التصوير الآلي والاقتناء المعني

تصوير الذكاء الاصطناعي محرّم بلا شك، والتصوير الضوئيّ لغرض مباح جائز، واقتناء الصورة في وضع موقّر محرّم، والصورة هي الثابتة بوجه واضح المعالم لكلّ ذي روح.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزّة والجلال، المنزّه عن الشريك والمثال، والصلاة والسلام على كريم الخصال، وعلى من معه خير صحبٍ وأكرم آل.
الوعيد الوارد في التصوير أشدّ من الوعيد في اقتناء الصورة المحرّم.
قال النبيّ ﷺ: (إنّ أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصوّرون)، متّفقٌ عليه [١].
وقال ﷺ: (من صوّر صورة في الدنيا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ)، متّفقٌ عليه [٢].
وقال ﷺ: (قال الله عزّ وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبّةً، وليخلقوا ذرّة)، متّفقٌ عليه [٣].
فالمصوّرون ملعونون، وهم من أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة، ويكلّفون فيه بنفخ الروح فيما صوّروا فلا يستطيعون، لمضاهاتهم خلق الله.
ومضاهاة خلق الله واضحة في الرسم والنحت البشري والآليّ.
فصنع تماثيل بمصنع آليّ فيه قوالب جاهزة محرّم كالنحت.
وفي برامج المونتاج قوالب تُحفظ رقميّاً، بها يحلّل الذكاء الاصطناعيّ ويصوّر.
فالمضاهاة فيها واضحةٌ، لأنّها تعدّل الصورة ذاتها أو تصنعها.
وأمّا الصورة الضوئيّة فهي مجرّد حبس أثر الضوء، وتجويد هذا الحبس هو مثل تجويد صنع المرآة.
فتجويد عدسة الكاميرا الزجاجيّة مثلاً هو مثل تجويد زجاجة المرآة.
فالتصوير الضوئيّ ليست فيه مضاهاة كما لا توجد مضاهاة بسبب الفن في صناعة المرآة وطريقة استخدامها بزاوية مناسبة وإضاءة كافية.
وليس المراد بالتصوير المحرم مجرد الاسم.
فالتصوير المنهي عنه تصوير مخصوص لا يشمل تصوير غير ذوات الأرواح.
والعلّة الفارقة المؤثّرة في الحكم هي مضاهاة خلق الله.
وقد نفت السنّة اسم الصورة (المحرّمة) عمّا قطع منه الرأس، فإذا جمعنا إليه الأمر بطمس الصورة وعلّة المضاهاة علمنا أنّ المقصود أكرم ما في الرأس والإنسان وهو الوجه.
فالتصوير الضوئي مباح، وتحريمه لغيره منوط بغرضه، كالاقتناء المحرّم للصورة، كسائر المباحات تأخذ حكم مقاصدها.
والقول بأنّ التصوير عموماً محرّم لغيره يفتقر للدليل، وورود استثناء الصور الممتهنة في السنّة يضعفه من جهة النظر.
فالنصوص تدلّ على أنّ التصوير غير الضوئي محرّم لذاته، وعلى أنّ علة تحريمه هي مضاهاة خلق الله.
وأمّا علّة اتخاذه وسيلة للاقتناء المحرّم للصورة فهي تحرّمه ولو كان مباحاً في الأصل.
ويكفي في العلل المتعدّدة أحدها لإمضاء الحكم، مثل السفر والمرض لجواز الفطر في نهار رمضان، خلافاً للعلّة المركّبة، للمزيد انظر؛ حد السفر الشرعي.
ولاستثناء الصور الممتهنة فإنّ تحريم اقتناء الصورة منوط بعلّةٍ هي الوضع الموقّر للصورة.
ومن مقاصد تحريم اقتناء الصورة في وضع موقّر دفع ذريعة الشرك وابتعاد الملائكة.
وللتفريق بين العلل والمقاصد بمثال انظر؛ حد السفر الشرعي.
فيحرم تعليق الصورة مطلقاً ولو كانت مصنوعة بحبس أثر الضوء فقط، مطبوعةً كانت أو ثابتةً على شاشة عرض ضوئيّة.
وجواز استخدام المرئيّات في الدعوة ونحوها هو بسبب انتفاء علّة المضاهاة في التصوير الضوئيّ وانتفاء علّة الوضع الموقّر للصور فيها.
وأمّا القول بجوازها لحاجة نشر العلم ونحوها مع القول بأنّ التصوير الضوئيّ محرّم لغيره، ففيه تبرير وسيلة بغايتها.
فالحاجة المذكورة في مثل هذه الفتوى عاديّة يمكن تحصيلها بدون تصوير.
والحاجة (المصلحة الحاجيّة) في كلام العلماء قسمان؛
١. الحاجة الملجئة لفعل محرّم لغيره (الاحتياج).
٢. الحاجة العاديّة (غير الملجئة).
ونظير هذا أن يقال؛ الضرورة (المصلحة الضروريّة) في كلام العلماء قسمان؛
١. الضرورة الملجئة لفعل محرم لذاته (الاضطرار).
٢. الضرورة العادية (غير الملجئة).
وبغير هذا الفهم، تكون القاعدة من جملة الغاية تبرّر الوسيلة.
وذلك لأنّ من شروط الاحتياج والاضطّرار التعيّن، وهو عدم وجود سبيل شرعيّ لتحصيل المصلحة الحاجيّة أو الضروريّة.
ولما سبق فإنّ تشغيل المرئيّات المصنوعة بتصوير غير ضوئيّ ليس فيه حرمة، لأنّه ليس فيه اقتناء محرّم للصور.
فالمرئيّات وصور الأجهزة ولو رسمت وصنعت بتصوير غير ضوئيّ تنقل وتحفظ في هيئات رمزيّة (مغنطيسيّة أو ضوئيّة أو شحنات كهربيّة)، ولا تظهر صورةً إلا على الشاشة ثم تختفي (غير ثابتة كصور المرآة).
وأذكر أنّني كنت في درس في المسجد الحرام في العشر الأواخر للشيخ العثيمين رحمه الله فحثّ على نقل الصور التي تبيّن مآسي المسلمين، وقال أرى أن توضع في ألبوم ليطّلع عليها الناس ولا تعلّق، ثم سأل عن كلمة ألبوم عربيّة أم لا، ثم طلب من تلاميذه البحث في أصلها.
ولا بأس باستخدام الرموز التعبيريّة لأنّها تظهر بطريقة غير موقّرة وغير ثابتة، ولأنّ الوجه مطموس المعالم.
والمراد بالرأس الوجه في قول النبيّ ﷺ: (فإذا قطع الرأس فلا صورة)، فالرأس بدون وجه ليس له معنىً يُذكر، لأنّ الوجه يدلّ على هويّة الإنسان، ولأنّه أكرم ما فيه.
وحديث؛ (ولا صورةً إلا طمستها) يدلّ على أنّ الطمس كافٍ، وبجمعه إلى الحديث السابق مع اعتبار علّة المضاهاة نعلم أنّ المراد طمس الوجه.
وفي صحيح البخاري؛ (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه).
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
ليلة الأربعاء ١٦ ربيع الثاني ١٤٤٧هـ، ٧ أكتوبر ٢٠٢٥م.

مصادر ومراجع

[١] صحيح البخاري (٥٩٥٠)، وأخرجه مسلم (٢١٠٩) بلفظٍ مختلف.
[٢] أخرجه البخاري (٥٩٦٣)، ومسلم (٢١١٠).
[٣] أخرجه البخاري (٧٥٥٩)، ومسلم (٢١١١).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق