تمثيل السقيفة نيابيّ غير حزبيّ

كان تمثيل المهاجرين والأنصار في السقيفة نيابيّاً، ولم يكن حزبيّاً، ومن أسباب تعدّد الرأي فيها أنّ السيادة في عرف العرب كانت شعوبيّةً وقبليّةً، ولم تكن أمميّةً قوميّةً.
ما حدث في سقيفة بني ساعدة لم يكن تنافساً جماعيّاً على السلطة (حزبيّة سياسيّة)، وإنّما كان تمثيلاً نيابيّاً.
كان تمثيلاً نيابيّاً لقول ممثلي الأنصار في السقيفة: (منّا أمير، ومنكم أمير)  [١] وقول أبي بكر رضي الله عنه ممثّلاً للمهاجرين: (لا، ولكنّا الأمراء، وأنتم الوزراء) [١].
ولذا عدّ الفقهاء رؤساء الناس وأعيانهم وشيوخ القبائل من أهل الحلّ والعقد.
والتمثيل النيابي بهذه الطريقة جزء من تعدّد سياسيّ جماعيّ فعّال غير حزبي (بدون سعي جماعيّ للسلطة).
ولم يكن التمثيل في السقيفة حزبيّاً لأنّ قول ممثل الأنصار: (منّا أمير، ومنكم أمير) لم يكن تنافساً على إمارة واحدة، وإنما كان يعني أمارتين في نفس الزمن، لأدلّة منها ما يلي؛
١. قول عمر رضي الله عنه: (لا يصلح سيفان في غمدٍ واحدٍ)، فهو يعني أنّه لا تصلح قيادتين لمقود واحد.
٢. لم تعرف العرب وقتها الإمارة المؤقتة.
٣. كانت السيادة في العرب قبلية وشعوبية، ولم تكن أممية قومية.
٤. كانت لليهود في أول الأمر في المدينة استقلالية قضائية وحربية واقتصادية.
والشعب نسب بعيد، والنسب من جهة الآباء فقط، والرحم من جهتي الآباء والأمهات أيضاً.
فلم ينافس الأنصار المهاجرين على إمارة واحدة.
ولمّا قال أبوبكر رضي الله عنه: (منّا الأمراء، ومنكم الوزراء)، فقد كان يشير إلى ما أشار إليه عمر رضي الله عنه من وحدة الأمّة سياسيّاً على ما ورد في السنّة من أنّ الخلافة في قريش.
فالأمر اتباع للسنّة وليس عصبيّةً لقريش.
والوزير لغةً هو المؤازر والمعين.
والوزير في الاصطلاح هو من يعين رأس الدولة برأي أو باختصاصٍ بجانبٍ من إدارتها.
فيدخل في معنى كلمة الوزير كل نواب رأس الدولة كولاة الولايات والوزراء بالمعنى المعاصر.
فما حدث في السقيفة كان تكتلاً سياسياً مدنياً طبيعياً عارضاً إضافةً إلى كونه تمثيلاً نيابياً.
والفرق بين التعدد السياسي الجماعي والحزبي هو في السعي للسطة، فجماعات النصح السياسية لا تسعى لسلطة .
ومنع السعي الفردي والجماعي للسلطة واضح عقلاً بعد وضوحه شرعاً؛ 
فالولايات محدودة ومهمة؛ فالرئيس واحد، وكذا رئيس الوزراء ووزير الصحة وحاكم الولاية، وهكذا.
وكلما قل المُتنافس عليه وزادت أهميته وطلبه زاد الصراع عليه.
والصراع على السلطة أشدّ من الصراع على الموارد المحدودة، لأنّ فيه صراع على الثروة وأهم الموارد.
فالأحزاب السياسيّة بطبيعتها سبب للفرقة، وليس هذا خاصّاً بالدول النامية كما يصوّر بعض الناس.
والدول المستقرّة التي فيها تعدديّة حزبيّة لم تستقرّ إلا بسبب الخداع بالإدارة الخفيّة للأحزاب والانتخابات.
وتزداد خطورة الأحزاب مع الضعف وقوة الأعداء ورشاويهم.
وخلاصة القول في تمثيل المهاجرين والأنصار في السقيفة أنّه كان نيابيّاً، ولم يكن حزبيّاً.
وذلك لأنّهم لم يتنافسوا تنافساً جماعيّاً على السلطة.
فقول ممثل الأنصار: (منّا أمير، ومنكم أمير) [١] هو بسبب ظنّه أنّ السيادة في الإسلام قبليّة شعوبيّة لا أمميّة قوميّة.
وقول أبي بكر رضي الله عنه ممثّلاً للمهاجرين: (لا، ولكنّا الأمراء، وأنتم الوزراء) [١] هو لعلمه بأنّ السيادة في الإسلام أمميّة قوميّة.
فهي قوميّة لأنّها تقوم للدين قبل غيره، فالقوم لغةً من القيام، وفي الاصطلاح الجماعة من الناس التي لها جوامع تقوم لها.
وهي أمميّة لأنّ مقصدها الدين قبل غيره، فالأمّة من أمّ الشيء إذا قصده، وفي الاصطلاح الجماعة من الناس التي لها مقاصد مشتركة.
يؤكّد أنّ المقصود الوحدة السياسيّة للأمّة قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: (لا يصلح سيفان في غمدٍ واحدٍ).
فليس في كلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه عصبيّة لقريش، ولذا روى ما ورد في السنّة من أنّ الخلافة في قريش.
وأمّا الشعب في لغة القرآن فهو النسب البعيد (من جهة الآباء فقط) الذي يضمّ عدداً من القبائل، كالقحطانيّين والعدنانيّين وبني إسماعيل.
والله تعالى أعلم.

مصادر

[١] صحيح البخاري (٣٦٦٧).
[٢] شكل التعدد السياسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق