موضوع البحث

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد ربِّ العالمين والصَّلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
مجرّد التكرار مستقبح بالفطرة، ولذا فإن في هذا البحث تحقيقات قد لا توجد في غيره، وفيها إحداث لفظاً لا معنىً، لاقتضاء الواقع التفصيل منعاً لاضطراب الفهم، وهو مثل إحداث "بائنٌ من خلقه" على "مستوٍ على عرشه".
يدل على أن شرعية السلاطين بإقامة أصل الدين حديث واحد هو؛ (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، فهو يدل على إقامة الشهادتين من باب أولى، وإقامتهما تستلزم منع ما يضادهما وهو الكفر البواح.
واجب الدولة المسلمة هو إقامة الدين وسياسة الدنيا، بدلالة النصوص والإجماع وسيرة النبي ﷺ والخلفاء الظاهرة المتواترة التي لا يكاد يجهلها حتى الكفار.
والكفر الأكبر هو جحد هذا الواجب المعلوم من الدين بالضرورة وليس مجرد تركه.
ما لا يشترط الاستحلال للتكفير به هو الكفر البيّن، وتشترط فيه إقامة الحجة وإزالة الشبهة إذا كان متعلقاً بمفصل الإيمان؛ العذر بالجهل ومُفصل الإيمان.
وأمّا الفصل العملي المجرد للدين عن الدولة فهو كفرٌ محتمل ما لم يكن بسبب ظاهر كعدم تمكّن النجاشي رحمه الله من الحكم في قومه وفق الدين.
فالكفر الأكبر هو استحلال فصل الدين عن الدولة تديناً أو فكراً (اعتقاد أنّه نهج صالح) وليس مجرد الفصل.
فإذا تضمن الفصل ترك إقامة الشهادتين والصلاة فإنه يُخرِج عقد الدولة مع الناس عن كونه عقداً على الإسلام ما لم تدل القرائن على أنه مجرد تمويه لاتّقاء شر داخلي أو خارجي.
بدلالة النصوص، مثل؛ (يقودكم بكتاب الله)، (ما أقام فيكم كتاب الله)، (ما أقاموا الدين)، (ما أقاموا فيكم الصلاة)، (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم).
والمقصود بكتاب الله والدين في النصوص أصل واجبات الكتاب والدين؛ الشهادتان والصلاة بجمع النصوص.
والجماعة التي لم تتعاقد على إقامة أصل الدين لا تسمى جماعة المسلمين وإن كان أفرادها مسلمين.
والنصوص وأقوال العلماء السابقين في لزوم طاعة الأئمة وتحريم نقض بيعتهم ووجوب الصبر عليهم ولزوم جماعة المسلمين تحت إمرتهم وإن ظهر منهم فسق وظلم؛ كلّها في أئمة يقيمون أصل الدين؛ الشهادتين والصلاة.
فالولاية التي لا تقيم أصل الدين ليست إسلاميّة لدلالة النصوص والإجماع.
ولأنّ ترك إقامة أصل الدين مناقض لمقصود الولاية الإسلاميّة، وهو إقامة الدين وسياسة الدنيا وفق الدين.
ولأنّ ضرر ترك إقامة أصل الدين في الولاية أعظم من مصالحها، لأنّ مصلحة حفظ الدين مقدّمة على غيرها، وهي مصلحة ضروريّة (يترتّب على فواتها ضرر).
وإقامة الشهادتين والصلاة تكون بنحو إنشاء ورعاية المساجد (إقامة الجمع والجماعات)، والمناهج، والمعاهد الإسلاميّة، والإعلام.
ولا تكون إقامتهما بمجرد السماح بالأوقاف الدينيّة ولا برعايتها خدمةً للمواطنين فقط، لأنّ من يسمح فقط أو يرعى على هذا الوجه لا يسمى بهذا قائداً للناس بكتاب الله ولا مقيماً له ولا مقيماً للدين، ما لم تدلّ القرائن على أنّه يموّه لاتّقاء شرٍّ داخلي أو خارجي.
والسماح بإقامة أصل الدين أو رعايته خدمةً للمواطنين فقط موجود حتّى في دول غير مسلمة.
ومن يسمح بالشعائر أو يدعمها بدون اعتباره واجباً دينياً؛ لا يمنع إظهار ما يناقض إقامة أصل الدين كالزندقة، ولا يفرّق بين دعم المساجد والكنائس والمعابد.
ومثل هذا الفسق يقع ممن لا يصلّي إلا نادراً.
فإن قيل؛ النصوص تشترط للخروج فعل الكفر الصريح لا السماح به، فالجواب من وجهين؛
١. أنّ هذه النصوص فيمن يقيم أصل الدين، والكلام فيما ينقض إقامة أصل الدين لا ما ينقض أصل الدين.
٢. دلالة النصوص والإجماع والعقل على أنّ الفسق بترك إقامة أصل الدين يخرج الولاية عن كونها إسلاميّة.
ومن إقامة أصل الدين منع ما يناقضها كإظهار الزندقة، وتبديل الدين، وسبّه، وسبّ شعائره الظاهرة المتواترة، وتحريفها، وسبّ النبيّ ﷺ.
ويجب أن يكون هذا سنّةً متّبعةً، كأن ينصّ عليه النظام الأساسي (الدستور).
فمن ترك إقامة أصل الدين لم يصح شرعاً ولا واقعاً ولا نظراً أن تكون له بيعة على ولاية إسلاميّة، ما لم تدل القرائن على أنه يموه بالتظاهر بتقديم عقد المواطنة على الدين.
فمن كان قاصداً تقديم عقد المواطنة ينكر بنفسه أن تكون له بيعة إسلاميّة.
فهذا أمر في غاية الوضوح.
وتصحّ لمن لا يقيم أصل الدين طاعة شرعية بموجب عقد اضطراري على غير الولاية الإسلامية كالصلح، إما بسبب أن الخروج أضر أو لتضمنه غدراً.
والانقلاب غدر ما لم يكن العهد مع رئيس البلاد أصلاً على إقامة الدين فنقضه بترك إقامة أصله، وما لم يُخل بأصل عقد آخر.
لأنّ حقيقة الغدر هي نقض عهدٍ لم تنتهِ صلاحيته بانقضاء مدّته أو بغدر المعاهد أو بإعلامه بنبذ عهده عند خوف خيانته.
ومرتبة النصوص أعلى من مرتبة الإجماع، ولا يكون في مرتبة النص من الإجماع إلا ما تقوى بقرائن، ولذا ففي البحث ذكر النصوص ودلالاتها.
فيكفي ثبوت نص واحدٍ ليس له معارض من جنسه ينسخه أو يصرفه عن ظاهره، فكيف بنصوص كثيرة يعضد بعضها بعضاً ويعضدها إجماع قطعيّاً كان أو ظنيّاً.
ولأن مسألة الخروج على رئيس البلاد المسلم ولو كان ظالماً أو فاسقاً فسقاً دون ترك إقامة الصلاة في الناس لها تعلُّق بما حكاه بعض العلماء أنه كان مذهباً للسلف قديم ثم استقر الإجماع على تحريمه، فقد لزم الكلام في المسألة الأصولية؛ الإجماع بعد خلاف.
وفي البحث بيان أنه لا فرق بين الفسق الخفي والمعلن.
وفيه بيان أن التقنين العام الذي يسمى خطأً تشريعاً عاماً ليس كفراً بيّناً.
وفيه بيان أنّ قتال الطائفة الممتنعة هو واجب رئيس البلاد ولا علاقة له بالخروج.
وفي البحث بيان أنّ الميثاق الوطني من أحكام الضرورات.
وفيه بيان أن الخروج السلمي مخالف لما ثبت بالنصوص والإجماع من وجوب الصبر على ظلم الأئمة، وتحريم نزع يدٍ من طاعتهم وخلع بيعتهم.
وفيه بيان أن كفر رئيس البلاد أو عدم إقامته أصل الدين لا يستلزمان جواز الخروج، وأنّ ضرر الخروج المسلّح راجح في ظروفنا المعاصرة.
وفي البحث بيان أنّ ضرر الثورات الجماهيرية راجح غالباً ولو كان على حكومة كافرة، ومآلها النادر إلى أفضل لا يعرف بيقين ولا غالب ظن.
عمر عبداللطيف محمد نور
لينكشوبنج، السويد
الجمعة ١٠ شعبان ١٤٣٣هـ، ٣٠ يونيو ٢٠١٢م.
pdf
المحتويات       دلالة النصوص على تحريم الخروج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق