موضوع البحث

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد ربِّ العالمين والصَّلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
مما تقرر في الفطر وأقوال العلماء أن مجرد تكرار ما كتب مستقبح، ففي هذا البحث تحقيقات واستنباطات قد لا توجد في غيره، وفيها إحداث لفظاً لا معنىً، لاقتضاء الواقع المعاصر التفصيل منعاً لاضطراب الفهم، وهو مثل إحداث "بائنٌ من خلقه" على "مستوٍ على عرشه".
واجب الدولة المسلمة هو رعاية الدين وسياسة الدنيا وفق الدين، بدلالة النصوص والإجماع وسيرة النبي ﷺ وخلفائه الراشدين الظاهرة المتواترة المعلومة التي لا يجهلها مسلم، بل لا يكاد يجهلها كافر، فكل الناس يعرفون أن النبي ﷺ أقام دولة سار على نهجها خلفاؤه الراشدون.
والكفر الأكبر هو اعتقاد عدم وجوب هذا الواجب المعلوم من الدين بالضرورة أو اعتقاد عدم صلاحيته ونحو ذلك، وليس مجرد تركه.
فالكفر الأكبر هو فصل الدين عن الدولة تديناً أو فكراً ونهجاً صالحاً واعتقاد جوازه، وليس مجرد الفصل.
ولكن لو تضمن فصل الدين عن الدولة ترك رعاية أصل الدين (الشهادتين والصلاة) فإنه يُجيز الخروج إذا تحققت القدرة وترجحت المصلحة.
تدل على ذلك النصوص، مثل؛ (يقودكم بكتاب الله)، (ما أقام فيكم كتاب الله)، (ما أقاموا الدين)، (ما أقاموا فيكم الصلاة)، (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم).
والمقصود بكتاب الله والدين في النصوص أصل واجبات الكتاب والدين؛ الشهادتان والصلاة بجمع النصوص.
والجماعة التي لم تتعاقد على حماية أصل الدين لا تسمى جماعة المسلمين وإن كان أفرادها مسلمين.
والنصوص وأقوال العلماء السابقين في تحريم الخروج على الأئمة ونقض بيعتهم ووجوب الصبر على ظلمهم ولزوم جماعة المسلمين تحت إمرتهم وإن ظهر منهم فسق؛ كلها في أئمة يرعون أصل الدين؛ الشهادتين والصلاة.
ولأن ترك رعاية أصل الدين مناقض لمقصود الولاية الإسلامية، وهو رعاية الدين وسياسة الدنيا وفق الدين.
ولأن ضرر الفسق بترك رعاية أصل الدين في الولاية أعظم من مصالح تلك الولاية، لأن مصلحة حفظ الدين مقدمة على غيرها من المصالح.
ومن رعاية أصل الدين منع ما يناقضه من السماح بإظهار الكفر الصريح وترك إقامة الجمع والجماعات، ومن ذلك؛ منع سب الدين، أو شعائره الظاهرة المتواترة، أو تحريفها، أو سب النبي ﷺ.
ومنع ما يناقض أصل عقد الولاية الإسلامية يجب أن يكون سنةً متبعة في النظام، كأن ينص عليه النظام الأساسي للبلد (الدستور).
وإقامة الشهادتين والصلاة تكون بنحو إنشاء المساجد والجامعات وتدريس الإسلام في المدراس ودعوة غير المسلمين للإسلام.
ولا تكون رعاية أصل الدين بفعل ما سبق خدمةً للمواطنين فقط، ولا بمجرد السماح بذلك، لأن من يدعم على هذا الوجه أو يسمح بذلك فقط لا يُسمى قائداً للناس بكتاب الله ولا مقيماً له ولا مقيماً للدين، ما لم تدل القرائن على أنه فعل ذلك مكراً بالكافرين كما يمكرون بالمؤمنين.
ومن يسمح بالشعائر أو يدعمها باعتبار أنها واجب وطني فقط لا علاقة له بالواجب الديني؛ لا يمنع إظهار الكفر الصريح المناقض للشهادتين، ولا يفرق بين دعم المساجد والكنائس والمعابد، ومجرد دعم المساجد والمؤسسات الإسلامية موجود حتى في دول غير مسلمة.
القول بجواز الخروج على من لا يحرس أصل الدين وإن كان مسلماً ليس مخالفاً للنصوص التي اشترطت ظهور الكفر الصريح من وجهين؛ الأول؛ أن النهي خاص بحكومات تحرس أصل الدين، والثاني؛ دلالة النصوص والإجماع على أن الفسق المتعلق بأصل الدين لا يمنع الخروج إذا توفرت القدرة وتحققت المصلحة.
فمن ترك رعاية أصل الدين لم يصح شرعاً ولا عقلاً أن تكون له بيعة على ولاية إسلامية، بل بعض هذه الحكومات بنفسها تنكر ذلك، لأنها تعتقد أن الوطنية تعني رعاية أديان المواطنين المختلفة.
فما لم تدل القرائن على أن القصد من إظهار تقديم المواطنة على الدين مجرد المكر بالكافرين فإن عدم شرعية مثل هذه الحكومات في غاية الوضوح بدلالة النصوص والإجماع والعقل، ومن المعقول ما هو يقيني كالكل أكبر من الجزء.
وتصح لمن لا يرعى أصل الدين طاعة شرعية بموجب عقد اضطراري على غير الولاية الإسلامية كالصلح، إما بسبب أن الخروج أضر أو لتضمنه غدراً.
والانقلاب غدر ما لم يكن العهد مع السلطان أصلاً على رعاية الدين فنقضه بترك رعاية أصله، وما لم يُخل بأصل عقد آخر، لأن حقيقة الغدر هي نقض العهد الذي لم تنتهِ صلاحيته بانقضاء مدته أو بغدر أحد الطرفين أو بإعلام أحدهما الآخر بنقضه عند خوف خيانته.
والنصوص حجة قبل الإجماع، ومرتبة النصوص أعلى من مرتبة الإجماع، ولا يكون في مرتبة النص من الإجماع إلا ما تقوى بقرائن تجعله في مرتبة النص، ولذا ففي البحث ذكر النصوص ودلالاتها، فإذا ثبت النص الصريح ولو كان واحداً ولم يوجد له معارض من جنسه ينسخه أو يصرفه عن ظاهره فإنَّ الواجب اتباع النص، فكيف بنصوص كثيرة يعضد بعضها بعضاً ويعضدها إجماع قطعياً كان أو ظنياً.
ولأن مسألة الخروج على السلطان المسلم الحارس لأصل الدين ولو كان ظالماً أو فاسقاً فسقاً دون ترك إقامة الصلاة في الناس لها تعلُّق بما حكاه بعض العلماء أنه كان مذهباً للسلف قديم ثم استقر الإجماع على تحريمه، فقد لزم الكلام في المسألة الأصولية؛ الإجماع بعد خلاف.
وفي البحث بيان أنه لا فرق بين الفسق الخفي والمعلن.
وفيه بيان أن التقنين العام الذي يسمى خطأً تشريعاً عاماً ليس كفراً مخرجاً من الملة.
وفيه بيان أن قتال الطائفة الممتنعة هو واجب السلطان ولا علاقة له بالخروج.
وفيه بيان أن الميثاق الوطني من أحكام الضرورات.
وفي البحث بيان أن الخروج السلمي مخالف لما دلت عليه النصوص وثبت فيه الإجماع من وجوب الصبر على ظلم الأئمة، وعدم جواز نزع يدٍ من طاعتهم، والتحذير من خلع بيعتهم.
وفي البحث بيان أن كفر الحاكم أو عدم إقامته أصل الدين لا يستلزمان جواز الخروج، وأن ضرر الخروج المسلح راجح في ظروفنا المعاصرة، وأن ضرر الثورات الجماهيريّة راجح غالباً، ومآلها النادر إلى أفضل لا يعرف بيقين ولا غالب ظن.
عمر عبداللطيف محمد نور
لينكوبنج، السويد
الجمعة 10 شعبان 1433هـ، 30 يونيو 2012م
pdf
المحتويات       دلالة النصوص على تحريم الخروج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق