سبب مشروعية الإرقاق

علة الإرقاق مركبة من الكفر والحرب والمُعاملة بالمثل.
والعلة المركبة هي التي يترتب وجود الحكم على وجود جميع أجزائها، وينعدم بانعدام أحد أجزائها. 
الكفر جزء علة جواز الإرقاق، إذ لا يجوز سبي النساء والذرية من المسلمين في قتال البغي، كما كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
ولو كانت علة الإرقاق مجرد الكفر لجاز سبي الذراري والنساء من الكفار في غير الحرب.
والإرقاق جائز وليس بواجب على الأصح، فإذا دعا الكفار إلى التواثق على منع الإرقاق، فإنَّ مثل هذه المواثيق من مصلحة المسلمين، وذلك لأن المسلمين لا يرضون أن تُسبى نساؤهم وذراريهم لما في ذلك من انتهاك أعراضهم والإفضاء بالأسرى إلى الكفر لا سيما الأطفال.
والقول بأن المعاملة بالمثل هي جزء علة مشروعية الإرقاق لا ينافي أن يكون حُكم جواز الإرقاق ماضٍ إلى يوم القيامة، فلو نقض الكفار الميثاق عاد الحُكم إلى أصله.
الدليل على أن جزء العلة المركبة للإرقاق الكفر معلومة، وكذا الدليل على أن الحرب جزء العلة المركبة.
وأما الدليل على أن المعاملة بالمثل هي جزء العلة المركبة الثالث؛ فلأن الآيات والأحاديث دلت على أنَّ أحكام الحرب بما في ذلك الأسر هي من قبيل المعاملة بالمثل.
أما الآيات؛ فمن ذلك قول الله جل ثناؤه: {وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}، وقوله: {وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، وقوله: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}، وقوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}.
 وهذا لا ينافي مشروعية جهاد الطلب، وعلته كما سبق مركبة من الكفر وخوف الخيانة، وللمزيد؛ سبب مشروعية الجهاد.
وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: (لمَّا كانَ يومُ أحدٍ، أصيبَ منَ الأنصارِ أربعةٌ وستُّونَ رجلاً، ومنَ المُهاجرينَ ستَّةٌ فيهم حمزةُ، فمثَّلوا بِهم فقالتِ الأنصارُ لئن أصبنا منْهم يومًا مثلَ هذا لنربينَّ عليْهِم قالَ فلمَّا كانَ يومُ فتحِ مَكَّةَ فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، فقالَ رجلٌ لا قريشَ بعدَ اليومِ فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ كفُّوا عنِ القومِ إلاَّ أربعةً)، قال الألباني رحمه الله تعالى: حسن صحيح الإسناد [١].
وأما دليل أن الأسر من المعاملة بالمثل فما رواه مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله ﷺ، وأسر أصحاب رسول الله ﷺ رجلاً من بني عقيل وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله ﷺ وهو في الوثاق، قال: يا محمد، فأتاه فقال: ما شأنك؟ فقال بم أخذتني وبم أخذت سابقة الحاج؟ فقال إعظاماً لذلك: أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف) [٢].
فقول النبي ﷺ: (أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف) دليل على أن الأسر من قبيل المعاملة بالمثل المستثناة من عموم عدم مؤاخذة الإنسان بجريرة غيره.
ولا يُقاس القتل على الأسر ولا على الدية على العاقلة في المؤاخذة بجريرة الغير كما زعم بعض، وذلك للفارق بين الأصل والفرع.
ولكن الرق من جهة النظر إلى مصلحته للرقيق ليس عقوبة لهم، فقبول الرقيق الإسلام بعد رقهم مصلحة لهم في الدنيا والآخرة ولكونه مصيبة مثل سائر المصائب.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: (وأما إرقاق النساء والصبيان فليس عقوبة لهم بذنب غيرهم، وإنما هو عقوبة بالنسبة إلى الآباء والأمهات، وهي بالنسبة إلى النساء والصبيان مصيبة من مصائب الدنيا، كما يصابون بالأمراض والأسقام من غير إجرام) [٣].
والنصوص تدل على فضل العتق وفي بعض الكفارات عتق رقبة.
والمسلمون أفضل من عامل الرقيق، والحث على الرفق بالرقيق والإحسان إليهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون كثير في الأحاديث وكتب الفقه، وهو في القرآن في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا  وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ  إِنَّ الله لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
والله تعالى أعلم.

المصادر

[١] صحيح الترمذي (٣١٢٩).
[٢] صحيح مسلم (١٦٤١).
[٣] قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ج1/ص112)، الناشر؛ مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، ١٤١٤هـ - ١٩٩١م.
pdf 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق