حُكم تكفير الجهمية

العذر بالجهل ومُفصل الإيمان    المحتويات    حُكم تكفير الإمامية
أطلق السلف تكفير الجهمية المحضة بأعيانهم، وأما من هم دون المحضة فالصحيح أن السلف لهم تفصيل في تكفيرهم بأعيانهم.
وفي أيام السلف كانت الحجة إما قائمة أو أظهرها الله بعد أن انتشرت بعض أقوال الجهمية، ولذا نقل عن السلف تكفير بعض أعيان الجهمية الأوائل ممن هم دون المحضة بأعيانهم.
وبسبب التفريق بين من أحدث البدعة ومن كان رأساً فيها مدافعاً عنها بالباطل من جهة وبين الأتباع الجهال ولو كانوا متعصبة من جهة أخرى، وبسبب ظهور الحجة أيام السلف؛ كان الاحتياط في عدم تكفير أعيان الجهمية دون المحضة في عهد ابن تيمية رحمه الله تعالى أكثر منه في عهد السلف.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير " الجهمية المحضة " الذين ينكرون الصفات،
وحقيقة قولهم؛ أن الله لا يتكلم ولا يرى، ولا يباين الخلق، ولا له علم، ولا قدرة، ولا سمع، ولا بصر، ولا حياة، بل القرآن مخلوق، وأهل الجنة لا يرونه كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات) [1].
إلى قوله: (وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق، فهذا كافر.
ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة.
وأول من ابتدع الرفض كان منافقاً.
وكذلك التجهم، فإن أصله زندقة ونفاق.
ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم.
ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطناً وظاهراً، لكن فيه جهل وظلم) [2].
وقال أيضاً: (ولهذا كان السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع) [3].
وقال: (ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن يكون الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم؛ أن لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر.
وأنتم عندي لا تكفرون، لأنكم جهال.
وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم) [4].
وقال أيضاً: (ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر.
ولو كانوا مرتدين عن الإسلام؛ لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع.
وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة؛ صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة.
وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين.
فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر.
أو يحمل الأمر على التفصيل، فيقال: من كفره بعينه؛ فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه؛ فلانتفاء ذلك في حقه،
هذه مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم) [5].
وقال أيضاً: (مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم.
بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس، وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله؛ بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم؛ ويدعو لهم؛ ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة.
وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان.
فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين وظلمة فاسقين) [6].

المصادر

[1] مجموع الفتاوي (ج3/ص352)، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
[2] مجموع الفتاوى (ج3/ص353)، الطبعة السابقة.
[3]  درء تعارض العقل والنقل (ج5/ص257)، تحقيق؛ الدكتور محمد رشاد سالم، الناشر؛ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1411 هـ - 1991 م.
[4] كتاب الاستغاثة في الرد على البكري (ج1/ص253)، دراسة وتحقيق؛ د. عبد الله بن دجين السهلي، أصل الكتاب؛ رسالة ماجستير - قسم الثقافة الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود، الناشر؛ مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1426 ه.
[5] مجموع الفتاوى (ج12/ص489)، الطبعة السابقة.
[6] مجموع الفتاوى (ج7/ص507-508)، الطبعة السابقة.
pdf
العذر بالجهل ومُفصل الإيمان    المحتويات   حُكم تكفير الإمامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق