حكم المناصرة على بلد الإقامة أو التجنس

الاغتيالات وقتل كعب بن الأشرف    المحتويات     سبب مشروعية الإرقاق

المسلم المقيم في دار الحرب والمتجنس أو صاحب الجنسية الأصلية يعد مستأمَناً، والمسلم المستأمَن هو المسلم الذي يدخل دار الحرب بإذن منهم لأجل غرض مؤقت من تجارة ونحوها أو ليقيم فيها، فيأذن له الكفار بدخول بلدهم، وهذا الإذن يعد أماناً يحرِّم عليه غدرهم والإعتداء على شئ من أموالهم أو ممتلكاتهم أو أنفسهم.
ومن الأدلة وما ذكره الفقهاء في كتبهم يمكن أن نخلص إلى أن مناصرة المستأمَنين لإخوانهم المسلمين ضد البلد المؤمِّنة سواءٌ كانت دار حرب أو عهد مع بعض الحكومات المسلمة لها صورتان:
الأولى؛ بمناصرتهم بما ليس فيه نقض للأمان، وهذه الصورة من مناصرة المسلمين المستضعفين جائزة بل قد تكون واجبة حسب القدرة والمستطاع، من ذلك الوسائل التي تسمح بها قوانين ونظم البلدة المؤمِّنة، يدخل في ذلك الشفاعة والتوسط، ومخاطبة الجهات المسؤولة في البلد المؤمِّنة، ومعارضة سياسة الدولة عبر الوسائل القانونية والمتاحة مثل وسائل الإعلام ومخاطبة البرلمانات والجهات المؤثرة والضاغطة وسائر الشعب ونحو ذلك من الأنشطة السياسية المتاحة، ويدخل في ذلك أيضاً تقديم الإغاثة للمتضررين من المسلمين، وكل الأعمال التي تسمح بها النظم والقوانين في بلد الأمان.
الثانية؛ النصرة بالقتال ضد البلد المؤمِّنة بالنفس أو بالمال أو نحو ذلك مما فيه نقض للأمان، فهذه النصرة لا تجوز إلا إذا أعلن المسلم إلغاء إقامته أو جنسيته، وإلغاء الجنسية أو الإقامة هو بمثابة إلغاء الأمان والعهد، وهو ما عبر عنه الفقهاء بقولهم: "حتى ينبذوا إليهم" بمعنى حتى يعلموهم بإلغاء ما بينهم وبين الدولة المؤمِّنة من أمان وعهد.
وتعبير النبذ إلى المعاهدين مأخوذ من قول الله عز وجل: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}. حيث ذكر الطبري رحمه الله تعالى أن معنى {فَانبِذْ إِلَيْهِمْ}: "أعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم "، وذلك إذا ظهرت منهم علامات وأمارات الغدر والخيانة لاحقاً أو سابقاً.
قال الله جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} سورة الأنفال 72، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال ديني، على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار (بينكم وبينهم ميثاق) أي: مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مروي عن ابن عباس، رضي الله عنه." [1].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمان، فسبى أهل الحرب قوماً من المسلمين؛ لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم، حتى ينبذوا إليهم، فإذا نبذوا إليهم فحذروهم وانقطع الأمان بينهم؛ كان لهم قتالهم. فأما ما كانوا في مدة الأمان فليس لهم قتالهم" [2].

المصادر

[1] تفسير ابن كثير (ج4/ص97) » [الأنفال : 73]، دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999.
[2] الأم للشافعي (ج4/ص293)، دار المعرفة، بيروت، 1410هـ/1990م.
pdf
الاغتيالات وقتل كعب بن الأشرف    المحتويات     سبب مشروعية الإرقاق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق