تعاون أهل الأديان وشيخان عَلَمان

التعاون مع غير المسلمين في الجانب الإنساني مع التمايز العقدي هو ما كان باسم قضية إنسانية لا باسم تعاون أهل الأديان، وسبب التشاحن مخالفة الشرع، والتأمل بعد مضي زمن الفتنة أدعى للاتعاظ والتوسط.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

التعاون بلا تهاون لا يوقع التشاحن

هذا المقال لبيان عظم خطأ طريقةٍ في التعاون مع المخالفين مع التأكيد على وجوب حفظ قدر الفضلاء أحياءً كانوا أو أمواتاً.
فالخطأ الكبير من الكبير صغير.
فأهل بدر غفرت لهم كبائر ذنوبهم بحسناتهم، فكبائرهم مثل صغائر غيرهم، قاله ابن تيمية رحمه الله.
للتوضيح بمثال فإن حديث حلف الفضول لا يدل على جواز التعاون تحت شعار تعاون المسلمين والمشركين، وإنما يدل على جواز التعاون مع مشركين تحت شعار الخير المتعاون عليه، وكان حلف الفضول قبل الإسلام.
اطلعت على أشد عبارة منتقدة على وثيقة لحوار الأديان، فلم أجد فيها دعوة لوحدة الأديان، بل فيها تصريح بالتمايز العقدي.
وخطأ العبارة في الوثيقة المشار إليها هو في الدعوة للتعاون تحت شعار تعاون أهل الأديان لا شعار الجانب الإنساني المتعاون عليه.
وهو مزلق خطير، لا سيما وأن الرسالة خرجت بتوصيات عديدة منها إنشاء مراكز وعقد مؤتمرات بغرض هذا التعاون الإنساني تحت شعار حوار الأديان والتعاون بين أهلها!
فبعض هذه المراكز في دول الكفر وتحت رعاية صهيونية وماسونية مباشرة، وهي تستغل لاستدراج المسلمين بإضعاف الولاء والبراء ثم الدعوة إلى وحدة الأديان.
وهذا أمر دقيق، ولكن لابد من التنبه والتنبيه إليه دون تهويل بغرض التنفير من الخطأ ذاته فضلاً عن الاعتداء على من أخطأ بالثناء أو التوقيع.
ومع التماس العذر لمن أخطأ في توقيعٍ على وثيقة أو ثناءٍ عليها، لابد من التنبيه إلى خطورة الأمر ومكر الأعداء واستدراجهم المسلمين بما هو معلوم بدءً بإضعاف الولاء والبراء وانتهاءً بوحدة الأديان.
والمقصود ألا يتبع الناس فضلاءهم فيما أخطؤوا فيه.
قال ابن القيم رحمه الله: (من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث يقع فيه. ومن هذا قول النبي ﷺ لعمر: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم») [١].
ولكن الأمر في ذاته خطير، لأنه يخدم الماسونية والصهيونية وإن أراد به بعض خيراً.
فالجائز هو التعاون في الجانب الإنساني تحت شعار ذاك الجانب الإنساني لا تحت شعار تعاون أهل الأديان ولا شعار حوار الأديان الخداع.
قال ابن القيم رحمه الله: (ومنها: أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمراً يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره، فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، فكل من التمس المعاونة على محبوب لله تعالى مرض له، أجيب إلى ذلك كائناً من كان، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه) [٢].
والمخالفات الشرعية والإصرار عليها هي سبب التشاحن والتباغض.
قال الله تعالى: ﴿ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون﴾.

رسالة عمّان والشيخان العَلَمان

دراسة ما وقع بين الشيخين ربيع والحلبي حول رسالة عمّان بعد مضي زمن فتنتها أدعى للاتعاظ والتوسط.
من أسباب الفتن بين بعض دعاة السنة الجهل بوجوب احتمال بعض المخالفات العقدية الفرعية ممن لهم فضل في زمان غربة السنة [٣].
وفي معرفة ما دار في الساحة الدعوية بدون جدل فوائد علمية ومواعظ تربوية.
ولذا وضحت تحت هذا العنوان ما أجملته فيما سبق.
اسم وثيقة حوار الأديان (رسالة عمّان) يوحي بأن فعالياتها كانت في الأردن.
وقيل بأنها كانت بتخطيط سعودي أيام الملك عبدالله رحمه الله.
وأنه قد وقع عليها وزراء الشؤون الدينية للدول العربية.
وكان الشيخ صالح آل الشيخ وزيراً للشؤون الإسلامية السعودية.
كانت رسالة عمّان من أبرز أسباب فتنة حدثت بين الشيخين ربيع والحلبي رحمهما الله وحزبيهما (من تعصبوا لبعض آرائهما بصفة عارضة أو دائمة).
والتحزب ليس على كل شيء، فبعض الحركيين مثلاً تحزبوا على سياسة غير شرعية دون غيرها.
يقال أن المدخلي قال؛ إذا لم يكن الحلبي مبتدعاً، فلا أعرف مبتدعاً على وجه الأرض.
ولعل الخلاف بينهما بدأ سنة ٢٠١٠م.
كان الحلبي قد أثنى على رسالة عمّان في خطبة جمعة حضرها ملك الأردن.
وقد طلب منه إلقاء الخطبة قبلها بيوم أو ساعات، فقد كان خارج المملكة قبل ذلك.
كان المدخلي يقول بأن في رسالة عمّان دعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها، وهي محذورات في المآل بأمارة في الحال تحقق بعضها.
وكان الحلبي ينفي ذلك، وهو صحيح باعتبار الحال لا المآل.
أمارة المآل هي شعار التعاون، فالتعاون المشروع يكون تحت شعار الخير الذي يجوز معاونة كفار فيه لا شعار تعاون أهل الأديان.
وقد لا يكون في نصوص رسالة عمّان خطأ غير شعار التعاون.
وقد وجدت بعض الأخطاء المحذورة في شروحاتها وخطابات ومقابلات رسمية وغير رسمية ومقالات صحفية.
من حجج الحلبي وحزبه؛ تبديع من وقع على رسالة عمّان أولى من تبديع من أثنى عليها.
وادعوا أن الشيخين صالح آل الشيخ والمنيع وقعا على رسالة عمّان وأن مفتي السعودية أثنى عليها.
وسبق بيان وجوب التماس العذر للعلماء مع الحذر من زلاتهم.
كان موضوع رسالة عمّان شغلاً شاغلاً، ضيع فيه كثير من الصغار والكبار أوقاتهم.
وكنت أحاول معرفة حقيقة الخلاف، ولكني كنت أضطر للإعراض بسبب كثرة الردود الصوتية والمرئية والمكتوبة.
عرض من قد يكون من حزب المدخلي نصاً من رسالة عمّان على الشيخ عبدالمحسن العباد، فانتقده، ولم يكن دقيقاً في وجه الخطأ، لأنه جواب مباشر والأمر بحاجة لتأمل ونظر.
والمتوقع جعل المتعصبين كلام العباد هذا كالوحي المنزل.
وقد قيل بأن ما عرض على العباد هو أشد نص منتقد على رسالة عمّان، وهو؛ (أصل الديانات الإلهيّة واحد، والمسلم يؤمن بجميع الرسل، ولا يفرّق بين أحد منهم، وإنّ إنكار رسالة أي واحد منهم خروج عن الإسلام؛ مما يؤسس إيجاد قاعدة واسعة للالتقاء مع المؤمنين بالديانات الأخرى على صعد مشتركة في خدمة المجتمع الإنساني؛ دون مساس بالتميّز العقدي والاستقــلال الفكري).
كان المدخلي ينسب إلى الحلبي الدعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها رغم أن الحلبي قد تبرأ من هذا القول الكفري مرات عديدة.
وهذا حكم بلازم القول الذي قد يغفل عنه صاحبه.
وكانت للمدخلي رحمه الله قواعد باطلة في فهم كلام الناس، أرجو أن يكون قد تراجع عنها، منها؛ لا يحمل متشابه على محكم إلا في النصوص الشرعية.
وكان خطأ الحلبي رحمه الله الاستمرار في الثناء العام (دون المضامين) على أصل رسالة عمّان في عدّة مناسبات وبلدات، وتقرير أنّ الرسالة أمرٌ واقع ما له دافع، والاحتجاج بمثل؛ لماذا تتكلمون علي ولا تتكلمون على فلان وفلان.
ولا يبعد أن يكون المدخلي قد نصح فلاناً وفلاناً سراً فبينوا بياناً عاماً بدون تفصيل لدفع أضر.
وقيل بأن الحلبي سلّم في آخر أمره بأن رسالة عمّان حمالة أوجه، وأنهم يبينون الحق عند تدريسها لكونهم ملزمين بتدريسها.
وكان الحلبي قد تأثّر بأخطاء للمدخلي وفضلاء آخرين ثم اعتدل مع ملاحظات لا يسلم من مثلها أحد.
وقد تحسن في الموقف ممن فيه زلات تحتمل، ولكن مع دفاع فيه نظر عن بعض من فيهم تسَوْرُر أو طرأ عليهم وهو لا يدري.
ويبدو أن المأربي قد تسَوْرَر بعد أو قبل خلافات مع المدخلي خلافاً لما ظنه الشيخ مشهور حفظه الله [٤].
وهذا قد أثر في محبِّين للحلبي والمأربي، فقد تسَوْرَر بعضهم، كما يلاحظ عندنا في السودان [٥].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الإثنين ٢٦ محرم ١٤٤٧هـ، ٢١ يوليو ٢٠٢٥م

مصادر ومراجع