تمهيد المحتويات سبب كيفية التقدير
تُقدّر أوقاتُ الصلاة والصوم طوال السنة في هذه البلاد بالمكان الذي يتقاطع فيه خط طول البلد المراد تقدير الأوقات فيه بخط عرض مكة وهو ٢١.٣٨٩١° ش.
تُقدّر أوقاتُ الصلاة والصوم طوال السنة في هذه البلاد بالمكان الذي يتقاطع فيه خط طول البلد المراد تقدير الأوقات فيه بخط عرض مكة وهو ٢١.٣٨٩١° ش.
وإذا أخذنا في التقدير بخط طول البلد المراد تقدير الوقت فيها وخط عرض مكَّة، فإنَّ الظهر يصير بالعلامة المحليّة والفوارق بين الصلوات فوارق مكّة.
وذلك لأنّ وقت الظهر واحد على خط الطول الواحد بغض النظر عن خط العرض.
الدليل على أن حكم هذه المناطق التقدير حديث الدجال، فقد سأل الصحابة النبي ﷺ عن مدة لبث الدجال؟ فقال: ( أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم .قلنا: يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، ولكن اقدروا له. قلنا: يا رسول الله فما سرعته في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الريح) رواه مسلم.
فدلّ الحديث دلالة صريحة بيّنة على وجوب الصلوات في اليوم الأول من أيام الدجال قبل أوقاتها المعتادة، وذلك بدلالة اللغة وسؤال الصحابة رضي الله عنهم وكلام العلماء.
فاليوم إذا أُطلق في اللّغة فالمراد به نهار وليلة، وأما إذا قُرن بالليلة، كأن يُقال يوم وليلة، فالمراد به النهار فقط.
وحديث الدجال أطلق اليوم على الذي كسنة، فدلّ على أنّ فيه نهار وليل، وأنّ جميع أوقات الصلوات موجودة فيه ولكنّها متباعدة جدّاً.
وسؤال الصحابة رضي الله عنهم يدلّ على أنّهم فهموا أنّ علامات الصلوات الخمس موجودة، كما في رواية مسلم؛ (أتكفينا فيه صلاة يوم؟).والمراد باليوم هنا اليوم الاعتيادي بمقدار أربعٍ وعشرين ساعة.
وفي مسند الإمام أحمد: ( فذلك اليوم الذي هو كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ )، وفي رواية ( أتكفينا فيه خمس صلوات؟ ) آيات وأحاديث مواقيت الصوم والصلاة عامَّة من حيث الزمان والمكان.
وخُصّص هذا العموم بحديث الدجال.
القياس على حديث الدجال يخصِّص المناطق ذات خطوط العرض العالية الدرجات.
وعلَّة هذا القياس تطرّف المواقيت.
وهي علة ظاهرة ومنضبطة ومناسبة للحكم لتضمنها حكم ومقاصد أوقات الصلاة والصوم.
وحديث الدجّال نصّ على تقدير الصّلاة ولم ينص على تقدير الصوم فيُقاس على الصّلاة.
وكذلك نص الحديث على اليوم الذي كسنة ولم ينص على اليوم الذي كشهر والذي كأُسبوع فيقاسان عليه.
وكذا يقاس كل يوم تطرّفت فيه أوقات علامات الصلاة والصوم على اليوم الذي كسنة.
قال النَّووي رحمه الله: ( وأما الثاني الذي كشهر، والثالث الذي كجمعة، فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه، والله أعلم ) [١].ومما يفيد أن اليوم الأول الذي كسنة فيه علامات الصلوات الخمس قول النووي رحمه الله: ( فقال القاضي وغيره: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع. قالوا: ولولا هذا الحديث، ووكلنا إلى اجتهادنا، لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام)، المصدر السابق.
وقال الكمال ابن الهمام رحمه الله تعالى: ( فقد أوجب أكثر من ثلثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلاً أو مثلين وقس عليه ) [٢].
وقال الإسنوي رحمه الله تعالى: ( فيستثنى هذا اليوم مما ذكر في المواقيت، ويقاس اليومان التاليان له)، [٣].
وقال الرملي رحمه الله تعالى: ( واعلم أن محل كونها خمساً في اليوم والليلة في غير أيام الدجال، أما فيها فقد ورد أنَّ أولها كسنة وثانيها كشهر وثالثها كجمعة، والأمر في اليوم الأول بالتقدير ويقاس به الأخيران بأن يحرر قدر أوقات الصلاة وتصلى، وكذا الصوم وسائر العبادات الزمانية وغير العبادة كحلول الآجال، ويجري ذلك فيما لو مكثت الشمس عند قوم مدة) [٤].
وبين ابن تيمية رحمه الله أن الصلوات في اليوم الأول من أيام الدجال تكون قبل وقتها المعتاد فقال: ( والمواقيت التى علَّمها جبريل عليه السلام للنبي ﷺ وعلَّمها النبي ﷺ لأمته، حين بين مواقيت الصلاة، وهى التى ذكرها العلماء فى كتبهم، هى فى الأيام المعتادة.
فأمَّا ذلك اليوم الذى قال فيه رسول الله ﷺ (يوم كسنة) قال (اقدروا له) فله حكم آخر. يبيِّن ذلك أنَّ صلاة الظهر في الأيام المعتادة لا تكون إلا بعد الزوال وانتصاف النهار، وفي ذلك اليوم يكون في أوائل اليوم بقدر ذلك).
إلى قوله: ( والمقصود أنَّ ذلك اليوم لا يكون وقت العصر فيه إذا صار ظل كل شىء لامثله ولا مثليه، بل يكون أول يوم قبل هذا الوقت شىء كثير. وكما أنَّ وقت الظهر والعصر ذلك اليوم هما قبل الزوال، كذلك صلاة المغرب والعشاء قبل الغروب. وكذلك صلاة الفجر فيه تكون بقدر الأوقات فى الأيام المعتادة. ولا يُنظر فيها إلى حركة الشمس، لا بزوال ولا بغروب ولا مغيب شفق ونحو ذلك.
وقول الصحابة رضي الله عنهم (يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كالسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، ولكن اقدروا له). أرادوا اليوم والليلة).
إلى قوله: ( وأيضاً إذا عُلم أنهم يقدِّرون لثلاث صلوات قبل وقتها المعتاد عُلم بطريق اللزوم أنَّهم يقدِّرون للمغرب والعشاء. ووقوع ذلك في النهار كوقوع صلاتي المغرب والعشاء قبل الزوال من ذلك اليوم) [٥].
والشمس ما هي إلا إشارة ودلالة على الأوقات، بل وردت كراهة الصلوات في أوقات معنية لسد ذريعة عبادة الشمس.
وفي ذلك اليوم الذي كسنة ورد النص بترك الاستدلال على الصلوات بمواقع الشمس من أفق الناظر.
والصحيح قياس كل يوم تطرّفت فيه الأوقات على اليوم الذي كالسنة من أيام الدجال، وذلك لوضوح حديث الدجال في وجوب ترك العلامات الشمسية في ذلك اليوم.
فالصحابة رضي الله عنهم الذين فهموا معنى اليوم الذي كسنة بلغتهم الفصيحة قالوا: (أتكفينا فيه صلاة يوم؟).
والمعنى؛ هل ننتظر العلامات الشمسية لأداء الصلوات في ذلك اليوم، فأجابهم النبي ﷺ الذي كان يحدثهم بلغتهم بقوله: (لا، ولكن اقدروا له)، بمعنى اتركوا العلامات الشمسية في اليوم الأول الذي كسنة واقدروا له.
ومعنى اقدروا له؛ بقدر الفوارق بين الصلوات في اليوم الاعتيادي الذي بمقدار أربعٍ وعشرين ساعة، ولذا رأيت تقدير الفوارق بين الصلوات بفوارق مكة.
فإن قيل إنَّ العلَّة في التقدير في حديث الدجال هي انعدام العلامات في كل يوم اعتيادي بمقدار أربعٍ وعشرين ساعة من اليوم الأول الذي بمقدار سنة، فيُقال هذه علة غير مناسبة، وليس فيها غير مراعاة مقصد واحد وهو أن نصلي خمس صلوات ونصوم مرة واحدة خلال كل يوم اعتيادي.
ومن شروط العلة أن تكون مناسبة، بمعنى أن تحتوي على المقاصد والحكم من تشريع الحُكم، كما أنَّ السفر وهو علة جواز الإفطار في نهار رمضان مظنة المشقة [٦].
وهذا القياس يقيني في تطرّف الأوقات البيّن، إلا أنّه خفي في بعض الأحوال، لأن الجلي يُفهم من النص بدون دراسة وتأمّل مثل قياس الأولى الذي هو في حُكم المنصوص، والخفي يحتاج إلى دراسة ونظر ، وقد يُقطع بصحّة بعضه بعد التأمّل.
فالمسائل الخفية قد تكون قطعية كما لو لم يشتهر النص، فيفتي بعضهم بخلافه لعدم ورود النص إليهم، وكما أن بعض المسائل العقلية القطعية بدهية مثل الكل أكبر من الجزء، وبعضها يحتاج إلى دراسة ونظر مثل بعض القوانين الرياضية التي تحتاج إلى إثبات وبرهان.
المصادر
[١] شرح النووي على مسلم (ج١٨/ص٦٦) - النووي (ت ٦٧٦).
[٢] فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته (ج١/ص٢٢٤) - ط الحلبي - الكمال بن الهمام (ت ٨٦١).
[٣] المهمات في شرح الروضة والرافعي (ج٢/ص٤١٥) - الإسنوي (ت ٧٧٢).
[٤] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (ج١/ص٣٦٢) - شمس الدين (ت ١٠٠٤) - دار الفكر، بيروت، ١٤٠٤هـ/١٩٨٤م.
[٥] مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص٣٨-٣٩، - بدر الدين البعلي (ت ٧٧٨) - ط الفقي، ت؛ عبد المجيد سليم ومحمد حامد الفقي، الناشر؛ مطبعة السنة المحمدية - تصوير دار الكتب العلمية.
[٦] حد السفر الشرعي.
[٢] فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته (ج١/ص٢٢٤) - ط الحلبي - الكمال بن الهمام (ت ٨٦١).
[٣] المهمات في شرح الروضة والرافعي (ج٢/ص٤١٥) - الإسنوي (ت ٧٧٢).
[٤] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (ج١/ص٣٦٢) - شمس الدين (ت ١٠٠٤) - دار الفكر، بيروت، ١٤٠٤هـ/١٩٨٤م.
[٥] مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص٣٨-٣٩، - بدر الدين البعلي (ت ٧٧٨) - ط الفقي، ت؛ عبد المجيد سليم ومحمد حامد الفقي، الناشر؛ مطبعة السنة المحمدية - تصوير دار الكتب العلمية.
[٦] حد السفر الشرعي.
![]() | ![]() |
---|
تمهيد المحتويات سبب كيفية التقدير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق