هذه المسألة في حكم المسكوت عنه من حيث النصوص الشرعية.
وقد قال بعض السابقين وبعض المعاصرين بتقدير الصلاة والصوم مع تمايز الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة.
ولم يستقر الخلاف في المسألة قبل عصرنا لأنها لم تشتهر بين الفقهاء السابقين.
فالمتابع لأقوال السابقين في هذه المسألة يجد أن من تحدث عنها من السابقين قليلون لعدم سماع كثيرين بحال تلك البلاد.
ولذا سمى القرافي رحمه الله هذه المسألة من نوادر الفقه.
قال القرافي رحمه الله: (مسألة من نوادر أحكام المواقيت. فتيا جاءت من بلاد البلغار من الإقليم السابع إلى بخارى يقولون فيها إنه جاءنا رمضان وطول الليل نحو ثلث ساعة إن اشتغلنا بالفطر طلع علينا الفجر) [١].
وقال ابن عرفة المالكي رحمه الله: (
وعند الشافعية يقدرون بأقرب البلاد إليهم ولا نص عندنا ولكن استظهر بعضهم الرجوع في ذلك لمذهب الشافعي كذا قرر شيخنا
) [٢].
وقال ابن عابدين رحمه الله تعالى: (
لم أر من تعرض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيه الصائم على أكل ما يقيم بنيته
) [٣].
وقد قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في مسألة إحداث قول على أقاويل السلف: (
ثم لا بد من تقييد هذه المسألة بأن يكون الخلاف فيها على قولين أو أكثر قد استقر، أما إذا لم يستقر، فلا وجه للمنع من إحداث قول آخر
) [٤].
والخلاف يُعدّ غير مستقر إذا لم تشتهر المسألة بين المجتهدين، لأنّ قول بعض مجتهدي العصر لا يُعدُّ إجماعاً.
وليس في القول بالتقدير مخالفة للإجماع لوجود من قال بمثله من الفقهاء كالغزّالي رحمه الله الذي نص على تقدير الصلاة والصوم مع تمايز الليل والنهار خلال أربعٍ وعشرين ساعة، انظر مبحث؛ من أقوال العلماء في المسألة.
ومنع إحداث الأقوال بإطلاق خلاف منهج السلف، فهو خلاف ما جرى عليه الأئمة الأوائل قبل استقرار الخلاف في كثير من المسائل، وخلاف ما جرى عليه من بعدهم في مثلها.
فالفقهاء لا زالوا يحدثون أقوالاً في مثلها، من ذلك ما أفتى به فقهاء بخارى وغيرهم في المسألة قديماً وحديثاً.
وأما قول الإمام أحمد رحمه الله: (
إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام
) فهو ليس على إطلاقه كما نص على ذلك ابن القيم رحمه الله.
فهو في المسائل التي لا يصح فيها اجتهاد اللاحقين كالتي استقر فيها الخلاف، أو لعدم أهلية المتكلم فيها، أو كان قوله المحدث فيها رافعاً لما اتّفقت الأقوال السابقة عليه.
وأَمَّا الإحداث بهذه الشروط أو القول بمقتضى نص لا يُعلم قائل به فلا يخالف الإجماع، فالنص حجة بذاته.
فلا بد أن يُوجد من قال بمقتضى النص، فمجرد رواية النص تدلُّ على وجود قائل به وإن لم يُعلم، أقل عددهم رواة الحديث، ما لم يُعلم للنص ناسخ أو مخصّص أو مقيّد من النصوص أو من دلالة الإجماع المنصوص عليه على ترك العمل بالنص.
وعدم العلم ليس علماً (يقيناً) بالعدم، فلا يصحّ أن يقال لو وجد قائل بالمسألة لعلمناه ما دام في المسألة نص، لأنّ النص ولو كان ظنياً مقدّم على الإجماع الظني ما لم يتقوَ إلى درجة النص.
والنص صريح في وجوب ترك العلامات في اليوم الأول من أيام الدجال مع وجودها، فالتعليل بانعدام العلامة بعيدٌ.
وللمزيد حول معارضة النص بالإجماع المتوهم أرجو الرجوع إلى؛ مدونتي » قواعد وأصول » الاتِّباع في دليل الإجماع.
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى (وقال الإمام أحمد لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
والحق التفصيل، فإن كان في المسألة نص من كتاب الله أو سنة عن رسول الله ﷺ أو أثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيها.
وإن لم يكن فيها نص ولا أثر فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيها.
وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد، وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم، لا سيما إن كان السائل يتفقه بذلك ويعتبر بها نظائرها، ويفرع عليها، فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى، والله أعلم) [٥].
والحق التفصيل، فإن كان في المسألة نص من كتاب الله أو سنة عن رسول الله ﷺ أو أثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيها.
وإن لم يكن فيها نص ولا أثر فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيها.
وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد، وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم، لا سيما إن كان السائل يتفقه بذلك ويعتبر بها نظائرها، ويفرع عليها، فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى، والله أعلم) [٥].
وقد نصّ الأصوليون على أنّ إحداث قول زائد على أقوال السلف إنما يكون مخالفاً للإجماع إذا كان رافعاً لما اتفقت عليه أقوالهم، فكيف لو كان مع ذلك متفقاً مع قول بعضهم، ومتفقاً قبل ذلك مع دلالة النص الصريحة المؤيدة بأقوال السابقين وما ذكروه من قواعد وأصول؟
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في مسألة إحداث قول زائد على قولي السابقين: (
القول الثالث: أن ذلك القول الحادث بعد القولين إن لزم منه رفعهما لم يجز إحداثه وإلا جاز.
وروي هذا التفصيل عن الشافعي، واختاره المتأخرون من أصحابه، ورجحه جماعة من الأصوليين منهم ابن الحاج.
واستدلوا له بأن القول الحادث الرافع للقولين مخالف لما وقع الإجماع عليه، والقول الحادث الذي لم يرفع القولين غير مخالف لهما، بل موافق لكل واحد منهما من بعض الوجوه.
ومثل الاختلاف على قولين: الاختلاف على ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك; فإنه يأتي في القول الزائد على الأقوال التي اختلفوا فيها ما يأتي في القول الثالث من الخلاف.
ثم لا بد من تقييد هذه المسألة بأن يكون الخلاف فيها على قولين أو أكثر قد استقر، أما إذا لم يستقر، فلا وجه للمنع من إحداث قول آخر. ) [٦].
وروي هذا التفصيل عن الشافعي، واختاره المتأخرون من أصحابه، ورجحه جماعة من الأصوليين منهم ابن الحاج.
واستدلوا له بأن القول الحادث الرافع للقولين مخالف لما وقع الإجماع عليه، والقول الحادث الذي لم يرفع القولين غير مخالف لهما، بل موافق لكل واحد منهما من بعض الوجوه.
ومثل الاختلاف على قولين: الاختلاف على ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك; فإنه يأتي في القول الزائد على الأقوال التي اختلفوا فيها ما يأتي في القول الثالث من الخلاف.
ثم لا بد من تقييد هذه المسألة بأن يكون الخلاف فيها على قولين أو أكثر قد استقر، أما إذا لم يستقر، فلا وجه للمنع من إحداث قول آخر. ) [٦].
وصل المسلمون إلى كازخستان منذ القرن الحادي عشر الميلادي، وهي تقع ما بين خطي عرض ٤٣° ش و ٥٥° ش، فبعضها من بلاد تطرّف الأوقات (بعد خط عرض ٤٨° ش).
فهل تعد فتوى التقدير بهذا مخالفة للإجماع؟
الجواب؛ أنَّ الإجماع هو إجماع كل المجتهدين في عصر، فإجماع أهل بلدة ليس إجماعاً.
هذا إضافة إلى أنّ أكثر المسلمين في كازخستان ظلوا يعيشون حياة البداوة مما يرجِّح أنه لم يوجد بينهم علماء.
ولا أعرف كيف يصوم ويصلي المسلمون في تلك الأجزاء التي تقع فوق خط عرض ٤٨° ش من بلاد كازخستان.
وقد نص ابن تيمية رحمه الله على أنَّ القول بأن إجماع أهل بلدة من البلاد يعدّ إجماعاً لم يقل به عالم من العلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أنَّ إجماع أهل مدينة من المدائن حجَّة يجب اتباعها غير المدينة، لا في تلك الأعصار ولا فيما بعدها، لا إجماع أهل مكة، ولا الشام، ولا العراق، ولا غير ذلك من أمصار المسلمين.
ومن حكى عن أبي حنيفة أو أحمد أو أحد من أصحابه أنَّ إجماع أهل الكوفة حجَّة يجب اتباعها على كل مسلم فقد غلط على أبي حنيفة وأصحابه في ذلك.
وأما المدينة فقد تكلَّم الناس في إجماع أهلها، واشتهر عن مالك وأصحابه أنَّ إجماع أهلها حجة، وإن كان بقية الأئمة ينازعون في ذلك.
والكلام إنَّما هو في إجماعهم في تلك الأعصار المفضلة، وأما بعد ذلك فقد اتفق الناس على أنَّ إجماع أهلها ليس بحجة، إذ كان في غيرها من العلماء ما لم يكن فيها، لا سيما من حين ظهر فيها الرفض ) [٧].
ومن حكى عن أبي حنيفة أو أحمد أو أحد من أصحابه أنَّ إجماع أهل الكوفة حجَّة يجب اتباعها على كل مسلم فقد غلط على أبي حنيفة وأصحابه في ذلك.
وأما المدينة فقد تكلَّم الناس في إجماع أهلها، واشتهر عن مالك وأصحابه أنَّ إجماع أهلها حجة، وإن كان بقية الأئمة ينازعون في ذلك.
والكلام إنَّما هو في إجماعهم في تلك الأعصار المفضلة، وأما بعد ذلك فقد اتفق الناس على أنَّ إجماع أهلها ليس بحجة، إذ كان في غيرها من العلماء ما لم يكن فيها، لا سيما من حين ظهر فيها الرفض ) [٧].
المصادر
[١] اليواقيت في أحكام المواقيت (ص ١٢١)، نقلاً من؛ مجلة مجمع الفقه الإسلامي (ج٣/ص١٢٠٤) - مجموعة من المؤلفين..
[٢] الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (ج١/ص١٧٩) - محمد بن أحمد الدسوقي (ت ١٢٣٠).
[٣] حاشية ابن عابدين = رد المحتار (ج١/ص٣٦٦) - ابن عابدين (ت ١٢٥٢) - ط الحلبي.
[٤] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (ج١/ص٢٢٩) - الشوكاني (ت ١٢٥٠).
[٥] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج٦/ص١٤١) - ابن القيم .(ت ٧٥١) - ت مشهور.
[٦] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (ج١/ص٢٢٩) - الشوكاني (ت ١٢٥٠).
[٧] مجموع الفتاوى (ج٢٠/ص٢٩٩ - ٣٠٠) - ابن تيمية (ت ٧٢٨).
[٢] الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (ج١/ص١٧٩) - محمد بن أحمد الدسوقي (ت ١٢٣٠).
[٣] حاشية ابن عابدين = رد المحتار (ج١/ص٣٦٦) - ابن عابدين (ت ١٢٥٢) - ط الحلبي.
[٤] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (ج١/ص٢٢٩) - الشوكاني (ت ١٢٥٠).
[٥] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج٦/ص١٤١) - ابن القيم .(ت ٧٥١) - ت مشهور.
[٦] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (ج١/ص٢٢٩) - الشوكاني (ت ١٢٥٠).
[٧] مجموع الفتاوى (ج٢٠/ص٢٩٩ - ٣٠٠) - ابن تيمية (ت ٧٢٨).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق