أسباب الهجمات ضد المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد
يلجأ كثير من الخطباء والوعَّاظ في خطبهم لتفسير دافع أي صراع دولي أو إقليمي ضد المسلمين بدافع عقدي. ظانين أنَّ هذا المنحى أدعى لشحذ الهمم لمغالبة تسلط الكفَّار على المسلمين. ولكن الغلو لا يأتي بخير، بل إنَّ الغلو سبب الهلاك كما دلت على ذلك النصوص. فالمسلم يجب عليه مغالبة تسلُّط الكفَّار عند القدرة بغض النظر عن دوافعهم للسيطرة على بلاد المسلمين.
فسواء كانت الدوافع اقتصاديَّة أو عقديَّة أو عنصريَّة فإنَّ تسلُّطهم على المسلمين وبلادهم فيه خطر عظيم على المسلمين وعقائدهم وسلوكهم. وما حدث من استعمار للبلاد المسلمة في القريب الماضي خير دليل على ذلك. فإنَّ انتشار العلمانيَّة معتقداً يعتقده بعض المثقَّفين كان بسبب الاستعمار ودراسة هؤلاء المثقَّفين في مدارس المستعمر وفي بلاد المستعمر، وما تبع ذلك من انتشار أفكار علمانية لدى كثير من المسلمين عن طريق هؤلاء العلمانيِّين.
ومن آثار الاستعمار كذلك ما حدث من انتشار للخمور والفواحش في بلاد المسلمين بسبب تنحية الشريعة عن الحكم، واستمر الحال على ذلك حتى الآن في كثير من الأقطار الإسلاميَّة. ومن الآثار كذلك تغيُّر فهم مسألة الولاء والبراء بين غلاة ومقصِّرين في المجتمعات المسلمة. إلى غير ذلك من الأضرار الجسيمة التي حلَّت بأمة الإسلام بعد الاستعمار الحديث.
ولعلي لست بحاجة إلى ذكر الأدلَّة التي ورد فيها ذم الغلوِّ والتشدُّد لكثرتها ووضوحها، ولأنَّ كل المنتمين إلى التيارات الإسلاميَّة يعرفون هذه النصوص بما في ذلك التيارات المتشدِّدة والغالية. أكثر الإشكال إنما هو في فهم وتفسير الغلو والتساهل والوسطيَّة. وأكثر من ضلَّ عن الحق ضل عنه بجهل وتأويل خاطئ وحسن ظن بما هو عليه من خطأ وضلال، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)}. والغلو المنهي عنه عام في الأقوال والأعمال والاعتقادات. فما من مسألة إلا والناس فيها طرفان ووسط، والحق في كل مسألة وسط بين غلو وتفريط.
وأدلة الدوافع العقدية النصية والعقلية كثيرةٌ، ولكن حتى أصحاب الدوافع العقيدة يعلمون أنهم لا يستطيعون التغلب على المسلمين إلا بقوة اقتصادهم وإضعاف اقتصاد المسلمين، ولذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن دافع الأعداء هو أخذ بعض ما في أيدي المسلمين من الثروات، ففي الحديث: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما كان في أيديهم)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 106 وفي صحيح الجامع 7978.
ومن أدلة دوافع الكفار العقدية، قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}، وقوله جل ثناؤه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ومن الأدلة العقلية أن إسرائيل لا تفيد الخزينة الأمريكية شيئاً بل ترهقها بسبب المساعدات السنوية، وكثيراً ما أحرجت إسرائيل أمريكا مع المجتمع الدولي، ومع ذلك تدعم أمريكا إسرائيل بسبب اللوبيات وشرائها للذمم بالمال وسيطرتها على المال والإعلام والمرافق المهمة.
وبما أنَّ سبب كفر بعض الناس هو مجرَّ د الرضا بالحياة الدنيا وتفضيلها على الآخرة فإنَّ دوافع كثير منهم في الاستعمار أو في صراعهم مع المسلمين هو تضارب المصالح أو الطمع فيما عند المسلمين من خيرات في باطن الأرض أو في ظاهرها، قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في المقوقس ملك الإسكندرية عظيم القبط لما آثر الكفر على الإسلام: ((ضنَّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه))، فكان سبب كفره وإعراضه عن دين الله تعالى هو الخوف على ملكه من الزوال. وأسباب الكفر متنوِّعة.
وفي الحقيقة فإنَّ الإخلاص للمعتقدات والأديان يقلُّ عند كثيرٍ من أصحاب المعتقدات الباطلة عندما تظهر أسباب الهزيمة، ويتجلَّى وعد الله عز وجل لعباده ويلوح في الأفق. والمخلصون لمعتقدهم حقاً هم أصحاب المعتقد الصحيح وهم فئة من المسلمين أسلمت وجهها لله وابتغت الدار الآخرة.
وخير من يمثل أصحاب المعتقد الصحيح والإخلاص له هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلَّم الذين ضربوا أروع الأمثلة في الصدق والإخلاص والتفاني لهذا الدين الحنيف. فلم تكن لهم دوافع شهوانية شريرة لفتح البلاد مثل ما يحدث من الإمبراطوريات التي تسعى لسرقة خيرات الشعوب، والتي تلجأ لكل الأساليب من البطش والقهر والتضليل الدعائي باستخدام شعارات زائفة مثل العدالة والحرية والديمقراطية لبسط سيطرتها على العالم وسرقة خيرات الا رض من الشعوب المغلوبة على أمرها، مثَلهم في ذلك فرعون الذي ادَّعى الإصلاح ونسب الإفساد إلى موسى عليه السلام {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)}. {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)}.
وبحكمة الله وقضائه واختياره لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم فقد جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ويئس الشيطان أن يطاع في الأرض. ولما يئس الحاقدون من الكفار من القضاء على المسلمين فقد قبِلوا بما دون ذلك، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم في الحديث المشهور الذي دعا فيه ربه سبحانه: ((وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال - من بين أقطارها -، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً))
ولهذا أ كثر ما يحدث من احتلال لبلاد المسلمين لا تعقبه محاولة للقضاء على المسلمين قضاءاً كاملاً بغرض استئصال وجودهم بأنواع القتل الجماعي، إلا عند فئات قليلة من الكفار، ولكنهم يفشلون في استئصال المسلمين، وذلك لعلم من سوَّلت له نفسه ذلك ممن بالغ في العداء من الكفار باستحالة القضاء على أمة المليار.
وما يفعله أكثر المحتلين هو حرب المقاومين مع شئ من استهداف المدنيِّين ببعض أنواع القتل الجماعي لإرهابهم، وللضغط عليهم ولكسر عزيمتهم في دعم المقاومين ليستسلموا لهم. وقد يسعى المحتل لتهجير المسلمين من ديارهم كما يحدث في فلسطين. وذلك بالتضييق عليهم في أعمالهم وهدم منازلهم ومزارعهم وحصارهم ومنعهم من حياة طبيعية بالتضييق عليهم في علاجهم وسائر مقوِّمات حياتهم الأساسيَّة، هذا مع سعيهم لطمس معالم الشريعة التي تدعوا المسلمين لمغالبة الكفر وأهله.
ولو لم تكن دوافع القادة السياسيين والعسكريين عقدية، فإنهم يلجؤون إلى الدين والعقيدة لاستنفار المتدينين من قومهم ضد من يريدون غزوه عسكرياً من المسلمين وغيرهم، فقد سمعنا من بعض القادة الغربيِّين في حروب معاصرة التصريح بأنهم في حرب صليبية، وسواء اعتقدوا ذلك أم استخدموها لتأليب المتديِّنين في بلادهم، فإنَّ مثل هذه العبارات تدل دلالة واضحة على وجود مثل هذه الدوافع العقديَّة، وتدل على مدى تأثيرها في مجريات الأحداث، ولهذا سمعناهم يتحدَّثون عن تحرير المرأة في بلاد المسلمين وغير ذلك من الترُّ هات والأباطيل.
ولا تزال الصهيونية بشقَّيها اليهودية والنصرانية تشكِّل مصدراً ضاغطاً لاستصدار القرارات في الدول الغربية التي تورطت في حرب المسلمين. وهؤلاء دوافعهم دينية. فالصهاينة النصارى يعتقدون أنَّ المسيح عليه السلام لن ينزل إلا بعد هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل اليهود مكانه. وهم في الواقع صنيعة اليهود الذين دخلوا في دين النصارى فحرَّفوه. وقد دخل اليهود في كثير من الأديان فحرَّفوها. ومن ذلك دخولهم في النصرانيَّة حتى قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أشهر هؤلاء بولس الذي ادَّعى النبوَّ ة والرِّ سالة. وهو في الحقيقة يهودي كان اسمه شاؤول، وكان يضطهد أتباع المسيح عليه السلام، ثم ادَّعى دخوله في دين المسيح وادَّعى النبوَّة، وأدخل كثيراً من العقائدة المحرَّفة في دين المسيح عليه السلام.
فمن أجل هذه الخرافات التي عشعشت في عقول هؤلاء الصهاينة وغيرهم من أهل الهوس العقدي الباطل مثل خرافة نزول المسيح عقب هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، تُدار كثير من الصراعات. وقد يكون بعض هؤلاء المتديِّنين من الصهاينة وغيرهم لهم دوافع عنصريَّة. وذلك لأنَّ أسباب الكفر عديدة، فإبليس إنما كفر حسداً لآدم عليه السلام وتكبراً، وادَّعى أنه خير من آدم، ولا يزال عدواً لآدم ولذريته {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)}. وكثير من اليهود إنما كفروا حسداً لبني إسماعيل من العرب أن يكون منهم نبي {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)}، وهكذا تتعدَّد أسباب الكفر، ومصيرهم واحد وهو نار جهنم خالدين فيها أبداً والعياذ بالله.
وأي غلو في فهم طبيعة الصراع بين المسلمين وغيرهم يؤدِّي إلى الغلو في مدافعة الكفار ومغالبتهم، وبالتالي إلى فشل المقاومة وبعثرة جهودها. وأي قائد سياسي أو عسكري ميداني لا يعرف طبيعة الصراع بمختلف جوانبه العقديَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة لا يصلح أن يكون قائداً ولا زعيماً. لأنه لن ينجح في إدارة الصراع سياسياً أو ميدانياً لصالح المقاومة المسلمة. بل سيظل ينظر بعين واحدة، ومن زاوية واحدة، ولن يفعل ما تتطلبه المقاومة من عقد تحالفات ولو مع غير المسلمين في بعض الأحيان لمصلحة الإسلام والمسلمين، وغير ذلك من الأمور التي يحتاجها كل زعيم وقائد.
والرسول صلى الله عليه وسلم عقد تحالفات مع بعض الكفار، بل وحتى مع اليهود إلى أن أجلاهم بسبب نقضهم للعهود وغدرهم، وعقد صلح الحديبية مع أهل مكة. ولم يكن يقاتل في جميع الجبهات كما يفعل بعض الغلاة اليوم مقحمين أنفسهم وأهاليهم وكثير من المسلمين في المهالك. بل إنهم أوجدوا المبرِّرات والمسوِّغات لمزيد من احتلال الكفَّار لديار المسلمين وسرقة خيراتهم ودعم حلفائهم من اليهود في المنطقة. فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهو حسبناً ونعم الوكيل.
والمقاومة بالجهاد قد تكون غير ممكنة في بعض الأحيان، وقد يكون من الأفضل اللُّجوء إلى نوع آخر من أنواع المقاومة. فإنَّ الاستمرار في المقاومة عبر الجهاد مع عدم جدواها في دفع الكفار يؤدِّي إلى تكليف ما لايطاق، خاصة على المدنيَّين والأطفال والنساء. لأن المحتلِّين كثيراً ما يلجؤون إلى معاقبة المستضعفين للضغط عليهم وعلى المقاومة لحملهم على الإستسلام. أو يلجؤون إلى تدمير البنية التحتية ونحو ذلك من الأغراض القتاليَّة. وقد يكون من الأولى الإنصراف إلى أنواع أُخرى من أنواع المغالبة والمدافعة للمحتل الكافر.
لأنَّ استمرار الهزائم في معارك متتالية وما يتبعه من نقصان عدد الجنود المقاتلين ونقص العتاد، مع وقف سبل الإمداد للسلاح والمؤن يؤدِّي إلى الضعف واستمراره، وبالتالي سهولة القضاء على المقاومة، أو إنقاص فاعليتها على المدى القريب. ولهذا فالمقاوم الناجح لا يقدم على أي عمل عسكري أو معركة قبل أن يحسب نتائجها ويدرس توقُّعاتها، وما قد تُلحقه من خسائر بالعدو مقابل الخسائر التي تُلحقها بالمقاومة والمدنيين. سواء كانت الخسائر في الأرواح أو البنية التحتية والموارد الاقتصادية في الجانبين.
وليس كما يدَّعي البعض أنَّ أي معركة مهما كانت خسائرها فإنها مكسب بدعوى أنَّ فيها حفز للهمم، والحقيقة أنَّ الهزيمة لا يمكن أن تحفِّز الهمم، بل إنها توهن العزائم، وتعطي قوة معنوية للعدو، وهذا ما يصبو إليه العدو عند استهدافه للمدنيين ونحوهم. فإذا كان الوهن النفسي وضعف العزيمة القتالية قد حدث في صفوف صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عند الهزيمة في المعركة، فكيف يكون حال شعوب مسلمة وما تعيشه من مأساة بسبب استمرار مقاومة غير مدروسة النتائج ولا تدرس آحاد معاركها بسبب غلو قادتها؟ ومع ذلك فإنَّ هؤلاء القادة السياسيين منهم والعسكريين يصوِّرون تلك الشعوب وكأنَّهم ملائكة نزلوا من السماء؟ علماً بأنَّ الصحابة رضي الله عنهم هم أتقى الناس وأصدقهم، هذا مع مراس وخبرة بالحروب قبل الإسلام.
القول بترك المقاومة عبر الجهاد عند عدم القدرة هو قول الراسخين في العلم، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى (١٣٠٧هـ ١٣٧٦هـ) الموافق (١٨٨٩م – ١٩٥٦م): (وكل أحد يعرف ولا يشك أن العراق والبحرين وغيرهما من البلاد المجاورة ونحوها، من المستعمرات الإنجليزية، وأنَّهم هم الذين لهم النفوذ والحكم بها، ولكنهم يدخلون في الكفار المهادنين لما بينهم وبين المسلمين من الأمان في عدم تعدِّي أحدهما على الآخر، وارتباط التجارة كما هو معروف لكل أحد).
وقال مثل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مغالبة المحتلين من التتار لديار المسلمين. علماً بأنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية حرَّض على قتالهم عندما قويت شوكة المسلمين وصحَّ معتقدهم في خالقهم، وشارك في القتال بنفسه، حتى لا يقول قائل مفتون هذه دعاوى القاعدين عن الجهاد. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولهذا كان أهل المعرفة بالدِّين والمكاشفة لم يقاتلوا التتار الذين قدموا لغزو دمشق في تلك المرَّة لعدم القتال الشرعي الذي أمر اللهُ به ورسوله، ولما يحصل في ذلك من الشرِّ والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا) . وقد عقد صلاح الدِّين الأيّوبي رحمه اللهُ تعالى صلحاً مع الصليبيِّين لأربع سنوات قبل أن يستعدَّ لإِخراجهم.
ولكننا ابتلينا في هذا الزمان بمن يقول إنَّ جهاد الدفع فَرْض عين منذ سقوط الأندلس في يد الصليبيين، والتي سقطت قبل ثمانية قرون، مدَّعين أنه في حال احتلال الكافر الأجنبي لبلاد المسلمين لا يجوز ترك جهاد الدفع بأي حال من الأحوال وأنه لا يشترط له شرط. وكل هذه الأقوال الغالية قد رددت عليها بحمد الله تعالى في رسالة علمية بعنوان؛ الموجزُ اليسير حول شبهاتِ غلاة الجهاد والتكفير.

عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
هلسنكي، فنلندة
يوم الثلاثاء ٤ جمادى الآخرة ١٤٣١ ه الموافق ١٨ مايو ٢٠١٠ م
pdf
رجوع إلى قسم سياسة واقتصاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق