الحرب والدول المعادية

كتبت هذا المقال بتاريح الأربعاء ٢٥ شعبان ١٤٤٥هـ، ٦ مارس ٢٠٢٤م، بعد حوالي عشرة أشهر من بداية الحرب.
تضارب مصالح الدول المعادية للسودان مهما تلاقت يسهل مهمة الدبلوماسية السودانية، والمكر مقابل المكر صفة مدح.
العلاقات الدبلوماسية ليس فيها دوام بذاتها، وما فيها من دوام هو بسبب دوام المصالح المشتركة.
قال ابن القيم رحمه الله في جواز العهد المطلق [١] مع الكفار: (وذلك أنَّ الأصل في العقود أن تعقد على أي صفة كانت فيها المصلحة).
وأهم مصلحة تُراعى هي مصلحة حفظ الدين.
ولكن الدنيا تخدم الدين، قاله ابن تيمية رحمه الله.
لا سيما الاقتصاد، وقد قدّم الله تعالى ذكر جهاد المال على جهاد النفس في كتابه العزيز.
وهذا من الناحية الكليّة (الاستراتيجية).
وأمّا النواحي الجزئيّة المرحليّة، فالشوكة قد تقدّم.
فمثلاً؛ أمريكا تحمي مصالحها الاقتصادية بقواعدها العسكرية.
ولكن إنشاء هذه القواعد واستمرارها لا يمكن بدون قوّة اقتصاديّة.
وقد اجتمعت دول عديدة على دعم التمرد، فما هي مصالحها المشتركة في معاداة السودان؟
معظم معظم هذه الدول عادت السودان لأجل مصالح قادتها في إرضاء الدول الكبرى التي ترعى مصالح ربيبتها في المنطقة.
فمصالح أكثرها تتعارض مع المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة.
ومما قد يعمق تضارب المصالح أنّ أمريكا غدارة لا تفي بوعودها، بل قد تغدر بمن تعاون معها.
مواقف الدبلوماسية الأمريكية قد تكون بغرض إطالة أمد الحرب.
وقد يكون الهدف من فرض حصار على السودان في التسلح دفع الخرطوم للتعاون مع طهران، وبالتالي تعزيز حضور إيران بالقرب من البحر الأحمر وباب المندب لتحقيق أمرين؛
١. الحضور الإيراني قد يخدم إسرائيل رغم ما بين المشروعين من تضارب، فهما يلتقيان في حرب المسلمين السنّة.
٢. ورقة ضغط على دول خليجية للحد من انفتاحها على الصين وروسيا.
ولكن من يلعب بالنار تحرقه، فقد لا تتجاوز علاقة الخرطوم بطهران بيع وشراء الأسلحة.
وأمريكا تلعب بمشروع "مملكة دقلو" وتدعمه عبر قحت، ولا تريد أمريكا ولا قحت تحقيق هذا المشروع.
وهو مشروع يمتد من السودان مروراً بتشاد إلى النيجر ومالي.
وهو في الحقيقة يتعارض مع مصالح هذه الدول والتي تتلاقى مع مصالح دول إفريقية أخرى لا سيما تحالف الساحل الجديد.
ويتعارض مع توجهات قيادات إفريقية وطنية معارضة وحكومية برزت في الساحة، وهي تعمل على الاستقواء الذاتي والتعاون الاقتصادي مع دول لا تفرض عليها شروطاً مجحفة كالصين.
وقد تكون العروبة والملك من مداخل أمريكا وربيبتها لإغراء دولة يتحكّم في اقتصادها يهود بمشروع "مملكة دقلو العربية".
والمواقف غير الواضحة وغير المعلنة لبعض دول المنطقة تشير إلى أنّها مدركة لما يحدث.
وكيف تجهل دول لها مراكز دراسات واستخبارات أهداف دبلوماسية الدول التي لا يجهلها الفرد العادي؟
وقد فشلت خطة أمريكا وربيبتها في سوريا بسبب لعبها بالنار.
فمع ضرب إسرائيل حزب الله الذي كان يحمي نظام الأسد، كانت تركيا تعمل لتقوية جهات على حساب قسد (الأكراد) حليفة أمريكا.
وامتناع القاهرة عن دعم التمرد لا يعني أنها لم تكن مدركة لحضوره القوي.
وللمخابرات السودانية متابعات دقيقة وتأثير فاعل في المنطقة.
وقد تمكنت الدبلوماسية السودانية من امتصاص ضربات عديدة وأحسنت التصرف رغم ما اعتراها سابقاً من تهور في أحيان وضعف في أخرى.
ومن الممكن أن تتواصل المخابرات السودانية مع دول وحركات إفريقيّة وعربيّة متضررة من المشاريع الصهيونية في المنطقة.
والمكر مقابل المكر صفة مدح وليس فيه غدر بعهد.
ويتوقع من الدبلوماسية السودانية الابتعاد عن استعداء الدول ذات المواقف الضبابية، والاستفادة من تضارب مصالح هذه الدول مع المشروع الصهيوني في السودان.
فلأجل مصلحة البلد ودفع الشر عنه لابد أن تكون المواقف السودانية واعية وهادفة.

الأسباب الشرعية

وأقصد بها الأسباب التي لا تُدرك إلا بالشرع ولا يمكن إدراكها بالعقل والحس.
فمن أسباب سرقة الأعداء خيراتنا وتسليطهم علينا؛ تحريف معاني الدين بالشركيات والبدع لأنه نقض لعهد الله ورسوله ﷺ.
قال رسول الله ﷺ: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم) [٢] .
ويجب التركيز على الأسباب الشرعية التي لا تدرك إلا بالوحي لأنها تحتاج إلى يقين وقوة إيمان.
ولا يجوز إهمال الأسباب الحسية والمعنوية التي تدرك بالعقل، فالمريض يتداوى مع أن للمرض أسباب شرعية، فهو كفارة للذنوب ورفعة للدرجات، فكذلك قضاينا السياسية.

مصادر وملاحق

[١] حكم العهد المطلق.
[٢] السلسلة الصحيحة (١٠٦)، صحيح الجامع (٧٩٧٨).
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الإثنين ٩ شعبان ١٤٤٥هـ، ١٩ فبراير ٢٠٢٤م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق