أفضل الأعمال

حال المسلمين اليوم   المحتويات   حكم الجهاد
المعلوم أنَّ أبواب الخير كثيرة، ومنها طلب العلم والدَّعوة والجهاد والإنفاق ونحو ذلك، وأنَّ بعض النَّاس يُدعى من بعض أبواب الجنَّة ومنهم من يُدعى من أبواب الجنَّة الثمانية كما ورد في حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه.
وقد تنازع الناس قديماً وحديثاً في أيِّ الأعمال أفضل، ولا شكَّ في وجود نصوص جاءت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في بيان أيِّ العمل أفضل، فهناك أعمال فاضلة من حيث الإطلاق.
ذكر ابن القيِّم رحمه اللّه تعالى أنَّ الفاضل قد يصبح مفضولاً والمفضول قد يصبح فاضلاً، ونقل في بيان ذلك قول بعض السلف؛ الانشغال بالدعاء ليلة الوقوف بعرفة خير من الانشغال بقراءة القرآن في ذلك الموقف، فخلُص رحمه اللّه تعالى إلى أنَّ أفضل العبادة العمل على مرضاة الرّبِّ سبحانه وتعالى في كلِّ وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته. [1].
مما يبيِّن ذلك ما جاء في الحديث المتَّفق عليه عن أَبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِىّ يَقُولُ حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ الله قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم (أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى الله؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ الله". قَالَ: حَدَّثَنِى بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِى)[2]، ثمَّ إنَّه صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ الله إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ)[3]، ففي هذا دليل على أنَّ الجهاد يكون مفضولاً في بعض الأوقات.
وذكر ابن القيِّم رحمه اللّه أنَّ أفضل النَّاس من يدور مع العبادات بحسب الحال، وذلك لأنَّ أفضلهم من يُدعى من أبواب الجنَّة الثمانية، وأنَّ من يتعلق بعبادة واحدة فيه شيئٌ من اتِّباع هوى النفس.
وتحسن الإشارة هنا إلى أنَّ النيَّة القليلة للدنيا التي لا تساوي نيَّة الآخرة ولا تزيد عليها لا تفسد العمل الصالح، يدل على ذلك حديث من قتل قتيلاً فله سلبه، وفي كثير من نصوص القرآن والسنَّة وعد بجزاء دنيوي على عمل أُخروي، منها قوله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) }[4].
والتحقيق أنَّ النيَّة القليلة للدنيا وإن لم تفسد العمل فإنَّها تُنقص الأجر في الآخرة، يدل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم)[5].
إنَّ من كمال التجرُّد للّه وابتغاء الدار الآخرة أن ترى الرجل في جميع ميادين الخير، فعند الفقر والحاجة تجده في باب النفقة وإطعام الطعام، وعند اللِّقاء تجده فارساً مغواراً، لايضرُّه خذلان المخذلين ولا مخالفة المخالفين، وتجده من الذاكرين اللّه كثيراً، وعند حلول البدع وانتشار الأهواء تجده صادعاً بالحقِّ، محتملاً للأذى، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مبايناً لأهل الأهواء والزيغ والفتن، لا يخاف في اللّه لومة لائم، ولا تكاد تفقده في أيّ باب من أبواب الخير، وهذا الصنف في الناس قليل، قال اللّه سبحانه وتعالى: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚوَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}[6].
هذا الكلام مقرَّر عند العلماء ولكنَّ الذين يُركِّزون على عبادة الجهاد دون غيرها قد يقولون: "نحن لا نخالف في هذا، ولكنَّ الجهاد من حيث الزمان يُعد أفضل عبادة لوجود الهجمة الشرسة على بلاد المسلمين"، لذا لابُدَّ من معرفة أنَّ حكم الجهاد مرتبط بالقدرة وتحقُّق المصلحة، ومجرَّد وجود احتلال لبعض بلاد المسلمين لا يجعله الأفضل من غيره، إذ الجهاد وسيلة لغاية، وليس غايةً في ذاته.
فالجهاد وسيلة لإقامة الدين وإزالة الفتنة، قال اللّه تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}[7]، وهو وسلية لرفع الظلم والقهر عن المسلمين، قال اللّه تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)}[8].

المصادر

[1] أنظر مدارج السالكين (ج1/ص88).
[2] صحيح البخاري، مواقيت الصلاة 527. صحيح مسلم، الإيمان 264
[3] صحيح البخاري، العيدين، 969, سنن الترمذي، الصوم، 762.
[4] سورة نوح آية رقم 10.
[5] صحيح مسلم (1906).
[6] سورة القصص آية رقم 83
[7] سورة البقرة آية رقم 193
[8] سورة النساء آية رقم 75

pdf
حال المسلمين اليوم   المحتويات   حكم الجهاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق