كما سبق فإن الطريقة الانتخابية في أُطروحة التَّشْوَقَة تصعيدية، قوامها هرمية الترشيح والانتخاب، بحيث لا ينتخب الناس إلا مجالس قاعدية فقط، ثم تختار هذه المجالس مجالس أعلى منها، ثم تختار المجالس الأعلى مجالس أعلى منها، وهكذا إلى قمة الهرم.
فتُقسم البلاد حسب الكثافة السكانية إلى دوائر انتخابية صغيرة في الأحياء والقرى والأرياف، فتنتخب كل دائرة مجلساً قاعدياً، ثم تختار المجالس القاعدية مجالس المدن التي تختار مجالس ولائية، ثم تختار المجالس الولائية المجلس الحَلْقَدي الاتحادي (البرلمان).
إذا لم يُرشَّح أحدٌ أو عددٌ كافٍ للتصعيد بسبب تنافس خفي باعتقاد كل واحد من أعضاء بعض المجالس أنه الأصلح، يُصعد تلقائياً الأجدر باعتبارات معينة مثل؛ عدد الأصوات والخبرة السابقة والتخصص والشهادات والعُمُر.
إضافة لاختيار عامة الناس أهل الكفاءات، ولأن توزيع المختصين جغرافياً غير متساو في العادة؛ يختار المجلس الحلقدي الاتحادي عدداً إضافياً من علماء الشريعة والاقتصاد وسائر التخصصات ذات الصلة لعضويته، يرشح هؤلاء المختصين رؤساء البرلمانات الولائية.
ويُناط بالمختصين في المجلس الحلقدي مع اللجان التقنينية المتخصصة فيه وضع برنامج متكامل للبرلمان في الاقتصاد وسائر الشؤون السياسية، وتتم توعية بقية أعضاء البرلمان بالبرنامج وأسباب اختياره مع عقد دورات علمية لهم في المباديء العلمية ذات الصلة.
ولجماعات النصح الاعتراض على برنامج البرلمان السياسي الذي وضعه مختصوه والمطالبة باستفتاءات عامّة أو تخصصية حول بعض بنوده.
أهم فوائد الانتخاب الهرمي؛ منع خداع الناخبين ومنع احتكار السلطة وذلك لمعرفة الناخب القريبة بالمرشح، وتسهيل إدارة الانتخابات لأنه مبني على وحدات صغيرة منفصلة عن بعضها بطريقة هرمية تصاعدية.
لأن إدارة الانتخابات أيسر في الانتخاب الهرمي فهو أبعد عن التزوير، والفصل في الانتخاب الهرمي تترتب عليه قدرة على التقسيم لداوئر انتخابية صغيرة حقيقة، فحجمها الصغير ليس لمجرد تسهيل الإجراءات.
عدم المعرفة القريبة لا تضر في المستويات الهرمية العليا، وذلك لأن أهمية المعرفة القريبة تأتي من جهة الأمانة أكثر من الكفاءة، والمجالس القاعدية معروفة ومأمونة ومستأمنة على اختيار المجالس الأعلى منها.
فالاختيار في المجالس العُلوية يكون من بين من عُرفت أمانته بتزكية مجتمعه الخاص، فيُختار من بينهم حسب الكفاءة والخبرة والأداء السابق مع اعتبار عدد ما تحصلوا عليه من أصوات من مجتمعاتهم.
معرفة الناخب القريبة بالمرشح تعين على منع احتكار اللوبيات للسلطة، وذلك لأنها تُغني عن الحملات الانتخابية الإعلامية التي يحتكرها مالكو المال والإعلام.
ولا غنى عن القدرة المالية في الحملات الانتخابية الإعلامية حتى في وسائل التواصل الاجتماعي المجانية، وذلك لتغطية تكاليف الإنتاج والكتابة والنشر والمتابعة.
فالدعاية الانتخابية في الانتخاب الهرمي مباشرة مثل التسويق المباشر، وتزكية الناس أبلغ من تزكية الشخص نفسه.
ومصلحة الحملات الانتخابية الإعلامية مرجوحة، وذلك لأنها مغمورة في مضار الحملات والتنافس على السلطة، ولأن محتويات برامج الأحزاب السياسية تخصصية لا يفهمها العوام على وجهها.
فحقيقة الحملات الانتخابية الإعلامية أنها مجرد وعود تفيد شرائح مستهدفة لنيل أصواتها دون أخرى أو خداع أو غير ممكنة، وقل أن تكون فائدتها عامة.
ومن فوائد الانتخاب الهرمي؛ تمثيل الجهات والأفرع تمثيلاً عادلاً في المجلس الحلقدي الاتحادي حسب نسبتهم، ومن فوائده؛ تمثيل القبائل في الجهات حسب نسبتهم، وفي هذا حد من النزاعات الجهوية والقبلية.
ومن فوائد الانتخاب الهرمي؛ أنه يساعد على التخلص من اللوبيات الحزبية، وذلك لأن معرفة الناخبين بالمرشحين القريبة تُقلل من استغلال طلاب السلطة الحزبية للصعود على اكتافها إلى السلطة، وبالتالي تُزهد طلاب السلطة في عضوية اللوبيات الحزبية.
إذا قيل بأنّ الانتخاب الهرمي موجود في الديمقراطيات الحزبية، فالجواب؛ أن فيها تقسيم لدوائر انتخابية ولا يوجد فصل بين مستويات هرمية، ففي بعض البلاد ينتخب عامّة الناس عبر تلك الدوائر رئيس البلد مباشرةً، وفي بعضها ينتخب العامّة أعضاء البرلمان الاتحادي مباشرةً.
في حال الانتخاب المباشر لأعضاء البرلمان الاتحادي فإن التقسيم الحقيقي لدوائر انتخابية هو على المستوى الذي يُختار منه أعضاء البرلمان، وكل تقسيم أدنى هو لمجرد تسهيل بعض الإجراءات.
وذلك لأن عدد أعضاء البرلمان الاتحادي لابد أن يكون محدوداً لتسهيل الحوار وتقليل وقته وتخفيض المنصرفات.
فمن عيوب الانتخاب غير الهرمي كبر حجم الدوائر الانتخابية الحقيقية نسبياً، ومع ذلك فإنه قد يحتوي على عيب العدد الكبير نسبياً لأعضاء البرلمان وما يترتب عليه من زيادة صرف وإشكالات إدارة وقت الحوار.
طريقة الانتخاب الهرمي قوامها التقسيم والفصل بين الوحدات بمستوياتها الهرمية، وهذه الطريقة تُستخدم في كل الأنظمة المعقدة.
مثال التعامل مع النظام المعقد في خريطة العالم؛ أنه لا يُمكن رؤية شارع من الشوارع في خريطة العالم، والتي يمكن فيها رؤية القارات فقط، ثم تُرى الدول في كل قارة أو جزءٍ منها، ثم تُرى المدن في كل دولة أو جزءٍ منها، وهكذا إلى أن تُرى بعض الشوارع.
وطريقة التقسيم والفصل تُستخدم في كل نظام معقد، ومنها الأنظمة الإدارية المعقدة، وهو ما يُعرف باللامركزية والفصل بين السلطات والصلاحيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق