لولا كذا لكان كذا

لا يجوز قول "لولا كذا لكان كذا" في مقام التحدث بالنعم خلافاً لمقام بيان السبب، وقول "لولا الله وعمرو" أعظم لما فيه من جمع بين الله وخلقه بحرف الواو.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
عبارة "لولا كذا لما كان كذا" ليس فيها فقط نسبة الفضل لصاحب فضل من المخلوقات، بل فيها قطع سبب الفضل المقصود عن الغير، هذا مع أن هذا المعنى قد لا يكون مراداً لقائلها، وإرادة ما دونه قد يكون من الشرك، والشريعة جاءت بسد ذرائع الشرك.
وعبارة "لولا كذا لكان كذا" ليست بعيدة عن ورود هذه المعاني على نفس قائلها عندما يقولها في مقام التحدث بالنعم.
والمتفضل المنعم هو الله سبحانه وتعالى، وهو مسبب الأسباب، والأسباب لا تستقل بنفع ولا ضر بذاتها.
ولذا قال العلماء؛ ترك الأسباب قدح في العقل والشرع والاعتماد على الأسباب شرك.
قال الله جل ثناؤه: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: ١٢٦].
والأسباب المادية قد تكون في الواقع جزء السبب، وثمة أسباب شرعية لا تدرك بالعقل والحس إلا بعد الخبر [١].
ما ورد من نهي عن مثل قول "لولا الكلب لأتانا اللص" هو بسبب أنه في مقام التحدث بالنعم وذكر فضل المتفضل بها، وذلك لكيلا ينسب الفضل لغير الله سبحانه وتعالى، فهو من الشرك الخفي.
روى الطبري في تفسيره بسنده؛ (عن عون بن عبد الله بن عتبة ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا﴾ قال: إنكارهم إياها، أن يقول الرجل: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا) [٢].
وأما قول؛ "لولا كذا لكان كذا" في مقام بيان السبب ومن غير الجمع بين فعل الله وفعل المخلوق بالواو، فهو جائز.
فعن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي ﷺ: (ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار») [٣].
والأشد من قول "لولا كذا لكان كذا" في مقام التحدث بالنعم؛ الجمع بين فعل الله تعالى وفعل المخلوق بواو العطف.
فلا يقال؛ لولا الله وكذا، فهذا من الشرك الأصغر، وإنما يقال؛ لولا الله ثم كذا.
عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله، ثم شاء فلان) [٤].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت، قال: «جعلت لله نداً؟! ما شاء الله وحده») [٥].
روى ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ (في قوله تعالى: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء، في ظلمة الليل. وهو أن يقول: والله، وحياتك يا فلانة، وحياتي. ويقول: لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك) [٦].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (أما قول الآخر: «لولا فلان لما كان كذا»، فيتضمن قطع إضافة النعمة إلى من لولاه لم تكن، وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً، وغايته أن يكون جزءاً من أجزاء السبب، أجرى الله نعمته على يديه.
والسبب لا يستقل بالإيجاد، وجعله سبباً هو من نعم الله، فهو المنعم بتلك النعمة، وهو المنعم بما جعله من أسبابها، فالسبب والمسبب من إنعامه.
وهو سبحانه قد ينعم بذلك السبب، وقد ينعم بدونه، فلا يكون له أثر، وقد يسلبه سببيته، وقد يجعل لها معارضاً يقاومها، وقد يرتب على السبب ضد مقتضاه، فهو وحده المنعم على الحقيقة الحقيقة
) [٧].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ١٧ ربيع الأول ١٤٤٦هـ، ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٤م.

مصادر ومراجع

[١] غلاء الأسعار، الأسباب والعلاج.
[٢] تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث (ج١٧/ص٢٧٣) - أبو جعفر ابن جرير الطبري (ت ٣١٠).
[٣] أخرجه البخاري (٣٨٨٣) واللفظ له، ومسلم (٢٠٩).
[٤] أخرجه أبو داود (٤٩٨٠)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (١٠٨٢١)، وأحمد (٢٣٢٦٥) واللفظ له، الألباني؛ صحيح، صحيح الجامع (٧٤٠٦).
[٥] الأدب المفرد - ت عبد الباقي (ج١/ص٢٧٤) - البخاري (ت ٢٥٦)، الألباني؛ صحيح، صحيح الأدب المفرد (٦٠١).
[٦] تفسير ابن أبي حاتم (ج١/ص٦٢) - ابن أبي حاتم (ت ٣٢٧).
[٧] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - ط عطاءات العلم (ج١/ص١٢٥) - ابن القيم (ت ٧٥١).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق