لا يُحتج بالخلاف، والاحتفاء بالمولد النبوي عبادة، ويتكرر بصيام الاثنين حوالي ٥١ مرة في السنة بدون توسع في المباحات، وبعض الأعياد عادات ولكنها مضاهية للمشروع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
خلاف العلماء لا يُحتج به، وإنما يُحتج بالإجماع.
قال ابن عبد البر رحمه الله: (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله) [١].
وإذا كان الخلاف معتبراً فإنه يُحتج به على جوازه لا على صحة الحكم.
ولا يُحتج بالخلاف غير المعتبر على جوازه.
وقد يُذكر الخلاف لبيان أن الإجماع متوهم عند وجود نص أقوى ثبوتاً أو دلالة.
رجح محمود باشا الفلكي بدراسة فلكية أن المولد النبوي كان يوم التاسع من ربيع الأول، وهذا ما رجحه ابن عثيمين والمباركفوري.
يتكرر الاحتفاء السني بالمولد النبوي حوالي ٥١ مرة في السنة، وهو بصيام كل اثنين.
ولأنه صيام، فليس فيه توسع في المباحات كالاحتفال السنوي الذي يشق على محدودي الدخل لأنه إضافة للتوسع المشروع في العيدين.
فقد روى مسلم وغيره أن رسول الله ﷺ (سئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل علي فيه) [٢].
وقد استنبط عالم شنقيطي من صيام يوم الاثنين عدم جواز اتخاذ يوم المولد النبوي عيداً، قال لأن العيد ينهى عن صيامه.
وتسمية العيد مناسبة لا تغير حقيقته، فالعيد من العودة، فكل ما يعود ويتكرر مرة في السنة ويكون فيه فرح وتوسع في بعض المباحات فهو عيد في اصطلاح الناس.
ولا أدري كيف يظن شخص أن الاحتفاء بالمولد النبوي عادة وليس عبادة!
وعلى التسليم؛ فقاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" مقيدة بقيد "إلا بنص".
وقد ورد النهي عن اتخاذ عيد غير العيدين الشرعيين ولو كان على وجه العادة لمنع مضاهاة العيدين الشرعيين.
والعيدان الشرعيان عبادة وفيهما معنى العادة للحث فيهما على الصلة والتوسع في بعض المباحات.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة، يلعبون فيهما، فلما قدم النبي ﷺ المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى) [٣].
فقول النبي ﷺ: (أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى) يدل على النهي عن عيدي الجاهلية لأن البدل يقوم مقام المُبدل منه.
وقول الصحابي رضي الله عنه: (كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة، يلعبون فيهما)، يدل على أنهما كانا على وجه العادة لتخصيص أهل الجاهلية اليومين لللعب.
ومن الحِكم؛ رفع الحرج والمشقة بتقليل الأعياد، ولأن مضاهاة المشروع تقلل من الاحتفاء به.
وفي الحديث دلالة على أن العيدين عبادة وتشريع رباني؛ (وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى).
ولأنهما عبادة شرعت فيهما الصلاة وشرع فيهما الذكر والتكبير.
فلمنع عيدي الجاهلية علتان هما منع مضاهاة العيدين الشرعيين ومخالفة الكفار.
ومخالفة الكفار نوعان؛ واجبة وهي فيما كان من خصائصهم، ومستحبة وهي في المشترك بينهم وبين المسلمين [٤].
والاحتفال السنوي بالمولد النبوي فيه تشبه بالنصارى في احتفالهم بمولد عيسى عليه السلام.
بعض الأعياد عادات ولكنها مضاهية للعيدين الشرعيين، وبعضها عبادات في ذاتها.
وما كان أصله الإباحة واتخذ وسيلة لعبادة فهو عبادة ولكنه قد يكون مصلحة مرسلة، فكيف بما كان عبادة في ذاته؟
وقد فرق العلماء بين المباح والمصلحة المرسلة بذكر شروط للمصلحة المرسلة ليست في المباح.
فيشترط للمصالح المرسلة عدم وجود مقتضيها أو وجود مانع منها في عهد الرسالة، بينما المباح لا تشترط له هذه الشروط.
ولذا فالصحيح في المسبحة أنها بدعة لأن مقتضيها (ضبط العدد) كان موجوداً في عهد الرسالة ولم يكن فيه مانع من فعلها، ففرق بينها وبين استخدام مكبرات الصوت للأذان ونحوه من المصالح المرسلة.
وإرسال وسائل العبادة (المصالح المرسلة) هو من جهة أصلها لا من جهة صفة فيها كزمانها ومكانها.
فخالف الإرسالُ هنا إطلاقَ العبادة النصية الذي يذكره العلماء.
وإلجام المرسل بدعة، وكذا تقييد المطلق، كإرسال المنصوص عليه وإطلاق المقيد.
ولذا أفتى العلماء بجواز ترجمة خطبة الجمعة ومنع ترجمة الأذان، لأن الأذان مقيد بصيغة نصية تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتهليل، بينما صيغة الخطبة مطلقة.
ومع انتشار الجهل بحكم عيد المولد؛ فلا بأس بشراء حلوى المولد مع إخبار الرجل أولاده ومن يعول بأنه بدعة [٥].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأحد ١٢ ربيع الأول ١٤٤٦هـ، ١٥ سبتمبر ٢٠٢٤م
مصادر ومراجع
[١] جامع بيان العلم وفضله (ج٢/ص٩٢٢).
[٢] أخرجه مسلم (١١٦٢)، وأصحاب السنن وأحمد.
[٣] أخرجه النسائي (١٥٥٦) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
[٤] مخالفة الكفار ومجالستهم.
[٥] حكم شراء حلوى المولد.
[٢] أخرجه مسلم (١١٦٢)، وأصحاب السنن وأحمد.
[٣] أخرجه النسائي (١٥٥٦) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
[٤] مخالفة الكفار ومجالستهم.
[٥] حكم شراء حلوى المولد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق