الاجتهاد قد يتعيَّن

الخلل في الفتوى المشهورة       المحتويات       من أقوال العلماء في المسألة
الاجتهاد قد يتعين كما لو لم يوجد من قام به في مسألة معيَّنة، فقد يكون الاجتهاد من باب الورع الواجب، وهو ما تساوى فيه الاحتمالان أو كان أقرب إلى الوجوب، وذلك لأن ترك الاجتهاد يفتح المجال للتشكيك في حكمة الشريعة ومراعاتها للمصالح، فقد نُسبت مسائل تخالف الحكمة إلى الشريعة بتأويل، فلزم تصفية الشريعة مما أدخل فيها مما ليس منها.
وقد ورد في حديث الحلال بين والحرام بين ذكر المشتبهات وهي كل ما فيه احتمال، ثم ورد ذكر الشبهات وهي ما كان أقرب إلى الحرام أو تساوى فيه الاحتمالان كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وقد يكون الاجتهاد في مسألة معيَّنة مستحباً من باب الورع المستحب، وهو ما كان أقرب إلى عدم الوجوب إلا أن احتمال وجوبه كبير، والورع الواجب يدخل فيه فعل مقاربات الواجبات كما يدخل فيه ترك شبهات الحرام.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فأما الورع المشروع المستحب الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فهو اتقاء ما يُخاف أن يكون سبباً للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح. ويدخل في ذلك أداء الواجبات والمشتبهات التي تشبه الواجب وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام) [1].
وعندما ترك كثير من أهل العلم الاجتهاد ورعاً أو خطأً وجنحوا إلى التقليد، تجرَّأ من يُسمَّون بالمفكِّرين على الاجتهاد والرأي، وأصابوا في بعض ما ذهبوا إليه، مما أغرى بهم بعض العوام، حتى انصرفت كثير من القلوب إلى المفكرين الإسلاميين وهجرت أهل العلم، مع أن النبي صلى الله حض على الاجتهاد وجعل للمجتهد أجراً واحداً مع الخطأ ومجانبة الصواب.
وإنما أطلق على هؤلاء مفكرون لأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد، فلِمَ يدَع العلماء وطلاب العلم الاجتهاد لمن يُسمَّون بالمفكرين؟ هل هو ورع حقيقي أم هو من تلبيس الشيطان على البعض حتى يُقال له تقي ورع متواضع؟
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: (وها هنا نُكتةٌ دقيقة، وهي أن الإنسانَ قد يذُمُّ نفسهُ يين الناسِ يُريدُ بذلك أن يُرِي أَنه مُتواضعٌ عندَ نفسهِ، فيرتفعُ بذلكَ عندَهُم ويمدحُونَهُ بهِ، وهذا من دَقائقِ أبوابِ الرِّياءِ وقد نَبَّه عليهِ السلفُ الصالحُ. قال مُطَرَّفُ بنُ عبدِ الله بن الشِّخِّير: كَفى بالنفس إِطراءً أَن تَذُمَّهَا عَلَى الملأ، كأنك تُريدُ بذمِّها زينتَهَا، وذلك عند الله سَفَهٌ) [2].
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: (ترك العمل من أجل الناس رياء. والعمل من أجل الناس شرك. والإخلاص أن يعافيك الله منهما) [3].

المصادر

[1] مجموع الفتاوى (ج20/ص 138).
[2] مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي (ج1/ص88)، تحقيق؛ أبو مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني، الناشر؛ الفاروق الحديثة للطباعة، الطبعة الثانية، 1424 هـ - 2003 م.
[3] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (ج2/ص92)، تحقيق؛ محمد المعتصم بالله البغدادي، الناشر؛ دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1416 هـ - 1996م.
pdf
الخلل في الفتوى المشهورة       المحتويات       من أقوال العلماء في المسألة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق