سبق أن النظام الديمقراطي الحزبي لا يُمكن أن يستقر إلا بتحكم خفي، وأن الأحزاب عبارة عن لوبيات سرية علنية لأن نظامها الإداري مبني على سرية قيادية عبر نظام الخلايا الهرمي، والمتحكم الخفي الذي سيطر على المشهد السياسي الهندي غالباً منذ الاستقلال هو حزب المؤتمر القومي الهندي، ثم تلاه في فترات محدودة حزب بهاراتا جاناتا.
وقد قرأت دراسة علمية حول ما في التجربة الهندية من فساد في مصادر تمويل الأحزاب السياسية، وما في الحملات الانتخابية من رشاوى وفساد.
وقد تناولت الدراسة عدة تجارب في دول مختلفة ووضعت عدة حلول لكيفية تمويل الأحزاب السياسية مالياً.
وقد دلت الدراسة على أن إشكال الحملات الانتخابية وما يتعلق بها من تمويل الأحزاب مالياً نابع من الآلية الانتخابية نفسها، ومن خلال الحلول المقترحة لتمويل الأحزاب يُلاحظ أن الانتخاب الهرمي هو الحل الأمثل مقارنة بتلك الحلول.
ومن عيوب النظام الهندي أن للرئيس حل البرلمان (مجلس الناس ومجلس الولايات) بعد التشاور مع رئيس الوزراء ومجلسه.
ظل حزب المؤتمر كما سبق يسيطر على المشهد السياسي الهندي في أغلب الدورات الانتخابية منذ استقلالها عام 1947م، رغم أنه لم يشكل حُكومة بمفرده منذ عام 1984م، ثم تلا حزب المؤتمر حزب بهاراتيا جاناتا منذ عام 2014م.
حزب المؤتمر هو أقدم حزب سياسي في الهند، وتأسس عام 1885م، وقاد كفاح الهند نحو الاستقلال، وضمت عضويته شخصيات بارزة مثل غاندي ونهرو.
وفساد حزب المؤتمر المالي والإداري معلوم لدى كل هندي، فمن الناحية الإدارية ظلت عائلتي غاندي ونهرو تسيطران على الحزب، وفساد هاتين الأسرتين المالي معلوم كذلك، فأنَّى لحزب لا يطبق مباديء الديمقراطية في داخله أن يطبقها في الدولة.
خسر حزب المؤتمر الأغلبية الساحقة في الانتخابات في فترات محدودة قبل عام 2014م، فقد خسر انتخابات عام 1977م لصالح حزب جاناتا (الناس) الذي تشكل من الأحزاب المعارضة، ولكنه عاد وفاز بالأغلبية عام 1980م.
وخسر حزب المؤتمر القومي الهندي الأغلبية مرة أخرى في عام 1996م بسبب صعود حزب بهاراتيا جاناتا الذي شكل حكومة تحالف مع أحزاب أخرى، ثم عاد حزب المؤتمر للسيطرة عام 2004م.
انبثق حزب بهاراتيا جاناتا من حزب جاناتا، والذي انبثق عنه أيضاً حزب جاناتا دال (حزب الناس) وهو حزب علماني اشتراكي يحاول كسب الطبقات الفقيرة والمسلمين، وحزب بهاراتيا يؤكد على القومية الهندية ويدعم الأهداف الاقتصادية الاشتراكية.
ثم تغير الوضع مرة أخرى بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتغير التركيبة الاجتماعية لصالح حزب بهاراتيا جاناتا منذ عام 2014م، وأصبح حزب بهاراتيا الحزب الحاكم عام 2019م.
التجربة الهندية تؤكد أن النظام الديمقراطي الحزبي نظام فاسد يؤدي إلى تحكم خفي، فمع أن حزب المؤتمر الوطني فاز بجدارة في البداية بسبب إسهامه في استقلال الهند، إلا أن السلطة مكنته من المال والشوكة ليُكرر إعادة الفوز بفساد وخداع.
ومن أسباب تماسك حزب المؤتمر الوطني الهندي قيادة أسرة واحدة له، فما بين الأسرة من رحم يقلل الخلاف وأثره السيء.
هذا إضافة إلى صعوبة صعود حزب منافس بسبب التمويل المالي وشروط الاعتراف بالحزب الناشيء كحزب وطني، وهي أحد ثلاثة شروط؛ أن يمثّل بنسبة لا تقل عن 2% في مجلس الناس من ثلاث ولايات مختلفة، أو أن يحصل على 6% من الأصوات في أربع ولايات في انتخابات مجلس الناس والمجلس التشريعي وأربعة مقاعد في مجلس الناس، أو أن يحصل على الاعتراف به كحزب ولائي في أربع ولايات أو أكثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق