طول البشر تاريخياً

المحتويات

بعض الدراسات الغربية في طول البشر تاريخياً فاسدة وبعضها ناقصة، ونقص طول البشر قد يكون بمعدل سنتيمترين كل ألف سنة إذا صح أن عمر البشرية حوالي مليوني سنة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
إذا صح أن آدم عليه السلام عاش قبل حوالي مليوني سنة، فإن طول البشر ينقص حوالي سنتيمترين كل ألف سنة (~٢٠ سنتيمتراً كل عشرة آلاف سنة).
فقد كان طول آدم عليه السلام ستون ذراعاً (~ ٤٢ متراً)، وظل طول الناس يتناقص.
ففي الصحيح أن النبي ﷺ قال: (خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً) ... إلى قوله: (فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) [١].
وفي مقال علمي؛ (يقع مركز الثقل الجغرافي المستنبط لأقدم ١٠٠ نمط وراثي فردي من الأسلاف (التي يبلغ متوسط عمرها ~٢ مليون  سنة) في السودان عند ١٩.٤° ش، ٣٣.٧° ق) [٢].
وقد اقتصرت هذه الدراسة على النوع المسمى بالإنسان العاقل.
فما يسمى بالنوع البشراني مصنف إلى إنسان عاقل (homo sapiens) وإنسان بدائي (archaic humans).
وقد شملت الدراسة ٣٦٠١ جينوم من البشر الحالي، و ٨ جينومات متسلسلة عالية التغطية لبشر قدامى.
فشملت الدراسة ٤ جينومات لأسرة من أب وأم وابنين من حضارة أفانسييفو (~٤.٦ ألف سنة مضت).
وشملت ثلاثة جينومات للإنسان النياندرتالي، وجينوم واحد لإنسان الدينيسوفان، وهما نوعان منقرضان ضمن تصنيف الإنسان العاقل.
فإذا افترض أن هذين النوعين ليسا من بني آدم، فإن نسبة ٤ من ٣٦٠١ لا تؤثر في نتيجة الدراسة.
هذا الحساب مبني على أن آدم عليه السلام عاش قبل حوالي مليوني سنة، وهو ما لا يمكن إثبات صحته شرعاً، ومدى قبوله علمياً من شأن المختصين.
بالتقريب؛ ٦٠ ذراعاً = ٤٢ متراً = ٤٢٠٠ سنتيمتراً.
متوسط أطوال الرجال اليوم حوالي ١٧١ سنتيمتراً.
نطرح لحساب مقدار النقص في طول الرجال منذ حوالي مليوني سنة؛ ٤٢٠٠  -  ١٧١ = ٤٠٢٩ سنتيمتراً (٤٠ متراً و ٢٩ سنتيمتراً).
لحساب معدل تناقص أطوال الرجال كل عشرة آلاف سنة نقسم مقدار النقص خلال المليوني سنة على مئتين، وذلك لأن ٢٠٠٠٠٠٠ ÷ ٢٠٠ = ١٠٠٠٠ (عشرة آلاف)؛ ٤٠٢٩ ÷ ٢٠٠ = ٢٠.١٤٥ (عشرون سنتيمتراً وكسراً).
فنحصل على معدل تناقص لأطوال الرجال بحوالي عشرين سنتيمتراً كل عشرة آلاف سنة (~٢ سنتيمتر كل ألف سنة).
وهذا على التسليم بصحة المقدمات التي بني عليها، والتسليم بها يتطلب دراسة شاملة.
التصور الفاسد المبني على نظرية التطور [٣] يجعل الدارسين الغربيين يعتبرون في تقدير طول البشر طول ما يعتقدون أنهم أسلاف البشر القريبين.
ولا يبعد احتمال وجود مخلوقات عاقلة في الأرض قبل بني آدم لقول الملائكة؛ ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ بعد قول الله تعالى لهم: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾.
ولقلة عدد بني آدم في الأزمان الموغلة في القدم، فمن الطبيعي عدم العثور على هياكل عظمية لهم في تلك الحقب.
ففي ذلك الوقت (~ ٢ مليون سنة) وحسب الآثار المكتشفة؛ كان يشغل الأرض ما يسمى بالإنسان الماهر (الهومو هابيليس)؛ (~٢.٤ - ~١.٥ مليون سنة)، والإنسان معتدل القامة (الهومو اركتوس)؛ (~١.٩ - ~٠.١١٧ مليون سنة).
وهما من أنواع ما يسمى بالإنسان البدائي.
وبعض جماعات معتدل القامة عاصرت النياندرتال (~٤٣٠ - ~١٣٠ ألف سنة مضت).
ويحتمل أن تعميم طول النياندرتال المقيس على كل جماعاتهم خطأ وأن بعضهم أقزام بمقياس زمانهم.
وأقدم بقايا عظمية مكتشفة للإنسان المعاصر تعود إلى ~٣١٥ ألف سنة، وجدت قريباً بالمغرب في جبل ارغود.
ولا يخفى أن الدراسات المبنية عل هياكل عظمية للإنسان المعاصر ناقصة من حيث الشمول واعتبار العوامل المؤثرة.
فهي مبنية على ملاحظات محدودة جداً، فلم تشمل كل الدول والقارات في كل حقبة.
فمثلاً دراسة طول البشر في الفترة ما بين ٢٠٠٠ إلى ١٠٠٠ سنة ق. م بنيت على ملاحظات من منطقة محدودة في الهند، وتوصلت إلى أن متوسط طول البشر في ذلك العصر كان ~١٦٩ سنتيمتراً [٤].
هذا إضافة إلى أن تلك الدراسات لم تراعي العوامل المؤثرة مؤقتاً في طول البشر.
فالإحصاءات المعاصرة توصلت إلى حدوث زيادة في متوسط أطوال الرجال خلال القرنين الماضيين بسبب التغذية والصحة العامة.
الدراسات الأقرب إلى اعتبار العوامل المؤثرة في طول البشر مؤقتاً تشير إلى نقص في طولهم مع مضي الزمن.
فهذه الدراسات تشير إلى أن المتوسط الحالي لأطوال الرجال حوالي ١٧١ سنتيمتراً، وأن متوسط أطوال الرجال في أوروبا قبل حوالي ١٢٠٠ سنة كان حوالي ١٧٣.٤ سنتيمتراً [٥].
وهذا نقص بمقدار ~٢.٤ سنتيمتر.
ولذا فقد يوجد نقص عينات في الدراسات التي توصلت إلى أن متوسط طول البشر كان حوالي ١٧٠ سنتيمتراً خلال الألفين سنة الأخيرتين.
ومع أنه لم يعثر على هياكل عظمية تفوق بكثير الأطوال المألوفة (مترين - متر ونصف)؛ إلا أن فارق نصف متر لا يحدث إلا بعد حوالي ٢٥ ألف سنة حسب معدل تناقص الأطوال المستنتج سابقاً.
وبالتالي فقد تصنف الأطوال المتوسطة حالات شاذة لعدم العثور على عينات كافية منها.
فتبقى حقيقة أن الإنسان لم يحط علماً بما في باطن الأرض من آثار، وأن الآثار المكتشفة محدودة، وأن الاكتشافات مستمرة.
طول قامة قدامى البشر الوارد في مقدس اليهود والنصارى يتعارض مع تفسير علماء أديانهم بعض نصوص مقدسهم خطأً بأن عمر البشر حوالي خمسة أو ستة آلاف سنة.
ومن حدد عمر البشرية من المسلمين بحوالي عشرة آلاف سنة بناه على إسرائيليات بإضافتها خطأً لبعض ما ورد في السنة.
في قرب الساعة منذ البعثة دلالة على طول عمر البشرية.
وفي الصحيح عن سهل الساعدي رضي الله عنه قال: (قال رسول الله ﷺ: (بعثت أنا والساعة كهذه من هذه، أو كهاتين) وقرن بين السبابة والوسطى) [٦].
ومما يدل على طول عمر البشرية قول النبي ﷺ: (إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود) [٧].
فعدد المسلمين مع اعتبار أن أعداد الناس في تزايد أسي يدل على طول عمر البشر.
قال ابن حزم رحمه الله: (فهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار أعداد أهل الإسلام، ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر، علم أن للدنيا عدداً لا يحصيه إلّا الله تعالى) [٨].
وقد قال قبل ما سبق: (وأما اختلاف النّاس في التّاريخ، فإن اليهود يقولون: للدنيا أربعة آلاف سنة. والنّصارى يقولون: للدنيا خمسة آلاف سنة، وأمّا نحن فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا. ومن ادّعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد كذب، وقال ما لم يأت قط عن رسول الله ﷺ فيه لفظة تصح، بل صحّ عنه عليه السّلام خلافه، بل نقطع على أنّ للدنيا أمداً لا يعلمه إلّا الله عز وجل) [٨].
والحديث في أمة الإجابة، فتمامه هو أن النبي ﷺ قال؛ ((أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب كم أخرج، فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين). فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون، فماذا يبقى منا؟ قال: (إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود)) [٧].
القول بطول عمر البشرية لا يتعارض مع القول بأن ما بين آدم ونوح ألف سنة، وكذا ما بين نوح وإبراهيم، عليهم السلام.
فقد يكون ما بين إبراهيم عليه السلام وزماننا قرابة مليوني سنة، يرجحه أنه يلقب بأبي الأنبياء.
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله، أنبياً كان آدم؟ قال: نعم، معلم مكلم، قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: عشر قرون، قال: كم بين نوح وإبراهيم؟ قال: عشر قرون، قالوا: يا رسول الله، كم كانت الرسل؟ قال: ثلاث مائة وخمس عشرة جماً غفيراً) [٩].
والصحيح أن المراد بالقرن مئة عام، وذلك لقول النبي ﷺ: (يعيش هذا الغلام قرناً)، فقال الرواي: (فعاش مائة سنة) [١٠].
ثلاث مائة وخمس عشرة رسول عدد قليل، ولكن ليس لعدد الأنبياء حصر بمثل عدد الرسل، والأنبياء يحيون سنن الرسل.
وفي عدد الأنبياء حديث ضعيف مروي عن أبي ذر رضي الله عنه: (الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً) [١١].
ومما يدل على طول عمر البشر مع اعتبار قرب الساعة منذ البعثة دلالة النصوص على أن إفساد بني إسرائيل الحالي هو الأول [١٢].
وقد سمعت في وثائقية بالإنجليزية أن الصحراء تعود رياضاً كل عشرة آلاف سنة، وأن آخر مرة كانت كذلك قبل حوالي خمس إلى ست آلاف سنة.
فإن لم يتغير نمط دورات المناخ القصيرة نسبياً بما لا نعلم، فإنه يكون قد بقي على عودة الصحراء رياضاً حوالي أربع آلاف سنة.
وقد روى مسلم أن النبي ﷺ قال: (لا تقوم الساعة حتّى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً) [١٣].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
السبت ٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ، ٧ سبتمبر ٢٠٢٤م
[١] البخاري (٣٣٢٦)، ومسلم (٢٨٤١).
[٢] ورقة علمية في مجلة العلوم بعنوان؛ "علم الأنساب الموحد للجينومات الحديثة والقديمة".
[٣] كروموسوم٢ زعمٌ لا تطور.
[٤] دراسة علمية في طول البشر.
[٥] دراسة علمية في تغير طول البشر.
[٦] البخاري (٥٣٠١).
[٧] البخاري (٦٥٢٩)، مسلم (٢٢٢).
[٨] الفصل في الملل والأهواء والنحل (ج٢/ص‏٨٤) - ابن حزم (ت ٤٥٦).
[٩] المستدرك (٣٠٨٠)، قال الحاكم؛ صحيح على شرط مسلم، وصححه الهيثمي والوادعي والأرناؤوط، وقال الألباني؛ إسناده صحيح، السلسلة الصحيحة (ج٦/ص٣٥٩).
[١٠] الألباني، السلسلة الصحيحة (٢٦٦٠)، إسناده صحيح.
[١١] ابن حبان (٣٦١)، السنن الكبرى (٩/ ٤)، قال عنه الشوكاني رحمه الله: (أخرج ابن حبان والبيهقي بسندين حسنين).
[١٢] إفسادا بني إسرائيل.
[١٣] مسلم (١٥٧).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق