الإخوان بين اليوسف والمدخلي وأنصار السنة

رجوع إلى قسم شبهات وردود

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسس مؤسس الإخوان المسلمون جماعته على أهداف هي شرعية في ذاتها، تتمثل في إعادة رعاية الدولة الإسلام كأصلٍ في ولاية الناس، وإعادة عزة المسلمين، وطرد المستعمرين.
وجهل المؤسس أو أغفل أن أولى واجبات ولاية الناس ودعوتهم؛ الشهادتان والصلاة، وركز على أسباب مادية لتحقيق تلك الأهداف، ولكن معظمها لم تراعى فيها شروطها وضوابطها.
من ذلك اعتماد بعض تلك الأسباب على أصوات الناس دون نظر دقيق في المصالح والمفاسد، ودون مراعاة شروط في تعارض وتزاحم بعض الحسنات والسيئات، فإنها قد تكون من قبيل الاحتياج إذا اقتضت فعل محرم لغيره أو الاضطرار إذا اقتضت فعل محرم لذاته أو ترك واجب، فحمله الحرص على أصوات الناس على إرضائهم بما يخالف الشرع.
ولذا حرص المؤسس على تجميع الناس أهل سنة ومبتدعة، واغترَّ بفكرة التقريب بين السنة والشيعة التي دعا إليها قبله محمد عبده وغيره.
وتبِع المؤسس أكثر الإخوان المسلمين، وظلَّ هذا هو نهج التنظيم العالمي وكثير ممن خرج عنه عدا أصوات خافتة داخل التنظيم، ثم اختلفوا مع الرافضة اختلافاً سياسياً عقب أحداث سوريا.
وأسهمت كثيرٌ من الجماعات الإخوانية في تجهيل العوام بخطر الروافض وإفساح المجال لهم لتشييع عوام أهل السنة.
فوقعت جماعة الإخوان منذ تأسيسها في أخطاء تتعلق بالدعوة والإصلاح، فأصل اجتماعهم مبني على مجاملة أهل البدع بمن فيهم غلاة المتصوفة والروافض في الدعوة العلنية، إضافة إلى ما في الجماعة من جهل ومخالفات كثيرة لمنهج السلف في العقيدة والسنة، وتقليلٍ من أمر السنة واتباعها والدعوة إليها.
ومن ذلك انحرافات في مسائل تتعلق بالولاء والبراء، والأديان الباطلة، ومسائل الجهاد والتكفير، وإرضاء المجتمعات والكيانات، وهذا هو التيار الأصل والغالب في كثير من أحزابهم.
في منهج الدعوة مثلاً فإن غالب الديمقراطيين من الإخوان أو من تفرع منهم أهملوا الدعوة إلى التوحيد أو قللوا من شأنها.
والقسريون من الإخوان جعلوا الحكم بغير ما أنزل الله بما أسموه بالتشريع العام أو القانون العام شركاً أكبر، وجعلوا هذا الرأي أصلاً في دعوتهم، وجعلوا الدعوة إلى تحكيم الشريعة بمنزلة الدعوة إلى التوحيد، وقدمها كثيرٌ منهم على التوحيد الذي جاءت به الرسل.
ومن الانحرافات التي تتعلق بالسياسة في الجماعة؛ تجويز الخروج على الحاكم المسلم المقيم لكتاب الله تعالى بسبب الظلم أو الفسق الذي دون ترك الصلاة أو الاستعجال في الخروج على من لا يقيم كتاب الله، كمن أيد الثورات العربية التي اعترف بأنها عفوية.
ومع أن الثورات مخطط لها إلا أن لحظة اندلاعها عادةً ما تكون عفوية، وعادة ما يكون اندلاع الثورات بسبب تأزم الوضع الاقتصادي.
والاعتراف بأنَّ الثورات عفوية هو اعتراف ضمني بأنها غير مدروسة النتائج، ولكن من يجعل السياسة غاية بالتنازل عن أصول عظمية فإنه يلهث وراءها بكل شيء ويقدم لذلك ما يطلبه المستمعون، ويلهثُ وراء إرضاء الشعوب حتى ولو كان على حساب الشعوب نفسها وقبل ذلك الشرع والعقل والحكمة.
فجماعة الإخوان منحرفة في منهج الدعوة وإصلاح الحكم والسياسة، وما يتعلق بذلك من مسائل أصولية، وقد اجتمعوا على ذلك، خلافاً لمن زعم أنها؛  (ليست منحرفة لأنها لا تتبنى مذهباً عقدياً ولا فقهياً معيناً، لأن فيها السلفي والأشعري والمالكي والحنفي والشافعي والحنبلي). 
بل إن وجود سلفيين في هذه الجماعات هو مما يزيد من خطورتها والتباس أمرها على الناس، ولا يصلح هذا دليلاً على سلامة منهجها، ولكن يُحكم على من انتسب إليها من أهل السنة كلٌ بحسبه.
فمن انتسب إلى جماعة أو جالسهم (من الجليس بمعنى الصديق المقرب)، فهو منهم من حيث العموم، كما نص على ذلك أئمة السنة، ولكن عند التعيين قد يقال؛ "فلان معهم ولكنه لا يشبههم"، للمزيد؛ مدونتي » إصلاح » تصنيف الناس بين الغلو والجفاء.
وأولى أولويات ولاية الناس العناية بالشهادتين دعوةً لغير المسلمين وتعليماً للمسلمين ما يناقضهما، ثم أمر المسلمين بالصلاة، ثم الأهم فالمهم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقول النبي صلى الله عيه وسلم: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
ويدخل ما هو أهم من الصلاة في الآية والحديث بدلالة قياس الأولى الذي هو في حكم المنصوص عليه وبأدلة أخرى، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله). 
والغاية في قوله (حتى) هي غاية الحبس والكف وليست غاية المقصد إذ لا إكراه في الدين، للمزيد؛ مدونتي » إصلاح » الموجزُ اليسير حول شبهاتٍ في الجهاد والتكفير » سبب مشروعية الجهاد والإرقاق.
موقف الشيخ اليوسف
كان والد الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف سلفياً إخوانياً، وعمل اليوسف مع جمعية الإصلاح الإخوانية عندما دخل الكويت.
فقد ذكر اليوسف عن والده في أشرطة السيرة الذاتية أنه كان يعمل مع البنا، وذكر في نفس الشريط عن نفسه أنه كان يعمل مع جمعية الإصلاح الإخوانية ثم تركهم لخلافه معهم في العقيدة [١].
وبعض المشايخ الذين عاصروا الشيخ اليوسف ووالده بالمدينة من الأساتذة والزملاء يعرفون ذلك، فقد عاصره وعاصر والده بالمدينة من أساتذته المشايخ؛ العباد حفظه الله والألباني والجامي رحمهما الله، ومن زملائه؛ العبود وربيع المدخلي حفظهما الله.
ومما يدل على أن والد اليوسف كان سلفياً حرصه على عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة ونُصحه لابنه بقراءة كتب ابن تيمية وابن القيم كما ذكر ذلك اليوسف في أحد أشرطة بعنوان حوار في المنهج [٢].
في لقاء جريدة الوطن بتاريخ أبريل ٢٠١١م مع الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف قال عن الإخوان ما يلي:
(ما الفرق بين السلفي والإخواني في ظل قبولهما بالعمل السياسي؟
- لا أرى فرقاً مهما، فهما مثلما تقول جماعة كذا وجماعة كذا في إطار الإسلام الواحد، وقد يكون الخلاف بينهما مسألة الأولويات، لكن الكل مرجعه إلى الكتاب والسنة، ولكن يؤخذ على الإخوان المسلمين التنظيم الحزبي المتشدد، أما السلفيون فليسوا تنظيماً وإنما تيار عام في الأمة.
أيهما أصدق وأطهر؟
- والله {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وإذا أصبح للسلفيين دور في حكم مصر أو غيرها، كأن يكون لهم نواب في البرلمان، فسيتعرف الناس عليهم أكثر، على العكس من الإخوان الذين شاركوا في العمل السياسي منذ فترة طويلة، عموماً الناس هي التي ستحكم على أداء الطرفين سواء أكان الإخوان أم السلفيين.
الآن يتحدث البعض عن «أخونة» السلف أي تحويلهم إلى تبني المنهج الإخواني، فما رأيك؟
- أنا لا أرى أن هناك معركة بين الإخوان المسلمين والسلف، والحديث عن هذا الأمر فيه نوع من الافتعال لمواجهة لا وجود لها. أنت لا يمكنك أن تفرق أحياناً بين الإخواني والسلفي، السلفيون دائماً ما يعطون أصواتهم للإخوان والعكس صحيح، لكن ردود بعض السلفيين على الإخوان المسلمين في قضايا علمية، فهذا وارد وطبيعي، فحتى السلفيون يردون بعضهم على بعض ويتناقشون، والإمام مالك قال «ما منا إلا ردَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر». لكن أن يدخل السلفيون في حزب لمعاداة حزب للإخوان المسلمين فلا أظن حدوث هذا أو وقوعه) [٣].
الكلام السابق يهون من شأن مخالفات الإخوان بادعاء أنه لا يوجد فرق مهم بين السلفيين والإخوان، وأن ردود السلفيين على الإخوان هي من قبيل ما منا إلا ردَّ ورُدَّ، وأنها مثل ردود السلفيين على بعضهم، وأن ما يؤخذ على الإخوان هو التنظيم الحزبي المتشدد، وأن التجربة فقط هي التي ستحكم من هو الأصدق والأطهر.
ولا يجوز مدح أهل البدع على سبيل التهوين من أخطائهم وتغرير العوام بهم، وإنما يجوز ذكر حسناتهم من باب بيان الموقف الشرعي الصحيح مما يفعلونه من خير، ولمعرفة ما قد تجب معاونتهم فيه، ولأجل إنزال كل خطأ منزلته، وللإنصاف والعدل.
بسبب هذا التهوين من أخطاء الجماعات المنحرفة في منهج الدعوة والإصلاح، ظل الشيخ عبدالرحمن يردد بأن تعدد الجماعات ظاهرة صحية، ويطلق القول بأنها تسد ثغرات، يقصد بذلك الإخوان والتبليغ والقسريين والجهاديين، وكثيراً ما يعظم أخطاء وزلات بعض السلفيين أكثر من انحرافات هذه الجماعات.
وقد نصحه الإمام ابن باز رحمه الله تعالى فرجع ثم عاد لما قال، وكان الأولى به أن يتروى إذا كان شاكاً في صحة قول شيخه حتى لا يُظن به التلون، أعاذنا الله وإياه من الحور بعد الكور.
ومما قال ابن باز رحمه الله تعالى: (من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الابن المكرم صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق. ..... خامساً: دعوتكم في كتابكم: (مشروعية الجهاد) ص ٢٨، ٣٧، ٣٩، وكتابكم: (الوصايا العشر) ص ٧١، ص ٤٤ إلى تفرق المسلمين إلى جماعات وأحزاب، وقولكم: إن هذا ظاهرة صحية. ولا يخفى أن هذا مصادم للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، مثل قوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (١) وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (٢) الآية.) [٤].
لا يصح إطلاق القول بأن الجماعات المنحرفة سواءٌ في منهج الدعوة والإصلاح أو غير ذلك تسد ثغرات بما يوهم بأن وجودها ظاهرة صحية، فسدها ثغرات إنما هو عند الاحتياج والاضطرار والتعذر أو لتمكنها من أداء واجبات عجز عنها أهل السنة.
فوجوب دعم الإخوان أو الاستعانة بهم في أمور شرعية لدفع ضرر العلمانيين مثلاً هو من باب الاحتياج أو الاضطرار أو التعذر، لما في ذلك من رفع لشأنهم، وهذا محرم لغيره لأنه يزين باطلهم.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإذا تعذَّر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك، إلا بمن فيه بدعة، مضرَّتها دون مضرَّة ترك ذلك الواجب، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس) [٥].
ورواية السلف في الكوفة عن القدرية كانت للاحتياج وخشية ضياع الحديث، ولا يصلح أن يكون هذا دليلاً على أن القدرية يكملون نقصاً في أهل السنة، ولا على إطلاق القول بأن القدرية يسدون ثغرات، ولا على أن وجودهم ظاهرة صحية وعدم جواز محاربتهم.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفاراً) [٦]. 
فهذا بسبب عدم تمكُّن أهل السنة من ذلك، ولا يصح أن يكون هذا دليلاً على أن وجود الرافضة والجهمية وغيرهم من أهل البدع ظاهرة صحية، لأنهم لم يقوموا بذلك على الوجه الشرعي الصحيح.
وهكذا فإِنَّ ما في الإخوان والتبليغ من حسنات وتمكنهم من أعمال لم يتمكن منها السلفيون واضطرار أو احتياج السلفيين للتعاون معهم أو دعمهم أو مساعدتهم يدخل في الضرورات والحاجات والتعذُّر، ولا يدل على أن وجودهم ظاهرة صحية.
ولا يدل ذلك على نقص في السلفيين تكمله تلك الجماعات، وما وجد في بعض السلفيين من أخطاء بينة؛ فإنها تُصحح بنصح السلفيين بعضهم بعضاً وليس بالاقتداء بأهل البدع.
ومسائل الاضطرار والاحتياج المتعلقة بتعارض وتزاحم الحسنات والسيئات تتوافر كلما نقصت آثار النبوة وتزداد كلما ازداد النقص، ومن شروط الاحتياج الاضطرار ما يلي:-
١. أن يكون متعيناً، والمعنى ألا يوجد طريق شرعي لرفع الضرر أو تحقيق المصلحة الضرورية أو الحاجية أو تخفيف الشر، فيجوز دعم هذه الجماعات أو مساعدتها أو التعاون معها عند ضعف أهل السنة أو قلتهم للاضطرار أو الاحتياج.
٢. ومنها أنها يقدر بقدره، فلا يجوز دعم هذه الجماعات أو مساعدتها أو التعاون معها إلا بمقدار ما يدفع الأضر أو يحقق الأصلح أو يخفف الشر.
٣. ومنها ألا يكون الغرض متوهَّماً، فلا يجوز دعم هذه الجماعات أو مساعدتها أو التعاون معها إلا عندما يكون تحقيق الغرض يقينياً أو مظنوناً بظن غالب.
ولو كان وجود الجماعات المنحرفة في منهج الدعوة والإصلاح ظاهرة صحية لما عند بعضهم من قدرة تنظيمية وإدارية تفوق السلفيين، لكان وجود الروافض ظاهرة صحية؛ لأن قدرتهم الإدارية والتنظيمية قد تفوق أهل السنة.
ولا بأس أن يستفيد السلفيون من تجارب هذه الجماعات فيما أصله الإباحة والإرسال إلا لنص، كما استفاد النبي صلى الله عليه وسلم حفر الخندق من الفرس واستفاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدواوين من الفرس.
وما سبق لا يعني عصمة السلفيين كأفراد أو جماعات، فإجماع السلفيين في قطر أو عدد من الأقطار ليس حجة ملزمة، وبعض الأخطاء قد تصبح صفة غالبة في عوام السلفيين في بعض البلاد، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن إجماع أهل بلدة مثل الشام أو العراق ليس إجماعاً، ولكن السلفيين الذين هم أهل السنة والجماعة بالمعنى الخاص لا يمكن أن يجمعوا على باطل.
والأخطاء في السلفيين سهلة التصحيح لسلامة الأصول والمنهج، وهذا ما حدث في كثيرٍ منها، فمن الأخطاء التي كانت بالسودان إنكار السحر والعين وتلبُّس الجني بالإنسي، ووجدت مثلها بمصر.
ومن الأخطاء في السعودية قول بعضهم بأن ما يسمى بالقانون العام كفر أكبر، وهو قول محدث لم يُنقل عن السلف، إلا أن من أخطأ في ذلك من علمائنا لم يجعل ذلك أصلاً، ولم يُهمل الأصول الصحيحة، ولم يضلِّل مخالفه، ولم يعقد على ذلك ولاءاً وبراءاً، ولم يستحل بسبب خطئه الدماء والأموال والأعراض كما تفعل الخوارج.
ومن الأخطاء في السعودية؛ مسائل في تحريم ولاء الكفار بعضها لفظية تتعلق بتعريفه مما أحدث لبساً عند البعض في حدوده وما يحرم من أنواعه مطلقاً وما يستثنى منه غير المحاربين، ومن ذلك؛ إطلاق القول بأن مظاهرة مشركين على المسلمين من نواقض الإسلام، وقد يكون هذا الخطأ لفظياً أيضاً.
والأخطاء الثلاثة السابقة هي من الزلات التي يجب بيانها ولا يجوز السكوت عنها، لأنها كانت ولا تزال تستغل استغلالاً مباشراً لنشر أفكار الغلو في أحكام التكفير والجهاد، وقد شرحت بطلان هذه الإطلاقات بالأدلة في الروابط التالية؛
ومن الأخطاء في السعودية؛ فتاوى توجب على العامي التزام تقليد معيَّنين في مسائل بعينها أو في كل الفقه كالتزام أحد المذاهب الأربعة، وقد أدت هذه الأخطاء والزلات إلى ظهور تعصب مقيت بينتُه في؛ مدونتي » شبُهات وردود » المذهبية الجديدة.
وفي الهند ينفي كثير من عوام أهل الحديث جواز تقليد العلماء دون التزام معين أو معينين، وذلك بسبب إطلاقات بعض مشايخهم، وكثير من عوامهم وبعض مشايخهم يمنع الانتساب إلى أحد المذاهب الأربعة ولو كان على سبيل التفقه والدراسة.
موقف الشيخ المدخلي
لسرية جماعة الإخوان وعدم السماح بالنشاط الحزبي في السعودية؛ كانت معرفة أهلها بالحركيين محدودة.
كان الشيخ ربيع من أوائل من تحدث من أهل السعودية في نهج حركة الإخوان وتنظيمها السري وطرقها الخفية، لأنه كان في تنظيمهم لإحدى عشرة سنة.
في الطبعة الأولى التي كانت بتقريظ الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف من كتاب "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل"؛ قال الشيخ ربيع عن سيد قطب: (رجع إلى عين منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله).
وقد حُذفت هذه العبارة وحُذف تقريظ اليوسف في طبعات لاحقة.
تعجبتُ وقتها في مدح سلفي سيد قطب بهذه الطريقة، وكنت قد قرأت الكتاب فيما أظن عام ١٤٠٨هــ الموافق ١٩٨٨م، ولم أسمع قبل ذلك بالشيخ ربيع.
ويدل ما سبق على تأخر إدراك الشيخ ربيع بعض أمر الحركيين، وكان في تنظيمهم في وقت كانت دعوة مشايخنا في السودان متمايزة عنهم مدركة حالهم.
ولتأثر الشيخ ربيع القديم بالإخوان والقسريين، فقد أثر ذلك في بعض تقعيداته وظهر أثر ذلك جلياً في بعض تلاميذه في ثلاث مسائل، وهي؛ الإسقاط والتلميع والإلزام ببعض الآراء. 
أما الإسقاط فقد ظهر في بعض أتباع الشيخ المدخلي غلو في التبديع والتحذير بأسباب منها؛ عدم التفريق بين ترك مجالسة أهل البدع وهجرهم فيما دون المجالسة، وجعلهم مطلق الهجر حكماً ثابتاً غير منوط بعلل، ومنها؛ عدم تفريقهم بين الحكم العام والحكم على المعين في مسألة المجالسة بمعنى الصداقة.
ومن أسباب غلو المتعصبين لآراء الشيخ ربيع حفظه الله تعالى عدم تفريقهم بين التحذير العام وتعيين شخص باسمه، وعدم التفريق بين الحَذَرِ والتحذير في حق المعيَّن، وعدم اعتبار أن التحذير من معين إذا أدى إلى ضرر أعظم فإنه يجب تركه، وأن الحال قد يقتضي ترك التحذير لتأليفه أو تأليف أتباعه، وتفريقهم غير الصحيح بين طريقتهم في التحذير والهجر من جهة والتبديع من جهة أخرى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلاً للاجتهاد) [٧].
وأما التأثر بالإخوان في التلميع فيظهر أن بعض أتباع الشيخ ربيع يرفعون شأن من يوافقونهم في آرائهم ويجعلون من يوافقهم قدوة في السلفية ولو لم يكن أهْلاً لذلك، وهذا من الظلم والتعصب للآراء والرجال.
وأما التأثر بالإخوان في الإلزام؛ فقد ألزم الإخوان برأي القيادة في الإفتاء ببعض المسائل الاجتهادية وليس في العمل فقط، وألزم بعض أتباع الشيخ ربيع بآراء بعض العلماء، وجعلوا اتفاق علماء بأعيانهم من الكبار في مسائل ظنية إجماعاً ملزماً لأهل الإسلام، وفتاوى كبار العلماء أو أكثرهم تختلف عن فتاوى الشيخ ربيع في بعض ما ألزموا به من آرائه، للمزيد؛ مدونتي » شبهات وردود » المذهبية الجديدة.
وقد دارت بين الشيخ المدخلي حفظه الله وبعض المشايخ السلفيين خلافات في السنوات الأخيرة، وقد رأيت بعض ردود الشيخين المدخلي والحلبي على بعضهما، فلاحظتُ أن كلاً منهما معه بعض الحق وبعض الخطأ، والخطأ والزلل يُحتمل ويغتفر من الكبار أكثر مما يحتمل من غيرهم، لما لهم من فضل، سواءٌ كانت الأخطاء من جهة حظوظ النفس أو من جهة سوء الفهم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (من قواعد الشرع وَالْحكمَة ايضاً؛ أن من كثرت حَسَنَاته وعظمت، وَكَانَ لَهُ فِي الاسلام تَأْثِير ظَاهر؛ فَإِنَّهُ يحْتَمل لَهُ مَالا يحْتَمل لغيره، ويعفي عَنهُ مَالا يعفي عَن غَيره، فَإِن الْمعْصِيَة خبث، وَالْمَاء إِذا بلغ قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث، بِخِلَاف المَاء الْقَلِيل فَإِنَّهُ يحمل ادنى خبث، وَمن هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعمر: "وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على اهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم") [٨].
والعلماء في الإخلاص والصدق وسلامة القلب درجات متفاوته، والعلماء ليسوا معصومين من الهوى الخفي العارض، بل ليسوا معصومين من سائر الذنوب بما في ذلك الكبائر، إلا المجاهر فإنه فاسق لا يؤخذ عنه العلم ولا يقبل خبره بنص قول الله تعالى ذكرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
نفى بعض أهل العلم صحة نزول هذه الآية في الوليد بن عقبة رضي الله عنه، كما ذكر ذلك ابن العربي رحمه الله تعالى في العواصم من القواصم، فالآية في خبر الفاسق وليس الثقة.
ولكنَّ كلام الثقتين المتخاصمين في بعضهما لا يُقْبل، نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولا يصح إطلاق القول بأنه يكفي في خبر الثقة أن يكون الجرحُ المفسر مقدم على التعديل المُبْهم، بل لابد من النظر في صحة الجرح المفسر.
موقف أنصار السنة
أنشئت أنصار السنة بمصر قبل الإخوان بسنتين، وكان فيها من كبار علمائها؛ الفقي وأحمد شاكر وعبد الرزاق عفيفي والوكيل رحمهم الله تعالى.
أسس أسس الفقي رحمه الله جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة ١٩٢٦م.
أسس حسن البنا رحمه الله جماعة الإخوان المسلمين سنة ١٩٢٨م.
أنصار السنة بالسودان تأثروا كثيراً بعلماء مصر في بدايات الدعوة، وذلك إما بالتتلمذ مباشرة مثل الشيخ أبو زيد محمد حمزة حفظه الله تعالى الذي تتلمذ على الفقي رحمه الله تعالى، أو عبر قراءة كتبهم ومجلة الهدي النبوي (مجلة التوحيد).
وقد كان موقف أنصار السنة من الإخوان وسطاً بين موقف المدخلي واليوسف، فكانوا يعدون جماعة الإخوان منحرفة في منهج الإصلاح والدعوة وكثير من المسائل.
وأذكر أنني كنت أسمع في بداية الثمانينات الشيخ الهدية رحمه الله يقول عن خلاف أنصار السنة مع الإخوان: "لسنا شيئاً واحداً، خلافنا معهم أصولي"، وكنت أسمع وقتها الشيخ أبوزيد رحمه الله يقول عن الإخوان المسلمين: "الفرق بيننا وبينهم فرق الليل والنهار، والبعد بيننا وبينهم بعد المشرقين".
وقيل في ميلاد شيخنا الهدية رحمه الله أنه كان عام ١٩١٢م، وأرجح أنه كان عام ١٩٠٩م، بفارق ثلاث سنوات من ميلاد حسن البنا، وقيل عن تاريخ ميلاده أنه كان قبل كل ما يظن الناس.
وقد عاصر الشيخ أبوزيد حسن البنا وتتلمذ على الشيخ الفقي واستفاد منه ومن موقفه من دعوة البنا، وقد تتلمذ الشيخ أبوزيد على الفقي رحمهما الله تعالى لمدة ١٧ سنة (من ١٩٤٢م إلى ١٩٥٩م).
وقد كان موقف مشايخنا الكبار في السودان من الإخوان سابقاً لسفيي السعودية والشام واليمن، لأن جماعة الإخوان علنية في مصر والسودان كحزب بخلاف السعودية التي يعملون فيها سراً.
ودخلت دعوة الإخوان السودان إما متزامنة مع دخولها السعودية والشام أو قبلهما، ومثل هذا استفادة علماء السعودية حول جماعة الدعوة والتبليغ من سلفيي الهند.
قال الألباني رحمه الله تعالى في إحدى أشرطة الهدى والنور: (زرت مصر فقابلت الفقي، فسألته عن الإخوان، فقال لي: الخوان؟ فاستعظمتها، وقلت له إن كنت تقصد إخوان مصر فأنت أدرى بهم، وأما إخوان سوريا فهم أهل سنة).
وأما اليمن فقد سمعتُ أن شيخنا الهدية رحمه الله تعالى هو من كتب تزكية للشيخ الوادعي رحمه الله تعالى للدراسة في المدينة المنورة.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
يوم الخميس ٢٥ شعبان ١٤٣٥هـ، ٢١ أغسطس ٢٠١٤م

المصادر

[١] الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق » السيرة الذاتية للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق.
[٢] الموقع الرسمي للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق » حوار في المنهج.
[٣] الموقع الرسمي للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق » لقاء جريدة الوطن الكويتية » اللقاء الثاني.
[٤] مجموع فتاوى ابن باز (ج٨/ص٢٤٠)، أشرف على جمعه وطبعه؛ محمد بن سعد الشويعر.
[٤] الفتاوى (ج٢٨/ص٢١٢)، دار عالم الكتب الرياض ١٩٩١م.
[٦] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج١٣/ص٩٦)، المحقق؛ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر؛ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر؛ ١٤١٦هـ/١٩٩٥م.
[٧] الموقع الرسمي لسماحة الإمام ابن باز » أُسْلوب النقد بين الدعاة والتعقيب عليه.
[٨] مفتاح دار السعادة (ج١/ص١٧٦)، الناشر؛ دار الكتب العلمية، بيروت.

هناك 4 تعليقات:

  1. ياشيخ بارك الله فيك، ماتطرقت لحال أنصار السنة الآن

    ردحذف
    الردود
    1. وفيك بارك الله، من أهداف هذا المقال تنبيه من تأثر من أنصار السنة بآراء الشيخ اليوسف أو لم ينتبه لها من أنصار السنة.

      وأنصار السنة لا تزال جماعة سلفية مع ما في بعض قياداتها المتأخرة من أخطاء ومع ما كان فيها من أخطاء سابقة تمت الإشارة إليها في المقال، والله تعالى أعلم.

      حذف
  2. غير معرف5/05/2022 10:15:00 م

    جزاك الله خيرا بحث مانع

    بس لي تعليق في مسألة

    واقعيا السلفيون ليس لهم تغطية لكل المواضيع الحادثة ،مثل الحديث عن التنوير والحداثة وما بعد الحداثة والدارونية

    ليس لهم فيها كتابات شافية كافية وهم عيال فيها على الاخوان المسلمين ، السنا نحتاج لهم فيها

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإياك، إذا صح ما ذكرت، فهو شبيه باحتياج أهل الكوفة للرواية عن القدرية، والله تعالى أعلم.

      حذف