الترشيح في كل وحدة من مستويات الهرم الانتخابي من داخله، ويُمكن تحديد حد أدنى من المرشِّحين (بكسر الشين) لتأهل المُرشَّح للانتخابات أو تحديد حد أعلى للمرشَّحين (بفتح الشين) ثم اختيار الأكثر ترشيحاً.
فإذا لم يرشح أهل الدائرة أحداً تختار اللجنة المكلفة من قبل مفوضية الانتخابات مرشحين باعتبار صفات محددة وبالتشاور مع وجهاء الدائرة، وذلك بنحو اعتبار إعادة ترشيح الحاصل على أصوات أكثر في دورات سابقة.
وتتحقق المحكمة الدستورية أو فروعها من توافر شروط أهل الحل والعقد في أكبر عدد ممكن من المُرشحين، وتنظر في الطعونات المقدمة ضد مرشحين، لا سيما طعونات الأجهزة الاستخبارية العسكرية والشرطية والعامة.
وليس هذا تحايل لحكم جبري، لأن المجلس الحلقدي المُنتخب هو من يختار المحكمة الدستورية العُليا ورئيسَ البلاد الذي يختار بدوره قيادة أجهزة الاستخبارات.
من أمثلة الطعونات؛ عدم استيفاء شرط خلو صحيفة المرشح الجنائية؛ {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وغير ذلك من شروط أهل الحل والعقد الثابتة والتي تصدر عن المجلس الحلقدي الاتحادي المنتخب.
ومن أمثلة الطعونات؛ الانتماء للوبيات تعمل على تقويض النظام التشوقي، كالتي تؤمن بعصمة القادة أو تسلط حزب واحد، كنظام الولي الفقيه القائم على عصمة الأئمة والأنظمة الشيوعية الحزبية الأحادية، انظر مبحث؛ التجربة الإيرانية.
ومن أهم الطعونات تلك المقدمة من الأجهزة الاستخبارية العسكرية والعامة في المرشح بأدلة تدل على الاشتباه في علاقته بجهات خارجية أو لوبيات حزبية داخلية.
والسبب هو أن عامة الناس كثيراً ما يتعاملون بحسن النية وافتراض النزاهة في كل من أظهر لهم شيئاً من ذلك، وذلك لأن أكثر الناس يجهل ما تعرفه الأجهزة المختصة، ولأنه ليست لديهم خبرة ومعرفة أصحاب الشأن.
وثمة أمثلة عديدة لذلك، من أواخرها التجار الذين أرسلتهم الاستخبارات الأمريكية في بدايات القرن الماضي إلى جزيرة هاواي، فأوجدوا أزمة اقتصادية وأثاروا عامّة القوم إلى أن تمكنوا من سجن الملكة ثم نفيها ثم استعمار الجزيرة، لتصبح ولاية أمريكية.
وعندما دخل المستكشفون الاستخباريون الأسبان ولاية فلوريدا (المُزهرة بالأسبانية) طلبوا من السكان الأصليين ضيافتهم فضيفوهم، ولم يعلم السكان الأصليون أنها كانت الخطوة الأولى نحو استعمارهم بل وإبادتهم.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وأما الحذر من الرجل في شهادته وأمانته ونحو ذلك، فلا يحتاج إلى المعاينة؛ بل الاستفاضة كافية في ذلك، وما هو دون الاستفاضة، حتى إنَّه يستدلُّ عليه بأقرانه، كما قال ابن مسعود: "اعتبروا الناس بأخدانهم"، فهذا لدفع شرِّه، مثل الاحتراز من العدو. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "احترسوا من النَّاس بسوء الظن". فهذا أمر عمر، مع أنَّه لا تجوز عقوبة المسلم بسوء الظن) [1].
وفي ضبط الترشيح بالمحاكم الدستورية اعتبار دور أهل التخصص والخبرة في العلوم الشرعية والاستخباراتية وغيرها في توجيه العامة مع سد هذه الثغرة التي قد تنفذ منها لوبيات للتسلط، وذلك في دورة تبدأ من الناس وتعود إليهم وتمر بالمُختصين في المحاكم الدستورية.
ويمنع قانون الانتخابات ترشيح أحدٍ نفسه أو أحدٍ من منظمته المشكوك في سعيها للسلطة قطعاً لأسباب التنازع، لأن الوظائف العليا محدودة وبالغة الأهمية، وقطعاً لأسباب تغليب المصالح الشخصية والحزبية على العامة، وحثاً على بيان الكفاءة بالعمل وخدمة الناس لا بالوعود والكلام، وللحد من الحسد والبغي، فما أحب أحد الزعامة إلى حسد وبغى.
فطلب الإمارة يفتح مجال الخداع الكلامي لمرضى السلطة، وفيه شبهة تقديم المصالح الخاصة المُفضي إلى الفساد، لأن الحرص على الإمارة حرص على الشرف أو المال أو عليهما، ومن يحرص على السلطة والثروة يفسد حتى ولو كان مريداً الإصلاح.
طلب الإمارة يؤدي إلى التنازع وعدم الاستقرار السياسي لأن الوظائف العليا محدودة وعالية الأهمية، وكلما نقصت الموارد وزادت أهميتها وكثر طلبها كلما اشتد التنافس عليها، وشدة التنافس مع نقص حاد في الموارد تؤدي إلى النزاع والصراع.
فالوظائف السياسة العليا في كل بلد محدودة؛ رئيس واحد، ونائب أول واحد للرئيس، ورئيس وزراء واحد، ونائب أول واحد لرئيس الوزراء، ووزير صحة واحد، ووالي ولاية واحد، ورئيس بلدية واحد، وهكذا.
وأما جواز طلب الوظائف العادية فهي أكثر وأقل أهمية، خلافاً للعليا فهي محدودة وأهم فيشتد التنافس عليها، والتنافس على الزعامة يورث الحسد والبغي.
وليس في التصعيد في الانتخاب الهرمي تنافس مضر لأن الترشُّح في النظام التشوقي ممنوع في التصعيد أيضاً، وعدم الترشح فيه تأكيد احتمال زهد أهل الحل والعقد في السلطة.
وترشيح منظمات المجتمع المدني أعضاءها للوظائف السياسية العليا أو للمجالس الحَلْقدية التي تؤدي إليها هو في حقيقته طلب وتنافس أفراد، وهو أضر من طلب الإمارة الذي ورد النهي عنه في النصوص لتقوي طالبي السلطة بأحزابهم والتي تتقوى بالأجنبي، ويؤدي تنافس أفراد الحزب الواحد على تلك الوظائف إلى انشقاقات.
وقادة الأحزاب يسعون لأعلى الوظائف كرئاسة مجلس الوزراء، وبالتالي فإن تنافس قادة الأحزاب فيما بينهم هو تنافس أفراد، والطبقات التي تلي قادة الأحزاب يسعون لوظائف عُليا أدنى كالوزارات وولاية الولايات.
وعامة أعضاء الأحزاب يؤيدون أحزابهم لحظوظ عادية، ومع أن التنافس على الوظائف العادية جائز إلا أن تنافس أعضاء الأحزاب عليها يكون عبر الحزب الذي تتضارب مصالحه مع مصالح الأحزاب الأخرى ومع بقية المجتمع.
ومن كمال الشريعة أنها فرقت بين طلب الإمارة وطلب المال مع أن كليهما سبب للنزاع والركون للدنيا، والرياسة من الشرف، والحرص على الشرف والمال مفسدان للدين ومفرقان لجماعة المُسلمين.
فحرمت الشريعة طلب الإمارة وحضت على طلب المال للإنفاق والدار الآخرة وليس للتوسع في المباحات المنافي للزهد المُستحب، كما في حديث؛ لا حسد إلا في اثنتين وذكر منهما رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق.
وسبب التفريق بين طلب المال وطلب الرياسة هو ما بينهما من فوارق، ومن ذلك؛ أن الوظائف السياسية العليا محدودة جداً خلافاً للمال، وكلما قل المتنافس عليه وزادت أهميته كلما ازداد الصراع.
ومن الفوارق؛ أن مصلحة طلب المال راجحة لأنه لا قوة للاقتصاد العام إلا بالقطاع الخاص والعام، ولا قوة في المجالات العسكرية والعلمية وغيرها إلا بقوة الاقتصاد، ولذا قدم الله تعالى جهاد المال على جهاد النفس، وليس في طلب الرياسة مصلحة راجحة إلا استثناءاً نادراً كما في قصة يوسف عليه السلام على قول من قال أنه طلب الإمارة.
فلما كان المال ضرورياً لقوة المسلمين حضت الشريعة على طلبه، ولكنه لما كان سبباً في النزاع والركون للدنيا حضت على أن يكون القصد بطلبه الإنفاق والدار الآخرة.
وأما الوظائف السياسة العليا فقد حرمت الشريعة طلبها لأنه ليس في طلبها مصالح راجحة، ولأنها محدودة العدد وبالغة الأهمية مما يؤدي إلى شدة الصراع عليها، هذا إضافة لما فيها من ركون للدنيا.
المصادر
[1] مجموع الفتاوى (ج28/ص372)، مجمع الملك فهد، 1416هـ/1995م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق