المرابحة والتأمين

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم/ عمر عبد اللطيف المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، أخي الكريم نفع الله بعلمكم وجعله في ميزان حسناتكم.
أخي الكريم لدي بعض الأسئلة أرجو شاكرا بإفادتنا عن الصواب.
أولاً: ما حكم الدين في شراء عربة عن طريق البنك، علماً أن البنك لا يملك العربة، وعليك تحديد العربة ثم يقوم البنك بشراءها ثم يبيعها لك بأقساط فيها أرباحه؟
ثانياً: أنا أعمل بشركة وتقدم لي الشركة التأمين الصحي فما حكم التأمين الصحي وحكم التأمين عموما كالتأمين على العربة والتأمين على المصنع و..... الخ.
وجزاكم الله عنا كل خير
أخوكم/ ……………………………………..

الأخ الكريم/ ………………. حفظه الله ورعاه
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً؛ أعتذر عن التأخير، والسبب إضافة إلى المشغوليات هو أنني أردت أن أكتب بشئ من الشرح، خاصَّة وأن المسألة الأولى فيها خلاف بين العلماء، وقد يحتاج السائل إلى مزيد شرح ليطمئن قلبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك).
وأما في هذه الإجابة المختصرة فأرجو أن تركز على شرط الخيار وعلاقته بالحيل الشرعية، لأن مدار الخلاف في هذه المسألة عليه، وأرجو التركيز على فهم الحيلة المحرمة عند انعدام هذا الشرط.
الإجابة على أولاً هي أن هذه المسألة قد اختلف فيها العلماء، فذهب الأكثر إلى جوازها بشرط الخيار، وشرط الخيار يعني أنه لا يجوز للبنك إلزام المشتري بالشراء بعد شراء البنك السلعة من الطرف الثالث وقبل توقيع العقد مع الطرف الأول وإكمال البيع له وافتراقهما.
ثمة شروط عامة في البيوع مثل الملكية عند الجميع والحيازة عند كثير من العلماء، والحيازة في العقار تكون بتسجيله باسم المُشتري بعد شرائه وتملكه، وفي المنقولات تكون بنقله إلى مستودعات المُشتري.
ومن الشروط المهمة فيما يعرف الآن ببيع التقسيط، وهو داخل فيما يعرف عند الفقهاء ببيع الأجل وبيع المرابحة، شرطان؛ الأول؛ معلومية الأجل، ولا بأس بتجزئة الأجل بحيث يدفع المشتري في نهاية كل مدة مبلغاً معيناً كما هو معروف الآن في بيع التقسيط. الثاني؛ معلومية الزيادة، ولا فرق بين تحديد الزيادة برقم أو نسبة من السعر الأساسي للسلعة، لأن النسبة من رقم معين هي رقم محدد.
فالأهم في هذه المسألة هو شرط الخيار، والسبب في أهمية شرط الخيار هنا، المنع من التحايل على الربا بحيلة محرمة، فشرط الخيار إذا تحقق ينقل الحيلة من كونها حيلة محرمة إلى حيلة شرعية، كما نص على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى.
وشرح ذلك هو؛ أن المسلم لو اقترض من جهة ما بنكاً كانت أو غيره نقوداً بنقود إلى أجل مع الزيادة، فهذا من الربا المحرم بالإجماع لكونه من ربا القروض، والأصح أنه من ربا البيوع أيضاً لصحة قياس الأثمان على الذهب والفضة.
فإذا لم يوجد شرط الخيار هنا، فكأنما تكون قد أخذت نقوداً من البنك واشتريت من الجهة الثالثة البيت ثم دفعت النوقد بالتقسيط للبنك، فتكون حيلة محرمة، لأن البنك دخل هنا فقط للتحايل على الربا، فما الفرق بين أن تقترض النقود بنفسك من البنك بنقود بزيادة إلى أجل ثم تشتري السلعة من جهة ثالثة وبين أن تقول للبنك اشتري لي تلك السلعة وسأشتريها منك؟ على افتراض عدم الخيار.
وأما إذا كان المشتري بالخيار، فهذه حيلة شرعية، لأن البنك أصبح مثل الشخص الثالث الذي يملك السلعة ويبيعها إلى أجل بزيادة معلومة وإذا كانت المعاملة بين البائع والمشتري دون وجود طرف ثالث، والزيادة في السعر بسبب الأجل لا إشكال فيها.
والحكمة واضحة إذا تحقق هذا الشرط، فبهذا يصير الأغنياء كالبنوك منتجون حقيقيون يسهمون في تنمية اقتصادية حقيقية بتصنيع أو نقل أو تنقيب ونحوه.
والحيلة المحرمة هي التحايل على محرم بطريقة لا تخرجه من كونه محرماً، مثل ما فعل أصحاب السبت الذين نهوا عن الصيد فيه، فوضعوا شباكهم يوم الجمعة وحملوها يوم الأحد.
لو تحقق شرط الخيار فالجواز واضح ولا أشكال فيه، ولكن هذا الخيار الغالب فيه أنه لا يتحقق واقعاً في الممولين الذي يتعاملون بالصرف فقط كالبنوك، هذا مع كونه ممكناً نظراً وواقعاً إذا كان القائمون على البنك ممن يتورعون عن الحرام، فكما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ما معناه؛ لو تراجع المشتري عن الشراء بعد شراء البنك السلعة، فسوف تسجل نقطة سوداء عليه، وسيمتنع البنك عن التعامل معه مستقبلاً.
وبما أن الغالب عدم التزام البنوك بشرط الخيار، فيظهر أن هذا النوع من المعاملات يكون من المحرم لغيره إذا كان الممول مصرفاً ونحوه ممن يتعامل بالصرف والنقود فقط، وأما إذا لم يوجد شرط الخيار، فهذه الصورة أشد إثماً من الربا الواضح، لكونها من الربا المحرم إضافة لما فيها من تحايل على الحرام، ففيها إثم الربا وإثم التحايل على الحرام، نص على ذلك الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى.
فهذه الصورة أولى برأيي بالمنع من ربا الفضل، لأنها تقود إلى الربا المحرَّم بأكثر من ربا الفضل، إضافة إلى أنها تقود للتحايل على الربا، والواقع خير شاهد على ذلك، وربا الفضل محرم بالإجماع، وهو محرم لغيره عند شيخ الإسلام ابن تيمية سداً للذريعة، لأنه يؤدي إلى ربا النسيئة.
فإن لم يكن بد من هذه المعاملة، فبناءاً على فتوى ابن القيم رحمه الله تعالى وعدد من العلماء المعاصرين، مع تعديلات لفتاوى المعاصرين، فالطريقة الأمثل هي ألا يكون الوسيط مصرفاً أو بنكاً، يعني جهة لا تتاجر في الأثمان (العملات والنقود)، كمعارض السيارات،  فيطلب من يريد الشراء من الوسيط أن يشتري السيارة حالاً، وذلك بغرض أن يشتريها هو من الوسيط بالأقساط.
ولكن يُشترط ألا يشتري الزبون من الوسيط قبل أن يشتريها الوسيط ويحوزها بنقلها أو تسجيلها باسمه، ويُشترط كذلك ألا يوقع الزبون عقداً مع الوسيط يُلزمه بالشراء، وللوسيط أن يُلزمه بإحضار أوراق تثبت أنه قادر على سداد الأقساط من غير ضمان شرائها، وللوسيط بيعها بزيادة بسبب تأجيل الدفع.
فيجوز التحقق من قدرة المشتري على السداد لتقليل المخاطرة من غير ضمان، واشتراط ألا يكون الوسيط ممن يتاجر في الأثمان هو بغرض سد جميع ذرائع الربا.

حُكم التأمين

وأما الإجابة على السؤال الثاني؛ فإذا كانت الشركة تقدم لك التأمين الصحي بدون مقابل، فالذي يظهر لي أن هذا جائز، لأنه يدخل في الإحسان إلى الموظفين والعمال بتقديم خدمات إضافية لهم. وأما إذا كان التأمين مقابل عملك كما لو كانت الشركة لا تعطيك راتباً على عملك وتتعهد لك بتأمين مقابل عملك، أو كان التأمين مقابل العمل مع راتب شهري، فهذا لا يجوز سواء كان التأمين صحياً أو غيره، لأنه يدخل في التأمين التجاري الذي ذهب العلماء المعاصرون والمجامع الفقهية المعاصرة إلى تحريمه. وإذا التزم الناس بالتأمين التعاوني كبديل شرعي للتأمين التجاري المحرَّم لكان خيراً لهم في الدنيا والآخرة.
والسبب في تحريم التأمين التجاري هو ما فيه من جهالة وغرر، والمعلومية في المبيع من الشروط التي أجمع عليها العلماء. والجهالة هي أحد أسباب تحريم البيع، وبسبب الجهالة والغرر يصبح التأمين التجاري من الميسر مثل بيع الحصاة الوارد في صحيح مسلم (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر).
والغرر والجهالة بينهما عموم وخصوص، فكل غرر جهالة وليس العكس. فلو كتم البائع عيب السلعة فهذا غرر، لأنه يكون قد غرر بصاحبه وخدعه، وهو أيضاً جهالة، لأن صاحبه جهل عيب السلعة. فالميسر فيه غرر بحيث يغرر أحد المتعاقدين بصاحبه أو يغرِّر كل واحد منهما بالآخر، فلا يدري كل منهما من الخاسر ومن الرابح.
بيع الحصاة الذي هو من الميسر، والذي حُرِّم لما فيه من جهالة، صورته؛ أن تدفع مثلاً لشخص مائة جنيه ثم تغمض عينيك، وترمي الحصاة في اتجاه عدد من السلع، بعضها رخيص بقيمة جنيه مثلاً، وبعضها غالي بقيمة ألف جنيه مثلاً، ثم تأخذ السلعة التي سقطت عليها الحصاة مهما كان سعرها.
والجهالة والغرر في التأمين التجاري هي مثل الجهالة والغرر في الميسر، وبهذا يكون التأمين التجاري من الميسر المحرم. وذلك لأنك تدفع مبالغ العادة شهرية للجهة المؤمِّنة، ولا تدري هل ستدفع لك تلك الجهة أم لا، لأن حدوث الضرر غير معروف، إضافة إلى جهالة مقدار المبلغ المطلوب للتعويض، وجهالة وقت حدوث الضرر. ولا يُدرى من المتضرِّر والمستفيد الشركة المؤمِّنة أم المؤمَّن في كل معاملة فتصير من الغرر المحرَّم.
ولأن التأمين التجاري الموجود الآن قد يدخل في الربا لأنه قد يكون بيع ربوي بربوي إلى أجل بزيادة، وتظهر هذه الصورة فيما إذا كان مبلغ التعويض عن الضرر أكثر من المبلغ المدفوع لشركة التأمين. وأما إذا كان التعويض بأقل من المبلغ المدفوع للشركة المؤمِّنة، فهو محرم كذلك لانعدام شرط التقابض والمثلية في بيع ربوي بجنسه، وأما إذا كان التعويض مساوِ للمبلغ المدفوع للشركة المومِّنة فهو محرَّم كذلك لانعدام شرط التقابض، والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
pdf
الرجوع إلى قسم سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق