كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير في بعض المسائل كل الصحابة رضي الله عنهم فيقول: (أشِيرُوا أيُّها النّاسُ عَلَيَّ) [1]، وكان في بعض المسائل يستشير الخاصة أو خاصة الخاصة.
فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بالاستشارة في بعض المسائل أبابكر وعمر رضي الله عنهما كما في مسألة أسرى بدر، وقد خص يوم الخندق بالاستشارة السعدين (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة) رضي الله عنهما.
فإن قيل كيف ينتخب كل المسلمين وفيهم الفاسق والجاهل بشروط الإمامة والسفيه، فجوابه أن هذه موانع الترشيح، وأما الناخبون فينتخبون أهل الحل والعقد من بين العدول وأهل الرأي والعلم بشروط الإمامة.
والتحقق من استيفاء المُرشحين الشروط والنظر في الطعونات هو دور المحكمة الدستورية وفروعها، لا سيما طعونات الاستخبارات العامة والعسكرية، وذلك لدرء خطر اللوبيات السرية الداخلية والعميلة.
وسبق أنه لا يوجد تحايل في ضبط الترشيح بالمحاكم الدستورية لا سيما عبر الأجهزة الاستخبارية، وذلك لأن المجلس الحلقدي المُنتخب هو من يختار المحكمة الدستورية العُليا ورئيسَ البلاد الذي يختار بدوره قيادة أجهزة الاستخبارات.
وسبق أن قول العلماء بإدخال كل وجوه الناس وأعيانهم ورؤسائهم في أهل الحل والعقد هو باعتبار الممكن، وذلك لأن بعض وجوه الناس كشيوخ القبائل قد يكون فيهم فسق أو جهل بشروط الإمامة.
والانتخاب الهرمي فيه أيضاً اعتبار المُمكن، وهو أقرب إلى توافر الشروط في أعضاء المجالس الحَلْقدية، وذلك لدور المحاكم الدستورية في التحقق من توافر الشروط، وللمنظمات المدنية دورٌ في نصح المسلمين وتوعيتهم بأن الانتخاب أمانة.
وإذا غلب الهوى في مجتمع ما، فإن في الانتخاب الهرمي حفظ للخير الموجود وتنميته وتقليل للشر، وذلك لأن المُسلمين يختارون من يُقيم أصل الدين؛ الشهادتين والصلاة، وفي الحديث؛ (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
فأصل الدين والمصالح الدنيوية المشتركة محل رعاية الناس، ولذا فإن في اشتراك الناس في اختيار ولاة أمرهم إبعاد الأهواء التي قد يلتقي عليها قلة قد تتعارض مصالحهم مع المصالح العامة المُشتركة، وأهم المصالح هي مصلحة حفظ الدين.
وعلاقة الناس بولاتهم عقد، فإذا كان مبنياً على اختيار الناس ورضاهم فإنهم يتعاونون مع ولاة أمرهم ويصبرون على ما لا قدرة لهم عليه، وفي ذلك دفع لأسباب التمرد والصراع والحروب وتحقيق للعدل والمصالح المشتركة، فاختيار الناس ورضاهم من أهم أسباب نجاح الأنظمة الحاكمة، ولذا اشترطت الشريعة في العقود التراضي والتشاور.
والمساواة بين الناس في الأصوات لازمة حتى عند تفشي الأمية أو عدم التوزيع المتساوي لنسبة المتعلمين جغرافياً، وذلك لأنّ حق الأمي مساوٍ لحق المتعلم في كل ما يتعلق بالسياسة الشرعية من رعاية الدين وسياسة الدنيا.
واختيار أهل الحل والعقد إنما يكون حسب كفاءتهم وأمانتهم، والأمانة والكفاءة قد يستوي الأمي والمتعلم في معرفة اتصاف الرجال بهما.
والأمي قد يكون أكثر أمانةً وتديناً، والخصال الجبلية قد تكون أفضل عند الأمي، فقد يكون الأمي أكثر ذكاءاً وفطنة وحكمة وقُدرةً على معرفة الرجال من المُتعلم.
وأما الكفاءة فإن الأمي قادر على معرفة الكفؤ، فالأمي يختار الأكفاء في أمور دنياه، فتجده مثلاً يختار أمهر الأطباء للعلاج، وقد يكون أفضل من المتعلم في اختيار أفقه الفقهاء في أمور دينه، لأنه قد يكون أبعد عن اتباع الهوى.
ومع أن الأمي قد يكون بحاجة إلى توجيهٍ أكثر من المتعلم في مسألة الكفاءة، إلا أن معرفة الكفؤ أمرٌ يسير الفهم ليس فيه تعقيد، والتوجيه يمكن أن يتم عبر منظمات المجتمع المدني لا سيما الدعوية والسياسية.
فتُعتبر منظمات المجتمع المدني لوبيات علنية ضامنة لتوجيه الانتخاب الهرمي بطريقة الإقناع الذي لا يتضمن غشاً ولا كتمان حقائق، لأن معرفة الناخب القريبة بالمرشح تحُد من الغش واختيار غير الأمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق