بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق البشر وجعلهم خلائف الأرض، ورفع بعضهم فوق بعض درجات
ليبلوهم فيما آتاهم، والصَّلاة والسَّلام على المبعوث رحمة للعالمين، من الإنس
والجن والحيوانات وسائر المخلوقات، ومن تبع سبيله إلى يوم المعاد.
في مكالمة هاتفية يوم أمس مع أحد زملاء الدراسة في مرحلة الأساس، أخبرني أنه
ينصح طلاب الشهادة السودانية من المتفوِّقين أكاديمياً بضرورة توجه بعضهم
لدراسة العلوم الإداريَّة والإقتصاديَّة والقانونيَّة، خلافاً لما هو متعارف
عليه عند أكثر المتفوِّقين أكاديمياً من التوجه إلى العلوم التطبيقية مثل
العلوم الهندسية بسائر أنواعها وعلوم الطب والزراعة والصيدلة ونحوها.
وقد علَّل الأخ ذلك بأنَّ المواقع القياديَّة في الشركات والمؤسَّسَات والدولة
أكثر من يتولَّاها أهل العلوم النظريَّة، ومن الأفضل أن تكون القيادة بيد
الأكثر قدرة على الفهم والتحليل المنطقي السليم وبالتالي القدرة على اتخاذ
قرارات تساهم في النهضة والتطور، هذا من ناحية، وأما من الناحية المادية فإنَّ
المدراء والقياديين هم الأكثر حظاً في الغالب.
القرارات الإدارية والتجارية تحتاج إلى قدرة على التحليل وقراءة المعلومات
المتوافرة للخروج بقرار صحيح، وهذا يحتاج إلى قوة في المنطق، وأقرب الناس إلى
المنطق والتحليل هم الرياضيون والفيزيائيون والناجحون في علوم الطبيعة.
والقدرات الفطرية الجبلية الموروثة ذات أهمية كبيرة في النجاح. وأنجح الناس من
اجتمعت فيه القدرات الجبليَّة والمكتسبة معاً.
فالأقدر على الفهم والاستيعاب يستطيع أن يُحصِّل أكبر قدر ممكن من المعلومات
فترة دراسته، وبعد تخرجه يكون أسرع من غيره في تطوير نفسه واكتساب الخبرة
العمليَّة، إضافة إلى قدرته على التحليل السليم، واتخاذ القرارات الصائبة، مما
يعود بالنفع والتطوُّر والتقدُّم على المؤسسة التي يعمل بها، وهذا بدوره يقود
إلى تطور البلد ونموها، هذا بالإضافة إلى أنَّ أصحاب المواقع الإدارية ومواقع
القرار هم الأوفر حظاً ونصيباً في المال والثروة، بسبب ارتفاع رواتبهم عمَّن
دونهم في الخدمة في ذات المؤسَّسة، والتطبيقيون مكانهم غالباً ما يكون بعيداً
عن مواقع اتخاذ القرارات، حيث إن موقعهم في الإنتاج العملي التطبيقي غالباً.
ومن الأفضل والأولى بطالب الثانوية العليا أن يختار لنفسه من التخصُّصات ما
يناسب قدراته الجبليَّة، وما يكون أنفع لأمته وبلده، وإذا نوى بدراسته وتخصصه
خدمة دين الله عز وجل وشرعه فإنه في عبادة كما قرر ذلك العلماء، كما قال معاذ
بن جبل رضي الله عنه: {إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي}
أخرجه البخاري، وروي هذا عن غيره من الصحابة، وكُلَّما نجح الطالب في اختيار
التخصُّص الذي يتناسب مع قدراته الجبليَّة، كلما كان ذلك أدعى لاستفادة البلاد
والأمة منه، والعلوم التي تسمى بالأدبيَّة تحتاج إلى ذكاء في المنطق والتحليل،
وليس في الحفظ فقط، ومن المؤسف أن العلوم المسماة بالأدبية، ومنها العلوم
الإدارية والإقتصاديَّة والقانونية وعلوم الشريعة الإسلامية أصبحت تترك لذوي
الدرجات الأدنى في شهادات الثانوية العليا، مع أنَّ هذه العلوم تحتاج إلى قوة
في الحفظ، مع قوة في التحليل والفهم والمنطق السليم.
وكلما كان الموظف في موقع إداري أعلى كلما كان أكثر حظاً في الراتب الشهري.
وكلما كانت العلوم أكثر ميلاً إلى الجانب النظري منها إلى العملي كلما كانت
الوظيفة أعلى وراتبها أميز، فكما أنَّ مدراء الشركات والقطاعات المختلفة داخل
الشركات يتقاضون رواتب أكثر ممن يديرونهم، فحملة الشهادات النظرية في العلوم
التطبيقية يتقاضون رواتب أفضل من حملة الشهادات الأقل في الجانب النظري. هذا
إضافة إلى أنَّ العلوم كلما كانت أكثر ميلاً إلى الجانب النظري كلما كانت أنفع
وأكثر فائدة في التطور والبناء والتقدُّم.
وفي الغرب الآن يوجد نوعان من الجامعات في العلوم التطبيقية الهندسية، الجامعات
التي تولي الجانب النظري أهمية أكثر من التدريب العملي تسمى بالجامعات مطلقاً
أو تسمى جامعات تقنية، وأما الجامعات التي تركز على
التدريب العملي فتسمى بالجامعات للعلوم التطبيقية، وشهادات جامعات العلوم التطبيقية تسمى بكالوريوس هندسة وماجستير
هندسة، بينما شهادات
الجامعات الأكثر اهتماماً بالجانب النظري في العلوم الهندسية التطبيقيَّة تسمى
بكالوريوس علوم وماجستير علوم،
وأما شهادات الدكتوراة فلا توجد حتى الآن حسب علمي إلا في الجامعات الأكثر
اهتماماً بالجوانب النظرية.
والمهندسون وحملة ماجستير هندسة عملهم في جانب الإنتاج في الشركات، لأنهم أقل
معرفة بالجانب النظري، وأما أصحاب الدكتوراة والماجستير العلمي فعملهم في شعب
البحث والتطوير في الشركات، وهؤلاء يتقاضون رواتب أفضل، لأن عملهم أهم وأصعب،
وبدونهم يتعطَّل الإنتاج خاصة في مجالات التقنية، لأن الهواتف الجديدة مثلاً
تكون مطوَّرة وبخصائص أفضل. إلا أن عدد العاملين في شعبة البحث والتطوير أقل
عادة في الشركات من الذين يعملون في قطاع الإنتاج.
وكلّما كان الطالب أكثر نجاحاً في المنطق مثل العلوم الرياضية الحسابية
والفيزيائية والبرمجية كلّما كانت فرصته أعلى وأكثر في الجامعات الأكثر نظرية
في المجالات الهندسية، وعادة ما يدخلها أصحاب الشهادات الأعلى في الدرجات، فإن
عمل حامل بكالوريوس الهندسة أشبه بعمل التقني والفني غير أنه مهندس والفني حامل
ما يسمى في بعض البلدان بالدبلوم، فالمهندس أكثر معرفة من التقني والفني
بالجوانب النظرية والعمليَّة، وأما التقني والفني فهو خريج المدارس الصناعية
التي تعادل الثانوية العليا، وفي الغرب توجد المدارس الصناعية في جميع المجالات
بما فيها مجالات البرمجيات وأجهزة الحاسب ونحوها من الصناعات الحديثة، ولكن
عملهم غالباً ما يكون محصوراً في جوانب الصيانة ونحوها.
حدثني أحد الزملاء أنه سمع مدير شعبة تقنية المعلومات بجامعة متروبوليا للعلوم
التطبيقية يقول: اشتكيت إلى مسؤول توظيف بنوكيا قائلاً لماذا تعينون في مجال
الإنتاج خريجي جامعة هلسنكي للتقنية أكثر من خريجينا مع أن طلابنا أكثر قدرة في
الأداء العملي بسبب التمارين والتدريبات المكثفة في المعامل، فكانت إجابة مسؤول
التوظيف بأن خريجي جامعتكم أكثر قدرة في الأداء العملي في السنة الأولى، ولكن
بعدها يتفوَّق خريجو جامعة هلسنكي للتقنية على طلابكم في الجانب العملي، وهذا
تعليل واضح جداً وسليم ومنطقي، ويعرفه كل من عنده إلمام بالعلوم الهندسية
وعلاقتها بالجوانب النظرية.
فالأكثر اهتماماً بالجوانب النظرية هو الأكثر حظاً في التوظيف وفي الرواتب
العالية، وهو الأكثر نفعاً في مؤسسته، وإن كان العمل لا يمكن أن يتم بغير
المهتمين بالعلوم التطبيقية والتدريب العملي. حدثني أخ مسلم هندي وهو مهندس
بناء، وكان يعمل بإحدى الشركات بأمريكا، أنه كان لا يجيد برنامج الآوتوكاد، ولكنه كان يرسم بيده ثم يسلِّم الرسم لفني يعمل بالشركة ليرسمه
بواسطة جهاز الحاسب الآلي، ولاشك أن الفني بسبب خبرته العمليَّة ينجز الرسم
بسرعة تفوق بمراحل الأخ المهندس وهو حامل لشهادة ماجستير من إحدى الجامعات
المرموقة بأمريكا. ولهذا لا يصح احتقار دور التقني وغيره في العمل. فكل ميسر
لما خلق له. وحتى لو أتقن المهندس مثل هذه الأعمال التقنيَّة فإنَّ وقته لا
يسمح بالقيام بمثل هذه الأعمال، ولهذا فمن الأفضل للطالب أن يصرف وقته أثناء
دراسته في الأهم فالمهم.
لقد خلق الله عز وجل الناس، وكرَّمهم على سائر المخلوقات وجعلهم خلائف الأرض،
ومنحهم قدرات مختلفة، وقسم أرزاقهم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، ليتسخر بعضهم
لبعض ولتستمر الحياة، بأداء كل واحد من الناس لوظيفته التي خلقه الله من أجلها،
فإذا لم يوجد من يعمل بالنظافة فكيف سيكون حال دور التعليم والصناعة والعلاج
والعبادة وغيرها؟ قال الله تعالى: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ
رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ
بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
(32) }، وسُخرياً بضم السين من التسخير، أي ليُسَخِّر بعضهم لبعض في
الأعمال والحرف والصنائع.
بعض الأكاديمين يَسْخَر من كل من لم يُحصِّل تعليمه بالوسائل المتعارف عليها
حديثاً، علماً بأنه قد يكون أكثر معرفة ودراية بكثير من العلوم والمعارف
البشرية. وهذا من الجهل، إذ الاستهزاء لا يصدر إلا عن جهل {
قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ
بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) }. {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن
قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ
عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ
وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) }.
فليس كل من لم يحمل شهادة غير قادر على التعلُّم، فقد يكون السبب عدم توفُّر
فرصة التعليم بالوسائل الحديثة له، وقد يكون أكثر نجاحاً في بعض أنواع المعارف
والعلوم. فمن العلوم والمعارف ما يُكتسب بالممارسة مع شئ من التعليم والتوجيه.
وقد كان استاذنا البريطاني في جامعة متروبوليا للعلوم التطبيقية بفنلندة يدرِّس
كثيراً من المواد التجارية على طريقة دراسة حالات، وذلك بتناول بعض الأعمال
والشركات الناجحة بالدراسة.
كنت يوماً أتحدَّث إلى أحد الأكاديميين الأدبيين، وهو أخ متخصِّص في العلوم
السياسيَّة، كان وقتها في قسم الدكتوراة بجامعة هلسنكي، فذكر أحد أثرياء
السودان، وهو رجل معروف صاحب أعمال، كان لا يعرف كتابة اسمه، وكان يستخدم
البصمة في تعاملاته الرسمية، كما حُكي عنه. فقال الأخ الأكاديمي السبب في ثراء
مثل هؤلاء الأميين الجهلة وضع السودان المتخلِّف. فقلت للأخ مهلاً، هل تعلم
أنَّ الشيخ الذي تتحدث عنه رحمه الله تعالى كان يدير عمله بنفسه؟ وأنه بعد أن
توفاه الله عز وجل وتولى أبناؤه إدارة أعماله تقهقرت الأعمال؟ مما يدل على أنه
كان قادراً على تسيير أعماله، سواء كان السبب في التقهقر هو اختلاف ذريته من
بعده أو كان بسبب عدم قدرتهم على إدارة العمل. وقلت للأخ كنت يوماً بجامعة
هلسنكي أطالع جريدة الإندبندنت البريطانية، وقرأت قصة رجل بريطاني مليونير ترك
الدراسة الرسمية وهو في سن السادسة عشر من عمره واتجه إلى الأشغال والأعمال،
وهذا مثال من بلد متقدم متطور.
من الواضح أن القدرات الطبيعيَّة التي جبل الله عليها الإنسان والمكتسبة معاً
تحدِّدان مدى نجاح الشخص في مهامه، ومهما اكتسب الإنسان من خصال بالتعليم
والتجربة والتمرين فإنَّ النجاح يكون بسرعة أكثر إذا توفَّرت في الشخص الخصال
الجبليَّة الفطريَّة إلى جانب المكتسبة فيما يختار لنفسه من تخصُّصات ومهام.
وقد حدثني أخ كردي يعمل في شركة بفنلندة تعمل في مجال البرمجيَّات أنَّ مسؤول
المجموعة ليست لديه شهادة علمية، علماً بأن الأخ الكردي درس لسنتين ونصف فقط في
مجال علوم الحاسب الآلي، بمعنى أنه بدرجة فني وتقني وليس بدرجة مهندس، ولكنه
كان في نفس الوقت الذي يعمل فيه بالشركة يدرس معنا بجامعة للعلوم التطبيقية
ليرفع درجة شهادته إلى درجة مهندس، وعندما أخبرني الأخ عن الفنلندي مسؤول
المجموعة الذي وصفه بالجيد في مجال البرمجة وخاصة لغة الفيشوال بيسك قال لي لم
يتعلم، فقلت للأخ لا يصح أن تقول لم يتعلم، ثم قلت له: لعل والده كان مبرمجاً،
فقال لي نعم، قلت إذن فقد تعلم من والده مبادئ البرمجة ثم اجتهد، فقال لي نعم،
فقلت له: إذن هو متعلم ولكن ليست له شهادة. ولكن في الواقع أمثال هؤلاء تعليمهم
محدود، ولهذا كان رئيس مجموعة فنيين، وفي الغالب لا يترقون أكثر، ولكن البعض
منهم يترقى أكثر ويصل مراحل متقدِّمة. ومالك موقع الفيس بوك الشهير لا يحمل
شهادة جامعيَّة، وهو يهودي في السادسة والعشرين من عمره، والفيس بوك هو أشهر
المواقع الاجتماعية في الإنترنت.
فالتعليم قد يأخذ وسائل شتى، وليس بالضرورة أن يكون عبر الوسائل المتعارف عليها
حديثاً، ومن أمثلة ذلك وجود بعض الأشخاص الفنلنديين الذين يعملون مثل عمل
مهندسي البناء والمعمار من غير شهادات، ولكن بصورة أقل من أصحاب الشهادات،
وغالباً ما يتعلَّمون مثل هذه المهن من آبائهم. والله عز وجل هو الذي قسم للناس
معايشهم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وهيَّأ لهم من الأسباب الجبلية ووسائل
التعليم والتدريب المكتسب ما يؤهلهم للقيام بوظيفتهم في إعمار الأرض وخدمة
الناس، وسد بعض حاجاتهم.
وإذا أراد طالب الثانوية العليا سعة الرزق فإنَّ أكثر الرزق في التجارة وليس في
المهن والوظائف، فالطبيب الذي يعمل في مستشفى عام أو خاص أقل حظاً ممن ينشئ
عيادة خاصة أو يملك مستشفىً خاصَّاً أو تكون له نسبة في الفائدة من مستشفى خاص،
والعيادة والمستشفى الخاص هما من أنواع التجارات، وهما من قبيل بيع الخدمات،
لأن التجارة قد تكون بيع خدمات وقد تكون بيع أعيان. والمهندس الذي ينشئ شركة
وعملاً خاصاً أو بالشراكة مع رجل أعمال أكثر حظاً في جمع الأموال والثروة ممن
يتوظَّف في شركة.
وجَّه لنا محاضرنا بجامعة فاسا للعلوم التطبيقية وهو مدير شعبة تقنية المعلومات
سؤالاً قائلاً: هل تدرون لماذا نأتي بهذا العدد الكبير من الصينيين ليدرسوا في
مثل هذه الجامعة تقنية المعلومات مع أن الجامعة تصرف في السنة الواحدة على
المهندس الواحد مبلغ ستة آلاف يورو؟ ثم قال: إذا عمل المهندس بشركة نوكيا فإن
العائد من وراء المهندس الواحد في السنة ما يعادل ستين ألف يورو. فإذا علمنا
أنَّ المهندس الجديد يتقاضى راتباً يعادل حوالي ثلاثين ألف يورو بالسنة، فإن
هذا يعني أنَّ فائدة الشركة وراء كل مهندس هو ضعف المبلغ الذي تدفعه للمهندس
الواحد، ونوكيا وغيرها من الشركات تعمل في مجال التصنيع ثم التجارة، وهي بيع
الجوالات، مما يعني أنَّ أصحاب الشركات يستفيدون أكثر بكثير جداً من العاملين
بالشركة من الموظفين والمهندسين والعمال.
وأكثر الشركات الناجحة يمتلكها أو يمتلك جزءاً منها متخصُّصون في ذات مجال
الشركة، سواء كان التخصص عن طريق التعليم والشهادات الحديثة، أو غيرها من
الوسائل التي يكتسب بها الإنسان المعرفة مثل التجربة والتمرين مع شئ من التوجيه
من والده أو مدير عمله. فشركة مايكروسوفت أسسها بلغيت، والذي درس مبادئ البرمجة
بمدرسة خاصة، وبذل في البرمجة أكثر وقته وجهده، وبعد أن أسس مايكروسفت بشراكة
مع بولس آلن ترك الدراسة بجامعة هارفرد، وكان يدرس القانون والرياضيات. وكذلك
شركة أبل، فإنَّ أحد مؤسسيها يحمل شهادة في هندسة الكمبيوتر، واسمه استيفن
غاري. ومطاعم البيك بالسعودية أسسها طباخ اسمه شاخور أبو غزالة عام 1974م
بمدينة جدة بوصفة خاصة للدجاج المقلي، وللمطعم عدة فروع الآن بالمملكة. وشركة
جوجل أسسها لاري بيج وسيرغي برن كبحث ومشروع دكتوراة بجامعة ستانفورد.
و تشجِّع دول الغرب الشركات البادئة ببعض التسهيلات والمنح لإنجاح مشاريعهم
التجارية، لأنَّ نجاح المشاريع التجارية يوفِّر فرص العمالة والتوظيف، واكتساب
الخبرات التجارية والفنية، كما يساهم في دخل الدولة عبر الضرائب عند نجاح
المشروع، هذا إضافة إلى أنَّ بعض المشاريع الناجحة تساهم بصورة فعالة في تطوير
وتقدم البلد في شتى المجالات.
وينبغي للمسلم ألَّا يحرص على الدنيا والشرف والمال حرصاً يلهيه عن ذكر
الله عز وجل، أو يدفعه إلى جمع المال بكل وسيلة حلالاً كانت أم حراماً. وما عند
الله عز وجل خير وأبقى لعباده المؤمنين، وما أسعد إنسان اتخذ العلم الدنيوي
والتجارة عبادة يقصد بها مساعدة المحتاجين، ونفع أمَّة الإِسْلام، فإذا فاته
حصول مطلوبه الدنيوي لم يجزع، بل يرضى بما قسم اللهُ عز وجل له، ويتذكَّر الأجر
الأخروي على نيته الحسنة، وإن لم يتحقَّق له ما أراد في الدنيا، وإذا حصل له ما
أراد لم يقلق على ما عنده خشية ضياعه، وإذا أصيب بضياع ما جمع صبر واحتسب، {وَرَحْمَتُ
رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
الثلاثاء 27 جمادى الأوَّل 1431هـ الموافق 11 مايو 2010م
رجوع إلى قسم إرشادات
هلسنكي، فنلندة
الثلاثاء 27 جمادى الأوَّل 1431هـ الموافق 11 مايو 2010م
رجوع إلى قسم إرشادات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق