المبحث السابع؛ التَّشْوَقَة ليست كالنظرية الثالثة

سبق أن الفروق بين الأنظمة عموماً قليلة العدد ولكنها قد تكون كبيرة الأثر، وأن سبب ذلك هو أن الأصل في السياسة الشرعية الإرسال والإباحة إلا لنص، فلو تأملنا في آليات الأنظمة بجميع مسمياتها ومبادئها لوجدنا كثرة التماثل والتشابه بينها.
ولذا فإن الفرق كبير من حيث الأثر بين التَّشْوَقَة والنظرية الثالثة المنسوبة إلى الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، والفرق واضح في الرؤية والآليات العملية التي تعكس الرؤى والمباديء.
فمن الفروق؛ أنَّ كل ما في هذا المُقترح فيه اعتبار لمصادر وأصول وقواعد الشريعة الإسلامية، فبعض ما فيه كما سبق متعلق بنصي أو ما ثبت فيه إجماع، وما فيه من اجتهاد فهو كذلك مبني إما على عدم مخالفة النصوص والإجماع الثابت أو على نصوص غير صريحة وأقوال علماء.
ومن الفروق؛ أنَّ النظريّة الثالثة تدَّعي حكم الناس أنفسهم بأنفسهم من غير تمثيل ولا انتخاب.
والتمثيل لابد منه في كل مجتمع معقد كما سبق، والشورى المباشرة لا تصلح إلا في المجتمعات الصغيرة وفيما يُستفتى فيه عامة الناس، هذا فضلاً عن أن يحكم الناس أنفسهم بأنفسهم، ولهذا فإن نظام القذافي لم يطبق هذا المبدأ لاستحالته عملياً.
ومن الفروق؛ أن في التشوقة تعدد سياسي جماعي منظم قوامه جماعات نصح لا تتنافس على السلطة بترشيحات ولا محاصصات، وليس في النظرية الثالثة تعدد سياسي جماعي منظم، ولابد لأصحاب الرؤى السائغة شرعاً من عمل جماعي منظم لخدمة آرائهم.
والفروق من الناحية التطبيقية بين النظام التشوقي ونظام القذافي أثرها كبير أيضاً، فالآليات تعكس المباديء.
في نظام القذافي التطبيقي تُعتبر اللجان الشعبية سلطة تنفيذية، وتُعتبر المؤتمرات الشعبية سلطة حَلْقَدِية (تشريعية).
وتنقسم السلطة الَحَلْقَدِية في نظام القذافي إلى؛ مؤتمرات شعبية أساسية، ومؤتمرات شعبية للشعبيات (المحافظات)، ومؤتمر الشعب العام.
وتنقسم السلطة التنفيذية في نظام القذافي إلى؛ لجان شعبية أساسية، ولجان شعبية للشعبيات، ولجنة شعبية عامة تمثل الحكومة أو مجلس الوزراء.
يُسمى الوزراء في نظام القذافي بالأمناء، وكذا يُسمى رؤساء اللجان والمؤتمرات الشعبية بالأمناء، وكذا رؤساء الشؤون الاجتماعية والنقابات والاتحادات والروابط.
لتأكيد ما سبق ذكره من أن الفوارق بين الأنظمة المختلفة قليلة العدد، فإننا نلاحظ فيما سبق ذكره من آليات أن بعض الفوارق بين نظام القذافي وغيره هي فوارق أسماء لا مسميات، فاللجان الشعبية الأساسية تسمى في أغلب الأنظمة المعاصرة بالبلديات، والتي على مستوى الشعبيات تسمى حكومات الولايات، واللجنة الشعبية العامة تسمى بمجلس الوزراء غالباً.
فيما يختص بالسلطة الحَلْقَدِية في نظام القذافي؛ تضم المؤتمرات الشعبية الأساسية في عضويتها جميع المواطنين البالغين سن الرشد ذكوراً وإناثاً.
بينما يتم انتخاب المجالس الحَلْقدية القاعدية في النظام التشوقي، وذلك لمراعاة شروط أهل الحل والعقد ولمنع اختراقات العملاء واللوبيات بطريقة دستورية مُعلنة واحضة، بينما اعتمد نظام القذافي على عمل سري استخباري محض لأجل تحقيق تسلط الفرد.
وفي نظام القذافي التطبيقي يختار كل مؤتمر شعبي أمانة له لتدير جلساته، وتصيغ قراراته، ويختار كل مؤتمر شعبي أساسي لجنة شعبية إدارية من بين أعضائه.
وفي نظام القذافي يتكون مؤتمر الشعب العام من مجموع أمانات المؤتمرات الشعبية الأساسية والولائية (الشعبيات)، وأمانات اللجان الشعبية الأساسية والولائية، وأمانات الروابط والنقابات والاتحادات والشؤون الاجتماعية.
ومؤتمر الشعب العام يختار السلطة التنفيذية العُليا ويعتمد السفراء.
ويُلاحظ في نظام القذافي التطبيقي للسلطة الحَلْقدية (التشريعية) أن المؤتمرات على مستوى الشعبيات والمؤتمر العام فيها تمثيل يناقض مبدأ النظرية الثالثة وشعارها؛ "التمثيل تدجيل"، وذلك لما سبق من استحالة إدارة نظام معقد من غير تمثيل ونيابة.
وهذا ينطبق على السلطة التنفيذية، فاللجان الشعبية على مستوى الأساس والشعبيات والدولة هي التي تحكم، وهذا يدل على أنه لا يُمكن أن يحكم الناس أنفسهم بأنفسهم.
فالنظام التشوقي مبني على سلامة الرؤية وواقعية التطبيق، والآليات في النظام التشوقي تعكس المباديء بصدق ووضوح وسد ذرائع الفساد والاختراق والاستغلال، وأما نظام المؤتمرات الشعبية ففيه خلل نظري يجعله غير ممكن التطبيق، وفيه خلل تطبيقي هدفه المُخادعة وجعل السلطة في تحكم السلطان وأجهزته الاستخبارية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق