الحريق المريب والإعلام المعيب وردّ اللّبيب

حريق مسجد لوليو المريب يؤكّد ضرورة حسم الخطاب الإعلاميّ والسياسيّ المثير للأحقاد والضغائن ورهاب الأجانب عامّة والمسلمين خاصّة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلّا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أثار الحريق المريب في مسجد لوليو تساؤلات حول دور الإعلام.
فقد اشتبهت الشرطة السويدية في أنه حريق متعمد.
وقد اندلع الحريق مساء الجمعة بمسجد بمنطقة هيرتسون في لوليو.
وقد تعرض قبله مسجد هولتسفريد لحريق يُشتبه في أنه متعمد أيضاً.
وهذه الأحداث تقع بالتوازي مع خطاب سياسي وإعلامي يُثير الأحقاد والضغائن ورهاب الأجانب عامة والمسلمين خاصة.
وهذا يخالف مبادئ الأمان والتعايش التي بنيت عليها مملكة السويد.
ولذا يأمل الأجانب ومسلمو السويد خاصة والسويديون عامة أن تؤدي الشرطة دورها في إنصاف وعدل يحققان الأمن لمساجدنا خاصة والأمة السويدية عامة.
ومساجدنا الآمنة تنبذ الضغائن والأحقاد الآسنة.
فالإسلام يأمر بالخير والمعروف والعدل والإحسان وينهى عن الشر والمنكر والبغي.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل - ۹۰].
وبغض الشر والأشرار لا يحمل الأطهار على الحقد والضغينة.
فالحقد هو البغض الذي يحمل على الاعتداء والظلم، ودافعه أهواء النفوس كالحسد والبغي.
ولذا نهى الإسلام عن المجاوزة في عقاب المعتدين الظالمين.
بل نهى ديننا عن الزيادة على العقوبة بالمثل حتى في الحروب والتمثيل بجثث القتلى.
فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم أحد، أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة فيهم حمزة، فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين عليهم، قال فلما كان يوم فتح مكة فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّبِرِينَ﴾، فقال رجل لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله ﷺ كفوا عن القوم إلا أربعة)، صحّح إسناده الألباني رحمه الله [١].
فالأحقاد والضغائن أمراض نفسية تدمر العمران وتفسد البلدان.
وذلك لكونها بغض يحمل صاحبه على الظلم والعدوان، وسببها غالباً ما يكون الحسد والشر والبغي.
وأما الحب في الله والبغض في الله فإنه لا يحمل على الظلم والعدوان، لأنه خالص للملك الديان، لا لهوى النفوس ونزواتها.
وهو من أوثق عرى الإيمان، فإن من يحب الله تعالى يحب محابه وأولياءه ويبغض ما يبغضه ربه.
ولأن الدافع محبة الله لا هوى النفس، كان أكرم الخلق ﷺ رحيماً مشفقاً على الناس كافة، حتى قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ﴾.
قال الله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة - ١۰۹].
والمسلمون في هذه البلاد لا يتجاوزون حد الدفاع عن النفس الذي يكفله النظام السويدي، كشأن كل عاقل ولبيب.
فالإسلام يأمر بالإصلاح والنظام وينهى عن الفوضى والإفساد.
وحول الدفاع عن النفس أعيد نشر مقال كتبته بعد اعتداء متطرف على مسجد في نيوزيلندا قبل سنوات.

سفاح نيوزيلندا ودفع الصائل

عندما يقترب إنسان من دجاجة معها صغارها فإنها تنتفش وتهجم عليه غير هيابة ولا وجلة، وترى الرجل القوي الشديد يرجع القهقرى خوفاً على عينيه من دجاجة.
يجب دفع الصائل الذي يفسد الدين والدنيا بأي شيء اتفق، ولو بحصاة أو ماء على عينيه، ولا يجوز الاستسلام في حال غلبة الظن بضرر أعظم.
وليس من المروءة الهروب في مثل هذه الحالة وترك العجزة من الكبار والنساء والصبيان.
وإنما يسوغ الفرار إذا أمكن التحرز بالعجزة والنساء والصبيان إلى مكان آمن أو للكر بعد الفر.
قال ابن تيمية رحمه الله: (فالعدوُّ الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) [٢].
وهذا لا يعني أن كل جهاد دفع لا يشترط له شرط، فإن النبي ﷺ لم يخرج لقتال الأحزاب، بل حفر الخندق وتحصن حتى بعث الله الريح وجنوداً لم يروها [٣].
والشجاع هو من يغالب الخوف والوجل وهيبة الموت ويقتحم المهالك دفاعاً عن نفسه وعن المسلمين، وعندما يدافع الصائل واحد من المعتدى عليهم فإن في ذلك تشجيعاً لمن حوله.
ومثل هذا السفاح المجرم أجبن من أن يواجه الجموع، لأن الحق مرعب للظالم، أسأل الله تعالى أن يرينا فيه عجائب قدرته وأن يجعله عبرة لكل معتبر.
وأسأل الله تعالى أن يتقبل القتلى من المسلمين في الشهداء وأن يلهم ذويهم الصبر وحسن العزاء.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند السويد
الأحد ٢٧ ربيع الثاني ١٤٤٧هـ، ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥م.

مصادر ومراجع

١. صحيح الترمذي (٣١٢٩).
٢. الفتاوى الكبرى (ج٥\ص٥٣٨).
٣. القدرة قد تكون شرط صحة أو وجوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق