تصوير الذكاء الاصطناعي محرّم بلا شك، والراجح جواز التصوير الضوئي، والاقتناء المحرّم للصور ولو كانت ضوئيّة هو الوضع الموقّر لصورة ثابتة بوجه واضح المعالم لكلّ ذي روح.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزّة والجلال، المنزّه عن الشريك والمثال، والصلاة والسلام على كريم الخصال، وعلى من معه خير صحبٍ وأكرم آل.
الوعيد الوارد في التصوير أشدّ من الوعيد في اقتناء الصورة.
فالمصوّرون ملعونون، وهم من أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة، ويؤمرون بنفخ الروح فيما صوروا يوم القيامة فلا يستطيعون، وذلك لمضاهاتهم خلق الله.
ومضاهاة خلق الله واضحة في الرسم البشري والآليّ وفي النحت البشري والآليّ.
فصنع تماثيل بمصنع آلّي فيه قوالب جاهزة محرّم كالنحت.
وفي الذكاء الاصطناعيّ قوالب يحلّل ويصوّر بموجبها.
فالمضاهاة في الذكاء الاصطناعيّ ونحوه واضحة، لأنّه يتدخّل في الصورة مباشرةً فيعدلها.
وأما الصورة الضوئيّة فهي حبس أثر الضوء، والتدخّل فيها غير مباشر، فهو مثل تجويد صنع المرآة.
والتصوير المنهيّ عنه تصوير مخصوص لا يشمل تصوير غير ذوات الأرواح.
والعلّة الفارقة المؤثّرة في الحكم هي مضاهاة خلق الله.
والتصوير الضوئّي ليس فيه مضاهاة لخلق الله كما لا توجد مضاهاة لخلق الله بسبب الفنّ في صناعة المرآة وطريقة استخدامها بزاوية مناسبة وإضاءة كافية.
فليس المراد بالتصوير المحرّم مجرّد الاسم.
وقد نفت السنّة اسم الصورة (المحرّمة) عمّا قطع منه الرأس، فإذا جمعنا إليه الأمر بطمس الصورة، علمنا أنّ المقصود الوجه.
والوجه أكرم ما في ذوات الأرواح، فناسب أن تكون المضاهاة المحرّمة لخلق الله في تصوير الوجه.
فلا يدخل التصوير الضوئيّ في التصوير المحرّم.
وأما ذريعة الشرك ومنع دخول الملائكة فهي متعلّقة باقتناء الصورة لا بذات التصوير.
ولذا فإنّ حكم الصورة المصنوعة بحبس أثر الضوء (الصورة الضوئيّة) لا يختلف عن غيرها من الصور.
والاقتناء المحرّم للصور ولو كانت ضوئيّة هو الوضع الموقّر لصورة ثابتة بوجه واضح المعالم لكلّ ذي روح.
وقد ورد استثناء الصور الممتهنة في السنّة.
فيحرم تعليق الصورة مطلقاً ولو كانت مصوّرة ضوئيّاً، سواء كانت مطبوعةً أو ثابتةً على شاشة عرض ضوئيّة.
وجواز استخدام المقاطع المرئيّة في الدعوة ونشر العلم ونحوهما هو بسبب أنّها صور غير ثابتة وليست محفوظةً على هيئة صورةٍ ولا معروضةً في وضع موقّر، ولجواز التصوير الضوئيّ في ذاته.
فجواز المقاطع المرئيّة ليس بسبب الحاجة ولا لأنّ التصوير محرّم لغيره.
فالتصوير محرّم لذاته، وعلّة تحريمه أنّه مضاهاة محرّمة لخلق الله.
والقول بجواز التصوير الضوئيّ لنشر العلم ونحوه من الحاجات مع القول بأنّه محرّم لغيره في الأصل فيه تبرير وسيلةٍ بغايتها.
وذلك لأنّ الحاجات هنا حاجات عاديّةٌ يمكن تحصيلها بدون تصوير (ليست ملجئةً لفعل محرّم لغيره).
فالحاجة في كلام العلماء قسمان؛
١. الحاجة الملجئة (المصلحة الحاجيّة الملجئة لفعل محرّم لغيره).
٢. الحاجة العاديّة (غير الملجئة).
والتي تبيح المحرّم لغيره هي الحاجة الملجئة لفعله (الاحتياج).
وبغير هذا الفهم، تكون القاعدة من جملة الغاية تبرّر الوسيلة.
وذلك لأنّ من شروط الاحتياج؛ التعيّن، وهو عدم وجود سبيل شرعيّ لتحصيل المصلحة الحاجيّة.
ونظير هذا أن يقال؛ الضرورة في كلام العلماء قسمان؛
١. الضرورة الملجئة (المصلحة الضروريّة الملجئة لفعل محرّم لذاته).
٢. الضرورة العادية (غير الملجئة).
والتي تبيح المحرّم لذاته هي الضرورة الملجئة لفعله (الاضطّرار).
للمزيد؛ الاضطّرار والاحتياج والبلوى العامّة.
فتعليق الصور محرّم ولو كانت ناتجة عن تصوير ضوئيّ.
وأما تشغيل المقاطع المرئيّة المصنوعة بتصوير غير ضوئيّ، فليس فيه حرمة، لأنّه ليس فيه اقتناء محرّم للصور.
فالمقاطع المصوّرة ولو بتصوير غير ضوئيّ تنقل وتحفظ في هيئات رمزيّة (مغنطيسيّة أو ضوئيّة أو شحنات كهربيّة)، ولا تظهر صورةً إلا على الشاشة ثم تختفي.
وأذكر أنّني كنت في درس في المسجد الحرام في العشر الأواخر للشيخ العثيمين رحمه الله فحثّ على نقل الصور التي تبيّن مآسي المسلمين، وقال أرى أن توضع في ألبوم ليطّلع عليها الناس ولا تعلّق، ثم سأل عن كلمة ألبوم عربيّة أم لا، ثم طلب من تلاميذه البحث في أصلها.
ولا بأس باستخدام رموز الوجوه التعبيريّة لأنّها تظهر بطريقةٍ غير موقّرة، ولأنّها غير ثابتة كصور المرآة، ولأنّ الوجه غير واضح المعالم.
وهي غير ثابتة لأنّها مخزّنة في شكل رمزيّ (مغنطيسيّة أو ضوئيّة أو شحنات كهربيّة) ثم تظهر على الشاشات مؤقّتاً وتختفي.
والمراد بالرأس الوجه في قول النبيّ ﷺ: (فإذا قطع الرأس فلا صورة)، لأنّ الرأس الذي لا وجه فيه ليس له معنىً يُذكر، وذلك لأنّ الوجه يدلّ على هوية الإنسان، ولأنّه أكرم ما في الإنسان، وفي البخاري؛ (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه).
والعموم في حديث؛ (ولا صورة إلا طمستها) يدلّ على أنّ الطمس كافٍ، فإذا جمعنا هذا الحديث إلى حديث؛ (فإذا قطع الرأس فلا صورة) علمنا أنّ المراد طمس الوجه.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
ليلة الأربعاء ١٦ ربيع الثاني ١٤٤٧هـ، ٧ أكتوبر ٢٠٢٥م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق