المبحث الثالث؛ التجربة البريطانية

يدعي اللوبي السري البريطاني أن دور السلطة الملكية تشريفي رمزي فقط، ليوهموا الناس وعامة البريطانيين أن النظام البريطاني ديمقراطي كامل الأركان.
وساعدهم في تمرير هذه الدعاوى توكيل السلطة الملكية الحكومة بالتصرف في كثير من صلاحياتها، وعدم وجود دستور مكتوب في كتاب خاص.
وتدل المؤشرات على انتماء الأسرة المالكة وقادة الحزبين الكبيرين للوبٍ سري.
ومما يؤسف له ترديد السياسيين والإعلاميين العرب ما يدعيه اللوبي السري البريطاني عبر كبار السياسيين والإعلاميين البريطان في تقليدٍ أعمى وثقة مفرطة، دون تكليف أنفسهم تحليل ودراسة الاتفاقات واللوائح الدستورية والقانونية المتفرقة.
وأرجو أن تكون هذه الدراسة التحليلية المُختصرة حافزاً لمزيد من الدراسات النقدية الموضوعية للنظام السياسي البريطاني.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من جهة أن الأنظمة الحزبية في العالم كانت نتيجة الاستعمار البريطاني، ومن ادعاء أن النظام الانتخابي البرلماني انتشر بالاستعمار.
والبرلمان إنما انتشر كمصطلح فقط بالاستعمار، فكلمة البرلمان كما سبق مأخوذة من كلمة فرنسية قديمة؛ parler وتعني الحوار والنقاش، وهي مفاهيم معروفة منذ القدم.
وتأتي أهمية الدراسة أيضاً من ادعاء أن تطبيق الصحيح من المباديء الديمقراطية في العصر الحديث بدأ بوثيقة العهد الأعظم عام 1215م في بريطانيا، وقد قللت الوثيقة كما سبق من سلطة الملك المطلقة.
وتلك السلطة المطلقة لم تكن عند أحدٍ من ملوك المسلمين بعد الخلافة الراشدة فضلاً عن عهد الخلافة الراشدة.
النظام البريطاني هجين ملكي ديمقراطي حزبي.
ورغم أن كل السياسات تقريباً بما في ذلك الحرب والسلم تصدر عن رئيس الحُكومة والبرلمان؛ إلا أن السلطة السيادية وبعض الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية لا تزال ملكية.
فلا تزال ثمة صلاحيات ملكية حقيقية، ولكن أثر بعضها واستخدام أخرى قد لا يظهر إلا في حالة الأزمات، وذلك لأن أكثر الصلاحيات تتصرف فيها الحُكومة نيابةً عن السلطة الملكية.
وللملكة صلاحيات وميزات رمزية مثل؛ تعيين رئيس الوزراء والبرلمان، وافتتاح البرلمان، وقسم الولاء باسمها، وترديد اسمها في النشيد الوطني، وإظهار صورتها على الطوابع والعملات.
الملكة هي القائد الأعلى للقوات المُسلحة، وتشمل الصلاحيات السيادية الملكية الحقيقية؛ تعيين قيادات القوات المسلحة، وتعيين الضباط من رتبة نجمتين فأعلى، وطرد الضباط.
وتشمل الصلاحيات الملكية السيادية؛ احتفاظ السلطة الملكية بصلاحية إعلان الحرب، ولكن إعلان الحرب يمارس عملياً من قبل رئيس الحكومة والبرلمان نيابةً عن الملكة.
ومع أن السياسات الدفاعية تصدر عن وزراة الدفاع، إلا أن الملكة لها صلاحية المصادقة على تعيين وزير الدفاع بتوصيةٍ من رئيس الوزراء، إضافةً إلى أن كبار الضباط في مجلس الدفاع معينون من قبل الملكة، ويرفع وزير الدفاع تقارير دورية للملكة أو سكرتيرها حول السياسات الدفاعية في المملكة البريطانية.
مجلس الدفاع هو أعلى سلطة في وزارة الدفاع والقوات المسلحة بعد القائد الأعلى للقوات المُسلحة في المملكة البريطانية، ويرأسه وزير الدفاع، ويضم؛ الوزراء وهم وزير الدفاع ووزير الدولة للدفاع ووكيل وزارة الدفاع الدائم، وكبار الضباط، وقادة مدنيون.
وتشمل الصلاحيات التنفيذية الملكية؛ التصديق على القوانين، وتعيين رئيس الوزراء حال الاستقالة، وتُعتبر صلاحية التصديق على القوانين رمزية إلى حد كبير.
وتشمل الصلاحيات التشريعية الملكية؛ عضوية البرلمان والتي يتولاها رئيس الوزراء بالنيابة، وصلاحية حل البرلمان، وتعيين معظم الأعضاء الدنيويين بمجلس اللوردات بتوصية إما من رئيس الوزراء أو من مجلس التعيينات بمجلس اللوردات.
صلاحيات ملكية أخرى؛ صلاحية العفو القضائي الملكي، وصلاحية إصدار وسحب جوازات السفر، ولكن الحكومة تؤدي هذه الصلاحية نيابة عن الملكة، وصلاحية مصادرة السفن لاستخدامها في خدمة التاج، واستخدمت صلاحية مصادرة السفن لوضع اليد على سفينة الركاب "الملكة اليزابيث الثانية" بعد الغزو الإرجنتيني لجزر فوكلاند في عام 1982م.
ميزات الملكة؛ تعد الملكة فوق القانون ولا يمكن مقاضاتها أبداً ولا محاسبتها في القضايا المدنية، وذلك بموجب قانون بريطانيا، وتمتلك الملكة كل طيور البجع الموجودة في الأنهار والبحيرات البريطانية، كما تمتلك نظرياً كل الحيتان والدلفينات الموجودة في المياه البريطانية، ولا تحتاج الملكة الى إجازة قيادة سيارة، وتصدر إجازات قيادة السيارات باسمها.
ومع كل هذه السلطات والصلاحيات والميزات للسلطة الملكية يُصدقُ كثير من الناس ادعاء أن النظام البريطاني نظام ديمقراطي كامل الأركان.
ومن أسباب انخداع كثير من الناس بهذا الادعاء تصرف الحكومة في كثير من الصلاحيات نيابةً عن السلطة الملكية، هذا إضافةً إلى تقليصات حقيقية للسلطة الملكية حدثت عبر التاريخ ولا يزال بعضها مستر، ولكن مع ذلك تظل السلطة الملكية هي السيادية.
وسبق أن السلطة السيادية هي أهم السلطات، وترتكز  السلطة السيادية على الشوكة (الجيش والاستخبارات العسكرية ثم الاستخبارات العامة ثم الشرطة العامة)، ولم أقف على طريقة تعيين قيادات الاستخبارات والشرطة.
والبرلمان في النظام التشوقي هو الذي يحل النظام السياسي لا العكس، ولا يحل البرلمان (المجلس الحلقدي الاتحادي) إلا المجالس الحلقدية الأدنى التي عقدته.
وحتى المباديء الديمقراطية الصحيحة تقتضي أن تكون للبرلمان سلطة حلقدية (حل وعقد) كما صرح بذلك الباحثون السياسيون الغربيون وغيرهم.
يتكون البرلمان البريطاني من السلطة الملكية (التاج في البرلمان) ومجلسين؛ مجلس العموم، ومجلس اللوردات.
مجلس العموم يُنتخب انتخاباً مباشراً، وعدد أعضائه 650 عضواً، والوزراء ورئيس الوزراء أعضاء في مجلس العموم بموجب الاتفاقية الدستورية.
عدد أعضاء مجلس اللوردات 794 عضواً، وعضوية مجلس اللوردات مستمدة مما يعرف بطبقة النبلاء، وتشمل الأعضاء الروحانيين، والأعضاء الدنيويين.
والأعضاء الروحانيون هم ستة وعشرون عضواً يمثلون كنيسة إنجلترا القائمة.
وأما الأعضاء الدنيويون فمعظمهم يتم تعيينهم من قبل الملك أو الملكة كما سبق بتوصية من مجلس التعيينات بمجلس اللوردات أو بتوصية من رئيس الوزراء.
واثنان وتسعون من الأعضاء الدنيويين في مجلس اللوردات عضويتهم وراثية.
وتقتصر صلاحية مجلس اللوردات حالياً بعد تقليص صلاحياته وإجراء تعديلات في تشكيلته على تأجيل التشريعات.
خلاصة التجربة هي أنها ليست نظاماً ديمقراطياً كاملاً، فكيف تكون المملكة المتحدة بلد ديمقراطية مع أن صلاحية حل البرلمان لا تزال بيد الملكة؟
هذا إضافة إلى أن السلطة السيادية لا تزال بيد الملكة، وأهمها الجيش، يعني عند أقرب أزمة يمكن للملكة تغيير كل شيء باعتبارها القائد الأعلى للقوات المسلحة.
إضافة إلى أن كثيراً من الصلاحيات المهمة للحكومة بتفويض من الملكة، فتستطيع الملكة متى أرادت لا سيما عند الأزمات القيام بهذه الصلاحيات.
أضف إلي ذلك أن الانتخاب غير الهرمي مبني على القدرة المالية، يؤكد ذلك وجود حزبين فقط في القمة.
فالحقيقة هي أن الأسرة المالكة والحزبين الكبيرين تحت سيطرة الصهيونية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق