أرضين بلا خلاف والسماوات فوق الغلاف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فقدر، وشرع وأمر، والصلاة والسلام على خير البشر، وعلى آله وصحبه وسلم.
لا معنى لتأويل ما ورد في الأدلّة من وجود سبع أرضين بطبقات الأرض، لأن معرفة الكواكب لا تزال محدودة.
قال اد ويلر بقسم علوم الفضاء بناسا: (حتى الآن وبالرغم من أننا اكتشفنا أكثر من ٣٠٠ كوكب (وراء النظام الشمسي) إلَّا أننا لم نكتشف بعد أي كواكب شبيهة بالأرض).
وذلك عندما أطلقت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) التلسكوب كبلر يوم الجمعة ٩ ربيع الأول ١٤٣٠هـ الموافق ٦ مارس ٢٠٠٩م لاستكشاف جانب من مجرة درب التبانة بحثاً عن كواكب شبيهة بالأرض.
سبب معرفة عدد ضخم من النجوم مقابل الكواكب هو أنّ النجوم مضيئة بذاتها، وأمّا الكواكب فيُحتاج في رؤيتها إلى التلسكوبات الأرضية والفضائية لتصويرها أو إلى تحليلات حسابية معقّدة للإشارات الضوئية الصادرة من النجوم البعيدة.
وقدّروا عدد المجرّات بعشرات المليارت، ففي عام ١٩٩٩م كان تقدير وكالة الفضاء الأمريكية ناسا للمجرّات ب ١٢٥ مليار مجرّة، وفي المجرّة الواحدة توجد مئات الملايين من النجوم.
فعلماء الفلك لا يعرفون من الكواكب إلا حوالي ٣٠٠ كوكباً خلف المجموعة الشمسية حسب ما سبق.
والأدلة تدل على وجود سبع أرضين كما في قول الله تعالى: ﴿الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾.
والسماوات السبع مبنية محسوسة، وهي ليست طبقات الغلاف الجوي للأرض حتى ولو كانت سبعاً.
والغلاف الجوي يطلق عليه سماءٌ تبعاً لأنّه تحت السماء الدنيا ولأنّ كلّ ما يظلّل الشيء من فوقه يسمّى سماءً لغةً.
وهذا هو معنى قول الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾.
السماوات السبع ليست هي طبقات الغلاف الجوي لأنه لا قدرة للبشر على النفوذ من خلال السماوات إلا بأمر الله تعالى، وذلك لقول الله تعالى: ﴿يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ﴾ بعد قوله: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
وأما ما روي عن عكرمة: (كل شيء في القرآن ﴿سلطان﴾ فهو حجة) [١]، فهو يدل على أن أكثر وروده بهذا المعنى في القرآن.
ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تخرجون من سلطاني وقدرتي عليكم) [٢] في قول الله تعالى: ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾.
وكل النجوم تحت السماء الدنيا ﴿وَلَقَدۡ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ﴾.
وأما الرؤية في قول الله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾، فهي رؤيةٌ بصريّةٌ لما تحويه السماء الدنيا تحتها.
فلو كان معنى النظر في هذه الآية التأمّل لكانت تعديته بحرف في.
والسماء الدنيا وما تحتها سماءٌ نسبةً إلينا، لأن المجموع سقف يظلّنا.
وهذا يشمل الكواكب والنجوم والقبّة التي تبدو زرقاء للناظر بسبب عكسها ضوء الشمس، وهي إحدى طبقات الغلاف الجويّ المبنيّ من عناصر لا ترى عادةً.
فلو قال قائل: "انظر إلى هذا البيت، كيف بناه زيد، هل ترى فيه تصدّعات؟"، فهذا لا يعني أنّ البيت كتلةٌ واحدةٌ بدون فراغاتٍ بين أجزائه، ولا أنّ الناظر يرى كلّ البيت.
فحسن بناء بعض البيت يدلّ على حسن بنائه كلّه.
والإشارة ببعضٍ إلى كلٍّ واضحةٌ في ذكر السماوات السبع، إذ لا يختلف اثنان في عدم إمكان مشاهدة ما فوق السماء الدنيا من هذه السبع.
فالسماوات في قول الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ هي السماوات السبع المعلومة بالنصوص.
وقوله ﴿تَرَى﴾ متعلّق بخلق الله الذي تحتها وليس بالسماوات ذاتها، والمناسبة هي أنّ المخلوقات المشاهدة كلّها داخل السماوات الطباق.
ومن أمثلة إطلاق الكل وإرادة الجزء قول الله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَا﴾، فالمراد ما قتل بعضنا.
فكذلك بعض ما في قول الله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢۸) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾.
فالغلاف الجوي الذي تحويه السماء الدنيا تحتها فيه ليل وضحى.
والسماء الدنيا لها سمك (قامة) رفعه الله فوقنا.
والرؤية علميّة لا بصريّة في قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾، لأنّنا لم نشهد كيف خلقت.
وقد  للبصريّة.
وقول الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا﴾ يعني أن القمر داخل محيط السماوات غير المشاهدة.
فيلزم من وجود القمر داخل محيط السماء الدنيا أنّه داخل محيط كلّ السماوات، وذلك لأنّها طباقٌ محيطٌ بعضها ببعضٍ.
ولأنّ القمر دون السماء الدنيا، فلا يوجد ما يمنع وصول البشر إليه.
والله تعالى أعلم.

مواضيع ذات صلة 

١. دوران الأرض حول محورها.
٢. نظرية الانفجار الكبير.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الجمعة ٢ جمادى الأولى ١٤٤٧هـ، ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٥م.

المصادر

١. تفسير الطبري جامع البيان (ج٢٢/‏ص٢٢٠) - ابن جرير الطبري (ت ٣١٠هـ) - ت التركي.
٢. الهداية الى بلوغ النهاية (ج١١/ص‏٧٢٢٧) - مكي بن أبي طالب (ت ٤٣٧هـ).