ناصحة لا حاضنة

كتبت هذا المقال بتاريح الاثنين ٩ شعبان ١٤٤٥هـ، ١٩ فبراير ٢٠٢٤م، يعني بعد حوالي عشرة أشهر من بداية الحرب.
ملخص؛ ناصحة لا حاضنة، لأنها تساند وتطيع في المعروف وتصحح، والحكم الانتقالي استثنائي، وكان حكم سوار الذهب عسكرياً أجريت بعده انتخابات عامة وإن كانت ناقصة.
مع بشائر النصر كثرت الدعوات لقيام حاضنة جماهيريّة للجيش في الفترة الانتقالية.
حكم الجيش في الفترة الانتقالية زمن سوار الذهب رحمه الله بدون ما يسمونه بالحاضنة الجماهيرية إلى أن أجريت الانتخابات، ولكنها لم تكن بطريقة شرعية [١]، فقد كانت على الطريقة الغربية الباطلة [٢].  
ولم تكن الحكومة المدنية التنفيذية (مجلس الوزراء) عقبة أيام حكم سوار الذهب.
وللاضطرار أحكام استثنائية، والفترة الانتقالية اضطرارية، ولذا لم يستنكر الناس الحكم العسكري زمن سوار الذهب.
ولكذب ادعاءات سابقة لم يعد الناس يصدقون دعاوى تمثيل التكلات المدنية الناس.
وجماهيريّة الجيش تزداد بعد انتصاره.
وإذا سلمنا بضرورة الحاضنة الجماهيريّة في الفترة الانتقالية فلا يجوز أن نقرها بها، وإنما نقر على وجودها لفترة محدودة من باب الاضطرار.
فالواجب على كل فئات الأمّة أن تنصح لأئمتها بالمساندة في الحق، والطاعة في المعروف، وتصحيح الخطأ والتقويم.
ولا شك أنّ من ركائز السلطة مساندتها عبر قيادات مدنية، وهي خامس ركيزة بعد المال ثم الاستخبارات ثم الشوكة وأهمها الجيش ثم الإعلام، والقضاء ركيزة سادسة.
ولكن الحكم المنتخب قائم على تأييد جماهيري حقيقي عبر أعيان ورؤساء الناس وليس على حاضنة جماهيريّة.
ولا أدري لم لم نسمع عن الحاضنة الجماهيريّة إلا بعد أن لاحت بشائر النصر في الأفق!
فقد كان الجيش في أمس الحاجة لمن يسانده خلال العشرة أشهر الماضية في حربه التمرد.
وكنت قد دعوت منذ بداية الحرب لتكوين جماعة نصح سياسية لتؤيد الجيش في الحق وتصحح خطأه، وذكرت أن الجيش بحاجة لعمل جماهيري منظم لمساندته.
وقد زعم بعض الناس وقتها أن العمل السياسي بعد الحرب، فرددت عليهم بكلام ذكرت فيه أن الحرب والسلم من أهم شؤون الناس السياسية، وأن أهداف التمرد وداعميه سياسية.
وكان هدفي أن يكون السند الجماهيري للجيش جهة غير حزبية تسانده مالياً وإعلامياً ومعنوياً وتدحض أباطيل وشائعات حاضنة التمرد السياسية.
ولكن يبدو أن للحزبية بريق في نفوس أكثر الناس نشاطاً في الأمور السياسية.
فكل تجمع يرشح ويحاصص يعد حزباً سياسياً، وبذا تكون الحاضنة الجماهيريّة حزباً سياسياً.
ولا يجوز تحمل الضرر الأصغر إن أمكن تحقيق الأصلح بدونه، فإن كان الاضطرار مجرد دعوى فإنه لا يجوز الإقرار على الحاضنة الجماهيريّة.
التحزب تفرق، فأصل معنى الكلمة القسمة والتجزئة لأحزاب، وهذا أصل معناها في منشأ الأحزاب السياسية، فالحزبية بالإنجليزية (partisanism)، والحزب (party)، والحزبي (partisan)، والتحزب (partnership).
ولذا فالحزبية تعني أيضاً في العربية والإنجليزية؛ التجمع في جماعات تتعارض مصالحها، والموالاة والمعاداة، والعصبية، والتمسك بالحق البين، وكل هذا يؤدي إما إلى تفرق مذموم أو تفريق بين الحق وأهله والباطل وجنده.
ويمكن تعريف الحزب بالجماعة التي تتعارض مصالحها مع آخرين وبالتالي يُعقد عليه ولاء وبراء.
مما يدل على معنى الحزب قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، والولاء والبراء هما سبب الغلبة لما فيهما من تناصر على الأعداء.
وفي الآية معنى تعارض مصلحة حفظ الدين مع ولاء غير المُسلمين، لحصر الولاء بسابقتها؛ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
والجماعة تطلق على المتشاكلين في أمرٍ كالعقيدة والرأي والجنس، ولكن مصالحها لا تتعارض ضرورةً مع مصالح مخالفيها، وبالتالي لا تستلزم براءاً منهم.
ولذا فكل حزب جماعة وليست كل جماعة حزباً.
والأحزاب السياسية اسم على مسمى، فعلاقة أعضائها ليست مجرد انتماء خاص، بل تحزب بغيض مبني على حب السلطة والثروة، فأقل أعضائها يريد مجرد علاقة ولو برئيس بلدية لخدمة مصالحه الشخصية.
فالأحزاب السياسية تفرقة سياسية، والواجب أن يكون حزبنا السياسي واحداً ببيعة لرئيس واحد.
ولتنسق الدول المسلمة فيما بينها عبر منظمة سياسية جامعة، وبالتدرج في التنسيق يرجى الوصول إلى الوحدة السياسية الكاملة بصيغة عادلة للشعوب والقبائل المختلفة.
قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
والله تعالى أعلم.

مصادر وملاحق

[١] للمزيد؛ خمس رسائل إصلاحية في السياسة الشرعية.
[٢] للمزيد؛ بطلان الانتخابات العامة المعاصرة؛ تلغرام، واتسآب.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الإثنين ٩ شعبان ١٤٤٥هـ، ١٩ فبراير ٢٠٢٤م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق