علل الأحكام ومقاصدها

سبب كيفية التقدير       المحتويات      القول بالتقدير ليس مخالفاً للإجماع

الأحكام تدور مع العلل وجوداً وعدماً وليس مع الحِكَم الخفية أو غير المنضبطة.
والمقاصد الحقيقية للحُكم هي الحِكَم، والعلة ما هي إلا لمراعاة هذه المقاصد.
وإنما عُدل عن جعل الحِكمة علة لبعض الأحكام لأنّ العلة يشترط أن تكون ظاهرة ومنضبطة.
ولذا يُشترط في العلة الاجتهادية أن تكون مناسبة، ومعنى مناسبة أن تكون متضمنة للحِكَم.
قال الإمام القرافي المالكي رحمه الله تعالى: ( قاعدة؛ الأصل اعتبار الأوصاف المشتملة على الحكم، فإذا تعذر اعتبارها: إما لعدم انضباطها أو لخفائها، أقيمت مظنتها مقامها.
فكان الأصل إناطة الأحكام بالعقل حالة وجوده، لكنه لما لم ينضبط زمانه، أقيم البلوغ مقامه لكونه مظنة له، وموجب انتقال الأملاك الرضى، ولما لم يعلم أقيم الإيجاب والقبول مقامه، والمشقة سبب الترخص بالقصر، فلما لم تنضبط أقيمت المساحة مقامها; لكونها مظنة لها ) [١].
والمتأمِّل في الحكمة من جعل الحُكم منوطاً بالعلة كالسفر والمرض في جواز الفطر في نهار رمضان يجد في ذلك كمال التشريع.
فلو قال الله عز وجل من وجد مشقة فليفطر، فإنه لا يجوز للإنسان حيئذ أن يفطر إلا بعد حصول المشقة.
فإذا حصلت المشقة فأفطر المسافر في وسط النهار أو في آخره، فإنه يجد مشقة أكثر بعد الفطر لساعة أو أكثر بسبب الهضم كما دلت على ذلك التجربة، ثم يكون عليه بعد ذلك قضاء ذلك اليوم، ولَتَكَرَّر الحال هكذا كل يوم حتى يكمل سفره، ثم عليه قضاء تلك الأيام التي أفطرها.
فدلّ هذا على كمال هذه الشريعة في مراعاتها الحِكَم والرحمة بالمكلف ورفع المشقة والحرج عنه.
ولو قال الله عز وجل؛ من ظن أنه يجد مشقّة فليفطر، لاضطرب المكلّف بسبب أن المشقة غير منضبطة بذاتها.
ولذا فالراجح في حدّ السفر الشرعي هو أنه ما كان محتملاً للمشقّة في نوعه لا في ظن المكلّف في سفره المعيّن، وبذا يحد بكل ما نقل عن السلف حسب وصف السفر (إما بمسافة أو زمن أو أحمال)، للمزيد؛ مدونتي » أحكام » حد السفر الشرعي.
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في تغيُّر الفتوى واختلافها بحسب تغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيّات والعوائد: ( هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أنَّ الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به.
فإنَّ الشريعة مبناها وأساسَها على الحكم، ومصالح العباد، في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها.
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله ) [٢].

المصادر

[١] الذخيرة للقرافي (ج٢/ص٣٦٠) - القرافي (ت ٦٨٤) - دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٤م.
[٢] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج٤/ص‏٣٣٧)،  - ابن القيم (ت ٧٥١) - ت مشهور.
pdf
سبب كيفية التقدير       المحتويات      القول بالتقدير ليس مخالفاً للإجماع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق