غزة، مقالات وتصور

رجوع إلى قسم سياسة
لا يحتاج العدو مبرراً للعدوان، ولكن بعضاً منهم قد يحتاجه ضد بعضهم، والواجب التمسك بالمقاطعة ودفع كل عدوان جديد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات

استفدت من مقال حول العدوان على غزة حرسها الله ورد عنها كيد الكائدين [١].
وقد لا أوافق الكاتب في كل قول في قضية غزة، ولكن أحسب أن مقاله فيه فوائد لما فيه من نقل عن عالم من داخل غزة تستشيره حماس وتعده مفتي غزة [١].
وكنت قد كتبت مقالات متفرقة منذ عدوان ١٤٢٩هـ - ٢٠٠٨م [٢].
ولا يشك عاقل منصف فضلاً عن مسلم في أن الحصار المضروب على غزة ظلم عظيم.
فقد استلمت حماس السلطة في غزة عبر انتخابات عامة، وعلى التسليم بأنها ديمقراطية المرة الواحدة كما يردد الأعداء، فحماس أحق بالأرض من اليهود المغتصبين.
ولا شك في مشروعية اختطاف الرهائن من حيث أصل الحكم الشرعي في حالة ظرف حماس مع المحتلين اليهود [٣].
لا سيما وأن حماس قد عاملتهم معاملة شرعية حسنة، وفيهم كبار سن من المستوطنين (كلمة مستوطن تعني أنه مغتصب وليس من اليهود الفلسطينيين).
ولا شك في وجوب دفع كل عدوان جديد، ولكن؛ هل من المصلحة السعي لفك الحصار بنحو اختطاف رهائن؟
فعندما حاصر الكفار المسلمين في المدينة في غزوة الأحزاب، حفر النبي ﷺ الخندق ولم يخرج لقتالهم.
وفي السودان كان بعض يدعو المواطنين للخروج لقتال المتمردين بسلاح أبيض، بينما الجيش نفسه لم يخرج للقتال بسبب أن آلات القنص الخفيفة للجيش كان غالبها الكلاشنكوف الذي مداه ٧٠٠ متر، وكان لدى المتمردين سلاح قنص مداه ١٥٠٠ متر.
وقد رددت على هذه الدعوة بدون إشارة واضحة لمن أرد عليهم حفاظاً على وحدة الصف الوطني في مقالات نشرتها، علماً بأنني - ولله الحمد - دعوت لجهاد المتمردين منذ يوم الطلقة الأولى (١٥ أبريل) حتى وصل عدد المقالات التي كتبتها في جهاد المتمردين ١٦٠ صفحة (وبعضها لم أضفه للمجموع) [٤].
وإطلاق القول بأن أمم الكفر لا تحتاج إلى مبرر للاعتداء على المسلمين كلمة حق توضع في غير موضعها.
فالمحتلون اليهود لا يحتاجون لمبرر للعدوان على المسلمين، ولكنهم يحتاجون لمبرر أمام أهل ملتهم الحريصين على الحياة، مثلما اتخذت أمريكا حادثة ١١ سبتمبر مبرراً للاعتداء على أفغانستان والعراق.
وأمريكا يؤثر اليهود في قراراتها من داخلها.
فمثلاً؛ أخطاء الحكومة الإسرائيليّة تسبب إطاحة ببعض أحزابهم في الانتخابات مهما كانت مدارة في الخفاء.
والمجاهد ينصح إذا أخطأ بدون تأليب الناس عليه في جهاده الصحيح، فجهاد دفع الصائل لا يشترط له شرط، بل يدفع الصائل حسب الإمكان.
ومحتل الديار دائم التآمر، فقد لا يدع الهجمات التي تصحبها الانتهاكات، فيكون دفع هجماته من جهاد دفع الصائل.
وجهاد الدفع سمّي كذلك لأنّه لدفع الهجوم المباشر، فكل جهاد هو لدفع العدوان بما في ذلك جهاد الردع وجهاد الطلب، وهما جهادا ابتداء.
فالجهاد إمّا جهاد دفع أو ابتداء، وجهاد الابتداء إمّا جهاد ردع أو جهاد طلب.
والردع لكل معتد كمحتل الديار.
ولا فائدة تذكر من تقسيم جهاد الدفع إلى دفع صائل ودفع احتلال لأنّه لا يُتصوَّر عادةً هجوم احتلال بدون انتهاكات، فتصبح محصِّلة أنواع الجهاد هي؛
١. جهاد الدفع
٢. جهاد الردع
٣. جهاد الطلب
والقدرة تنقل حكم جهاد الابتداء (الردع والطلب) من الوجوب إلى الاستحباب إذا كانت المفسدة محتمَلة إلى جانب المصلحة، وتنقله إلى الحرمة عند رجحان المفسدة كازدياد تسلّط الكفّار.
وفي أحكام الجهاد والتكفير لي كتاب فيه تأصيلات شرعية مهمة بناءً على دحض شبهات معاصرة، كتبته سنة ٢٠٠٧م ثم نقحته وزدت فيه عدة مرات [٥].

التصور

بعد نشر ما سبق في وسيلة تواصل اجتماعي سئلت عن تصور الواجب في فلسطين وما أسماه السائل بخياري المدافعة والهجرة، فأجبت بالتالي؛
التهجير والإخراج من الديار هدف أساسي للمحتل، فدعني أعدل الخيارات للتالية؛
١. الحرب
٢. الصلح الاضطراري
٣. المقاطعة
بمحاولة تصور الوضع يبدو أن الواجب هو التمسك بالمقاطعة مع دفع كل عدوان جديد بغرض المدافعة والضغط لتحقيق مكاسب كحق العودة للفلسطينيين.
وأظن أن بعض من في العقد السابع (الستينيات) من الفلسطينيين لم يروا فلسطين أبداً، صحيح؟
هذا مع توحيد الصف وإعداد العدة وامتلاك القوت والقرار.

الحرب

يبدو أن الحرب ليست خياراً، لاحتمال أن تكون الدول الإسلامية والعربية أكثر ضعفاً وتفرقاً والعدو أكثر قوة ومدداً مقارنة بزمن الحروب السابقة.
فقد فشلت معظم الحروب العربية السابقة، وأشهرها فشلاً الحرب التي عرفت بالنكبة (١٩٤٨م)، ثم النكسة (١٩٦٧م).
فبعد النكبة احتل العدو ٧٨٪ بعدما كان يسيطر على ٩٪ فقط من أراضي فلسطين.
وبعد النكسة احتل العدو كامل الأراضي الفلسطينية مع أراض عربية أخرى (الضفة الأردنية، وسينا المصرية، والجولان السورية).
انتصار مصر في العدوان الثلاثي (١٩٥٦م) للوضع السياسي دور كبير فيه (تحالفات إقليمية ودولية).
كادت حرب ١٩٧٣م أن تحقق نصراً لولا تدخل سلاح الجو الأمريكي، وقد أدت إلى هدنة مع سوريا ومصر أفضت إلى اتفاق سلام شامل مع مصر (كامبديفيد).
حدثت ما بين تلك الحروب وحتى اليوم عدة اعتداءات على دول عربية وبلدات فلسطينية، منها اجتياح لبنان سنة ١٩٨٢م.
قاوم الفلسطينيون ثم وقعت منظمة التحرير اتفاق سلام حصلت بموجبه على سلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
بسبب استلام حماس السلطة في غزة عبر انتخابات عامة حدث الحصار الظالم الذي يدعي العدو أن هدفه القضاء على حماس فقط بينما يهدف حقيقة لتهجير وقتل أكثر أهل غزة.

المقاطعة

لأنه لا يمكن لدولة أن تستقر في عزلة عن محيطها فقد سعى العدو لفك الحصار الناتج عن المقاطعة الإسلامية والعربية باتفاقات ولو جزئية مع بعض الدول منفردة مستغلاً تضرر بعضها من حربه العدوانية.
وقد تمت معاهدات شاملة وجزئية بدون رجوع للجامعة العربية ومجلس التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقاً)، وكانت هذه الدول قد تعاهدت على المقاطعة.
ولذا قاطعت الدول العربية مصر لفترة بسبب كامبديفيد.
ويقال أن العدو أرسل تجاراً لدولة في الوسط المحيط، فسيطروا على اقتصادها، فأصبحت منفساً لعزلته الاقتصادية عن محيطه.

الصلح

وقعت منظمة التحرير اتفاق سلام رفضته حماس وفصائل أخرى حصلوا بموجبه على سلطة (أشبه بالبلديات) في الضفة الغربية وقطاع غزة.
مع رفض حماس الاتفاق خاضت انتخابات غزة وفازت فيها، وذلك باعتبار حقها الأصلي كباقي الأمة الفلسطينية.
في عام ٢٠٠٢م أصدرت جامعة الدول العربية إعلان بيروت الذي تبنى مباردة السلام السعودية لتصبح مباردة عربية.
وأكد القادة العرب في ضوء انتكاسة عملية السلام التزامهم بالمقاطعة وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل.
ولا تزال إسرائيل ترفض هذه المبادرة التي وصفتها صحف إسرائيلية بأنها وصفة لتدمير إسرائيل.
أهم بنود المبادرة العربية هي؛
أ‌- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من يونيو ١٩٦٧م بما في ذلك الجولان السورية وجنوب لبنان.
ب‌- حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤.
ج- قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو ١٩٦٧م في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية [١].
وإسرائيل ترفض وتفك الحصار جزئياً وتحدث فتناً وحروباً واضطرابات في المنطقة.
وفلسطين هي خط الدفاع الأول.
والمثل يقول؛ أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

وحدة الصف

وصل النزاع بين بعض الفصائل الفلسطينية درجة فقد مقاتلين ضحية النزاع.
ومما يحمد للفلسطينيين أن المقاتلين من جميع الفصائل يتوحدون عندما يحدث عدوان كالحالي.
والشاذ لا يخرق الإجماع، فالعمالة والارتهان لا يخلو منهما مجتمع.
ولذا أدعو قادة غزة لدراسة أطروحة التشوقة [٢]، فهي قائمة على تعدد سياسي جماعي فيه محافظة على الوحدة الوطنية تحت قيادة السلطة الحاكمة.
صرف الله عنا وعن جميع المسلمين الشرور وأصلحنا وقادة بلادنا ووفق الجميع لما فيه رضاه.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس ٣ جمادى الثاني ١٤٤٦هـ، ٥ ديسمبر ٢٠٢٤م
 ٢٠٢٤م

المصادر والمراجع

[١] صوت من غزة.
[٢] المقالات التي كتبتها خلال السنوات الماضية حول الاعتداءات المتكررة على غزة حرسها الله؛
🔗 القدس والاحتلال الإسرائيلي.
🔗 التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
🔗 العلاقات العربية والقضايا الإقليمية.
🔗 عندما لا نميز بين النصر والهزمية.
🔗 العدوان على غزة، الخسائر والأرباح.
🔗 رأي في قضية غزة.
[٣] رهائن الحرب.
[٤]  ترتيب المنثور في تمرد الدقلو المأزور؛ رابط المدونة، رابط PDF للطباعة.
[٥] الموجزُ اليسير في الجهاد والتكفير؛ رابط المدونة، رابط PDF للطباعة.
[٦] الجزيرة نت » بنود مبادرة السلام العربية.
[٧] خمس رسائل إصلاحية في السياسة الشرعية؛ رابط المدونة، رابط PDF للطباعة.