النصح هو نفس مجال أنشطة وبرامج الأحزاب عدا السعي للسلطة بالترشيحات والمحاصصات وغيرهما [٢].
ومن فوائدها أنها تطيع الساسة في المعروف، وتساندهم في الحق، وتصححهم في الخطأ، وتقومهم بوسائل التقويم المنضبطة بالشرع.
لأن النصيحة ضد الغش، فلا تختص بتصحيح الخطأ.
والتنوع في القبائل والآراء السياسية والجهات نعمة، وتكتلها قد يكون إيجابياً، ولا يكون اجتماعها وتكتلها إيجابياً إلا إذا كان خالياً من العصبية.
ولم توجد أحزاب سياسية فترة السلطنة الزرقاء (١٥٠٤-١٨٢١) وسلطنة دارفور (١٦٠٣-١٨٧٤) ثم الحكم التركي ثم الدولة المهدية.
وقد نشأت الأحزاب في السودان أيام الاستعمار، ولا يزال بعضها تحت تأثيره.
وقد عاصر الشاعر محمد سعيد العباسي (١٨٨١-١٩٦٣) فترة الديمقراطية الحزبية وما قبلها، وقد قال في ذم الأحزاب السياسية ما يلي؛
فلو درى القوم بالسودان أين هم ... من الشعوب قضوا حزناً وإشفاقا
جهلٌ وفقرٌ وأحزابٌ تعيث به ... هدّت قُوى الصبر إرعاداً وإبراقا
إن التحزّب سمٌّ فاجعلوا أبداً ... يا قوم منكم لهذا السم ترياقا
ضمّوا الصفوف وضمّوا العاملين لها ... لكي تنيروا لهذا الشعب آفاقا
والأحزاب السياسية اسم على مسمى، فعلاقة أعضائها ليست مجرد انتماء خاص، بل هي عصبية مبنية على حب السلطة والثروة، فأقل أعضائها يريد مجرد علاقة ولو برئيس بلدية لخدمة مصالحه الشخصية.
ولتنسق الدول المسلمة فيما بينها عبر منظمة سياسية جامعة مثل منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقاً).
وذلك بَدْءً بوحدة المواقف في قضايا المسلمين إلى تنسيق أوسع كوحدة العملة للوصول إلى الوحدة الكاملة بصيغة عادلة للشعوب والقبائل المختلفة.
قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
معنى الشعب في هذه الآية هو النسب البعيد لمن لهم نسب بعيد وقريب كالعرب ومن لهم نسب بعيد فقط كالأوربيين.
ومن أمثلة الشعوب عند العرب؛ القحطانيون والعدنانيون وبنو إسماعيل.
والله تعالى أعلم.
مصادر وملاحق
[١] للمزيد؛ الصغار وجريان الأحكام على أهل الذمة.
[٢] للمزيد؛ التعدد السياسي والمواطنة.
[٢] للمزيد؛ التعدد السياسي والمواطنة.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق