حكم عضوية البرلمانات

⏩كيفية الترجيح في تولي وظائف سياسية     ⏫محتويات الكتاب     حكم القسم على احترام الدستور⏪

سبق أن دخول البرلمانات عن طريق ترشيحات المنظمات المدنية تترجح مفاسده على مصالحه، وأما مطلق الدخول فيها بتعيين أو بتصويت للأخف ضررٍ، فقد أفتى العلماء المعاصرون بجواز ذلك لتخفيف الشر.
أطلق بعض الناس القول بأن دخول البرلمانات مخالف لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف، وهذا الإطلاق لا يصح، فالبرلمانات القائمة على تجويز تقنين ما يخالف الشريعة نازلة ليس لها مثيل في عهد السلف والسابقين.
فدخول هذه البرلمانات لتخفيف الشر أمرٌ اجتهادي لا يخالف نصاً ولا إجماعاً، بل ولموافقته لدلالة النصوص على اعتبار تخفيف الشر وتحقيق الأصلح ودفع الأفسد عند التزاحم والتعارض.
فمن النوازل ما تكون مخالفته صريحة للنصوص والإجماع كالمظاهرات الثورية، فإنها مخالفة لما استقر عليه الإجماع ودلت عليه النصوص الآمرة بالصبر على جور الأئمة ولزوم طاعتهم ولزوم جماعة المسلمين وتحريم نقض البيعة ما داموا حارسين لأصل الدين؛ الشهادتين والصلاة.
من حجج المانعين أنه لا يُمْكن تمكين الشريعة بطريق فاسد، وجواب ذلك بالتسليم بذلك، فدخول هذ البرلمانات هو فقط من أجل تخفيف الشر ودفع الأفسد وتحقيق الأصلح.
ومن حُجج المانعين أن الأحكام الإسلامية التي يصدرها البرلمانيون ليست على وجه العبادة، لأنها تصدر بتشريع الأغلبية وليس لكونها حكم الله وشرعه.
وجواب ذلك؛ بل هي عبادة لأن الأغلبية تختارها لأنها أحكام الإسلام وليس لأهواء النفوس، وهو اختيار وليس تشريعاً، إذ المشرع لهذه الأحكام هو الله سبحانه وتعالى، وحتى القوانين المخالفة للشريعة يشرعها قانونيون أو منظرون ونحوهم غالباً والبرلمانيون غالباً ما يختارون فقط.
ومقصود الولاية هو الأمر بالمعروف بما في ذلك الشهادتين والصلاة والنهي عن المُنكر بما في ذلك الشرك والكفر الصريح وترك الصلاة، فترك المُصلحين مثل هذه البرلمانات لغيرهم من المُفسدين يؤدي إلى ازدياد الشر والفساد وعدم رعاية أصل الدين الذي هو أهم واجبات الولاية قبل سياسة الدنيا بالدين.
وترك العلمانيين يستصدرون أحكاماً غير شرعية مثل إباحة الخمور والربا والفواحش فيه إفساد للمجتمعات المسلمة، والأهم من ذلك رعاية أصل الدين بمنع إظهار الكفر الصريح من مثل الطعن في المعلوم من الدين بالضرورة من سياسة الدنيا بالدين.
قال الله عز وجل: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقال تعالى ذكره: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
ولهذا فإن النظر في مثل هذه الأمور ليس فقط من ناحية ما يُمكن استصداره من قوانين تمنع الخُمور والفجور والفواحش وتضبط المُجتمع، وإنما يكون النظر فيها أيضاً بالموازنة بين ضرر اعتزالها وضرر الدخول فيها.
والعلمانية ليست فقط عدم سياسة الدنيا بالدين، بل تعني أن الإمارة والولاية ليست لرعاية الدين بما في ذلك أصله، فالعناية بالمساجد والجامعات الإسلامية في الأنظمة العلمانية ما هي إلا واجب وطني لإرضاء المواطنين، ولهذا لا يفرقون بين رعاية كنيسة ومعبد ومسجد، ولهذا يبيحون إظهار الكفر الصريح في بلاد المسلمين بما في ذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم وسب دين الإسلام، للمزيد؛ قسم إصلاح » شرعية السلاطين برعاية أصل الدين.
ويجب التفريق بين الإلجاء والاختيار، فبعض الناس يجيز آليات الديمقراطية الوضعية من حيث أصل الحُكم، ولهذا يظن هؤلاء أنها وسيلةٌ لتمكين الدين، ومُحالٌ أن تكون الديمقراطية الوضعية وسيلة للتمكين، لأن الإصلاح لا يُمكن أن يكون بفاسد إلا بقدر ما يقتضيه الاضطرار أو الاحتياج من دفع الأفسد وتحقيق الأصلح وتخفيف الشر. 
وتمكين الإسلام في البلاد إنما يكون بسعي متكامل للإصلاح، ومن الوسائل العملية في بلاد تسمح بإنشاء منظمات مدنية سياسية؛ إنشاء جماعة نصح سياسية.
ومن الوسائل العملية الدخول في الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، وليس ذلك بنية الانقلاب على السلطة غدراً، وإنما تحسباً لما قد يقتضي عزل الأمير لإخلاله بأصل العقد أو عند خوف انزلاق البلاد في فوضى وحرب أهلية.
ولكن دخول الجيش يُشترط فيه ألا يُجبر المسلم على الكفر أو ترك الصلاة أو نحو ذلك من الضرر الراجح، وسبق نقلُ فتوى للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى في مسألة الدخول في الجيش لتخفيف الشر ودفع الأضر وتحقيق الأصلح مقابل ضرر الموسيقي.
عمر عبداللطيف محمد نور
هلسنكي، فنلندة
الجمعة ٢٧ رجب ١٤٣١هـ، ٩ يوليو ٢٠١٠م
التعديل؛ الأحد ٢٠ رجب ١٤٤١هـ، ١٥ مارس ٢٠٢٠م
pdf

⏩كيفية الترجيح في تولي وظائف سياسية     ⏫محتويات الكتاب     حكم القسم على احترام الدستور⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق