بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم شراء عربة عن طريق البنك، علماً أن البنك لا يملك العربة، وعليك تحديد العربة ثم يقوم البنك بشرائها ثم يبيعها لك بأقساط فيها أرباحه؟
وأنا أعمل بشركة وتقدم لي الشركة التأمين الصحي فما حكم التأمين الصحي وحكم التأمين عموما كالتأمين على العربة والتأمين على المصنع و..... الخ.
وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب؛ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وجزاكم الله عنا كل خير.
الجواب؛ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المسألة الأولى فيها خلاف بين العلماء، ولذا أجيب بشيء من التفصيل ليطمئن قلبك، وذلك لقول النبي ﷺ: (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك).
وأرجو أن تركز في هذا الجواب المختصر على شرط الخيار وعلاقته بالحيل المحرمة والشرعيّة، لأن مدار الخلاف عليه.
ذهب أكثر العلماء إلى جواز هذه المعاملة بشروط أهمها شرط الخيار، بمعنى أنه لا يجوز للمول إلزام المشتري بالشراء بعد شرائه السلعة من الطرف الثالث قبل إكمال البيع وافتراقهما.
ثمة شروط عامة في البيوع مثل الملكية عند الجميع والحيازة عند كثير من العلماء، والحيازة في العقار تكون بتسجيله باسم المشتري، وبنقله إلى مستودعاته في المنقولات.
ومن الشروط المهمة في ببيع التقسيط والأجل شرطان؛ الأول؛ معلومية الأجل، ولا بأس بتجزئة السداد بمبالغ ومدد (التقسيط). الثاني؛ معلومية الزيادة، ولا فرق بين تحديد الزيادة برقم أو نسبة من السعر الأساسي المعلوم للسلعة.
السبب في أهمية شرط الخيار هنا، المنع من التحايل على الربا بحيلة محرمة، فشرط الخيار إذا تحقق ينقل الحيلة من كونها حيلة محرمة إلى حيلة شرعية، كما نص على ذلك ابن القيم رحمه الله.
وشرح ذلك هو؛ أن المسلم لو اقترض من جهة ما بنكاً كانت أو غيره نقوداً بنقود إلى أجل مع الزيادة، فهذا من الربا المحرم بالإجماع لكونه من ربا القروض.
فإذا لم يوجد شرط الخيار هنا، فكأنما تكون قد أخذت نقوداً من الممول ثم اشتريت السلعة من الجهة الثالثة، ثم دفعت النقود بالتقسيط للممول، فتكون حيلة محرمة، لأن الممول دخل هنا فقط للتحايل على الربا.
فما الفرق بين أن تقترض النقود بنفسك من الممول بنقود بزيادة إلى أجل ثم تشتري السلعة من جهة ثالثة وبين أن تقول للممول اشتري لي تلك السلعة وسأشتريها منك؟ على افتراض عدم الخيار.
وأما إذا كان المشتري بالخيار، فهذه حيلة شرعية، لأن الممول أصبح مثل الشخص الثالث الذي يملك السلعة ويبيعها إلى أجل بزيادة معلومة.
فإذا كانت المعاملة بين البائع والمشتري دون وجود طرف ثالث، فالزيادة في السعر بسبب الأجل لا إشكال فيها بالاتفاق.
وإذا تحقق هذا الشرط يصير الأغنياء كالبنوك منتجون حقيقيون يسهمون في تنمية اقتصادية حقيقية بتصنيع أو نقل أو تنقيب ونحوه.
والحيلة المحرمة هي التحايل على محرم بطريقة لا تخرجه من كونه محرماً، مثل ما فعل أصحاب السبت الذين نهوا عن الصيد فيه، فوضعوا شباكهم يوم الجمعة وحملوها يوم الأحد.
لو تحقق شرط الخيار فالجواز واضح ولا أشكال فيه، ولكن هذا الخيار الغالب فيه أنه لا يتحقق واقعاً في الممولين الذي يتعاملون بالصرف فقط كالبنوك.
هذا مع كونه ممكناً نظراً وواقعاً إذا كان القائمون على البنك ممن يتورعون عن الحرام.
فكما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما معناه؛ لو تراجع المشتري عن الشراء بعد شراء البنك السلعة، فسوف تسجل نقطة سوداء عليه، وسيمتنع البنك عن التعامل معه مستقبلاً.
فالتراجع بعد شراء الممول غير مقبول أدبياً بسبب تعريض الممول للمخاطرة التي يخافها المرابون ولو قلت.
وبما أن الغالب عدم التزام البنوك بشرط الخيار، فيظهر أن هذا النوع من المعاملات يكون من المحرم لغيره إذا كان الممول مصرفاً ونحوه ممن يتعامل بالصرف والنقود فقط.
وأما إذا لم يوجد شرط الخيار، فهذه الصورة أشد إثماً من الربا الواضح، لكونها من الربا المحرم إضافة لما فيها من تحايل على الحرام، ففيها إثم الربا وإثم التحايل على الحرام، نص على ذلك الشيخ العثيمين رحمه الله.
فهذه الصورة أولى بالمنع من ربا الفضل، لأنها تقود إلى الربا المحرّم بأكثر من ربا الفضل، إضافة إلى أنها تقود للتحايل على الربا، والواقع خير شاهد على ذلك.
وربا الفضل محرم بالإجماع، وهو محرم لغيره لأنه يؤدي إلى ربا القروض في أصناف الربا فيها أشد حرمة من غيرها.
فإن لم يكن بد من هذه المعاملة، فبناءً على فتوى ابن القيم رحمه الله، فالطريقة الأمثل هي ألا يكون الوسيط مصرفاً، يعني جهة لا تتاجر في الأثمان (العملات والنقود)، كمعارض السيارات، فيطلب من يريد الشراء من الوسيط أن يشتري السيارة حالاً، وذلك بغرض أن يشتريها هو من الوسيط بالأقساط.
ويشترط ألا يشتري الزبون من الوسيط قبل أن يشتريها الوسيط ويحوزها بنقلها أو تسجيلها باسمه، ويشترط ألا يوقع عقد بين الطرفين يلزم بالشراء قبل حيازة الوسيط السلعة.
وللوسيط أن يلزم المشتري بما يضمن سداد الأقساط والقدرة على ذلك، وله بيعها بزيادة بسبب تأجيل الدفع.
واشتراط ألا يكون الوسيط ممن يتاجر في الأثمان هو بغرض سد جميع ذرائع الربا.
والله تعالى أعلم.
حُكم التأمين
وأما الإجابة على السؤال الثاني؛ فإذا كانت الشركة تقدم لك التأمين الصحي بدون
مقابل، فالذي يظهر لي أن هذا جائز، لأنه يدخل في الإحسان إلى الموظفين والعمال
بتقديم خدمات إضافية لهم. وأما إذا كان التأمين مقابل عملك كما لو كانت الشركة
لا تعطيك راتباً على عملك وتتعهد لك بتأمين مقابل عملك، أو كان التأمين مقابل
العمل مع راتب شهري، فهذا لا يجوز سواء كان التأمين صحياً أو غيره، لأنه يدخل
في التأمين التجاري الذي ذهب العلماء المعاصرون والمجامع الفقهية المعاصرة إلى
تحريمه. وإذا التزم الناس بالتأمين التعاوني كبديل شرعي للتأمين التجاري
المحرَّم لكان خيراً لهم في الدنيا والآخرة.
والسبب في تحريم التأمين التجاري هو ما فيه من جهالة وغرر، والمعلومية في
المبيع من الشروط التي أجمع عليها العلماء. والجهالة هي أحد أسباب تحريم البيع،
وبسبب الجهالة والغرر يصبح التأمين التجاري من الميسر مثل بيع الحصاة الوارد في
صحيح مسلم (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع
الحصاة وعن بيع الغرر).
والغرر والجهالة بينهما عموم وخصوص، فكل غرر جهالة وليس العكس. فلو كتم البائع
عيب السلعة فهذا غرر، لأنه يكون قد غرر بصاحبه وخدعه، وهو أيضاً جهالة، لأن
صاحبه جهل عيب السلعة. فالميسر فيه غرر بحيث يغرر أحد المتعاقدين بصاحبه أو
يغرِّر كل واحد منهما بالآخر، فلا يدري كل منهما من الخاسر ومن الرابح.
بيع الحصاة الذي هو من الميسر، والذي حُرِّم لما فيه من جهالة، صورته؛ أن تدفع
مثلاً لشخص مائة جنيه ثم تغمض عينيك، وترمي الحصاة في اتجاه عدد من السلع،
بعضها رخيص بقيمة جنيه مثلاً، وبعضها غالي بقيمة ألف جنيه مثلاً، ثم تأخذ
السلعة التي سقطت عليها الحصاة مهما كان سعرها.
والجهالة والغرر في التأمين التجاري هي مثل الجهالة والغرر في الميسر، وبهذا
يكون التأمين التجاري من الميسر المحرم. وذلك لأنك تدفع مبالغ العادة شهرية
للجهة المؤمِّنة، ولا تدري هل ستدفع لك تلك الجهة أم لا، لأن حدوث الضرر غير
معروف، إضافة إلى جهالة مقدار المبلغ المطلوب للتعويض، وجهالة وقت حدوث الضرر.
ولا يُدرى من المتضرِّر والمستفيد الشركة المؤمِّنة أم المؤمَّن في كل معاملة
فتصير من الغرر المحرَّم.
ولأن التأمين التجاري الموجود الآن قد يدخل في الربا لأنه قد يكون بيع ربوي
بربوي إلى أجل بزيادة، وتظهر هذه الصورة فيما إذا كان مبلغ التعويض عن الضرر
أكثر من المبلغ المدفوع لشركة التأمين. وأما إذا كان التعويض بأقل من المبلغ
المدفوع للشركة المؤمِّنة، فهو محرم كذلك لانعدام شرط التقابض والمثلية في بيع
ربوي بجنسه، وأما إذا كان التعويض مساوِ للمبلغ المدفوع للشركة المومِّنة فهو
محرَّم كذلك لانعدام شرط التقابض، والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
الرجوع إلى قسم أسئلة وأجوبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق