سبق أن الأصل في السياسة الشرعية الإرسال والإباحة إلا لنص، وما كان كذلك فإن دائرة اشتراك الناس فيه أوسع من دائرة الفوارق.
فكل المشروبات مثلاً حلال إلا الخمر والضار من السموم ونحوها، والسموم الضارة مشتركة، ففرق المُسلمين من غيرهم في المشروبات الخمر فقط.
ولكن أثر الفوارق القليلة عظيم، فكمية قليلة من السم القاتل قد تفسد الطعام الكثير.
فمثلاً الفرق لا يكاد يذكر بين النظام الصيني والغربي في إدارة شؤون الناس، ومع ذلك أثره كبير، وذلك بدءاً من الإدارات الدنيا كالمرور إلى الإدارات العليا كالوزارات والجيش والنظام الحزبي، فالفرق يكاد لا يتعدى الأحادية الحزبية في النظام الصيني والحزبية المتعددة في الغربي، وكلاهما حزبي.
للتَّشْوَقِيَّة إحدى عشرة ميزة على الديمقراطية الوضعية وآلياتها المُعاصرة، وبعض هذه المميزات متداخلة، فصلتُ بعضها في قسم خاص لإبرازها وتأكيدها.
والتَّشْوَقِيَّة مبنية على الشرع كما سبق، فهي مجرد آليات للمباديء التي قررها العلماء.
مميزات التَشْوَقِيَّة الإحدى عشرة على الديمقراطية الوضعية هي؛
- الترشيح والانتخاب الهرمي.
- الترشيح من الغير، فيُمنع الترشُّح وترشيح عضو نفس المنظمة المشكوك في سعيها للسلطة.
- الانتخاب الدوري المفتوح.
- فصل السلطة السيادية.
- تعدد سياسي في شكل جماعات نصح لا تسعى لسلطة.
- تحقيق الرؤى السياسية بالاستفتاءات وليس بالتحزب.
- منع التحزب السياسي المتنافس على السلطة.
- تحديد وظيفة رؤوس أهل الشوكة في السياسة.
- تَشْوَقَةُ المؤسسات النظامية.
- ضوابطٌ للنصح والتقويم.
- حَل النظام بالمجالس الحَلْقدية لا الثورات الجماهيريّة.
طريقة الانتخاب الهرمي تصعيدية، فلا يصوت عامّة المُسلمين إلا لمجالس حَلْقَدِية قاعدية فقط، ثم تُصعِّد هذه المجالس أعضاء منها إلى مجالس أعلى فأعلى حتى المجلس الحَلْقَدِي الاتحادي (البرلمان).
ويختار البرلمان الاتحادي عدداً إضافياً من المختصين لعضويته يرشحهم رؤساء البرلمانات الولائية، وذلك بسبب أن توزيع المختصين جغرافياً غير متساوٍ في العادة.
ولا تكفي قدرة عامة الناس على حسن الاختيار، فلابد من درء خطر اللوبيات السرية الداخلية والعميلة، ولتحقيق ذلك يُضبط الترشيح بالمحاكم الدستورية، والتي تنظر في الطعونات لا سيما طعونات الاستخبارات العامة والعسكرية والشرطية.
ويفيد هذا الضبط أيضاً في التحقق من توفر شروط أهل الحل والعقد في أكبر عدد ممكن من المُرشحين.
وليس هذا تحايل، لأن المجلس الحلقدي المُنتخب هو من يختار المحكمة الدستورية العُليا ورئيس البلاد الذي يختار بدوره قيادة أجهزة الاستخبارات.
أهم فوائد الترشيح والانتخاب الهرمي؛ منع خداع الناخبين، ومنع احتكار السلطة؛ وذلك لأنَّ معرفة الناخب القريبة بالمرشح تُغني عن الحملات الانتخابية الإعلامية التي يحتكرها مالكو المال والإعلام، فالدعاية الانتخابية في الانتخاب الهرمي مباشرة مثل التسويق المباشر، وتزكية الناس أبلغ من تزكية الشخص نفسه.
ومن فوائد الانتخاب الهرمي؛ تسهيل إدارة الانتخابات، وكشف التزوير، والقدرة على التقسيم لداوئر انتخابية صغيرة حقيقة لما فيه من فصل، فحجمها الصغير ليس لمجرد تسهيل الإجراءات.
أهم فوائد منع السعي الفردي والجماعي للسلطة؛ الحد من أسباب التنازع لأن الولايات محدودة ومهمة؛ فالرئيس واحد، وكذا رئيس الوزراء ووزير الصحة وحاكم الولاية، وهكذا، وكلما قل المُتنافس عليه وزادت أهميته وطلبه زاد الصراع عليه.
والصراع على السلطة هو كالصراع على الموارد المحدودة المهمة، بل هو أشد لأنه صراع على السلطة إضافة للصراع على الثروة وأهم الموارد.
ومن فوائد منع لسعي الفردي والجماعي للسلطة؛ الحد من أسباب تغليب المصالح الشخصية والحزبية لما في طلب الولاية من حرص على السلطة والثروة، وبيان الكفاءة بخدمة الناس لا بالوعود، والحد من الحسد والبغي، فما أحب أحد الزعامة إلا حسد وبغى.
وطلب الأحزاب الولاية أضر لأن حقيقته هي طلب أفراد يتقوون بأحزابهم.
أهم فوائد الانتخاب الدوري المفتوح؛ تقديم أهل الخبرة والكفاءات المجربة، وضمان استمرار المشاريع.
أهم فوائد فصل السلطة السيادية عن التنفيذية الخدمية؛ حفظ هيبة السلطة السيادية، وذلك لما في الارتباط بمعاش الناس مباشرةً من التعرض لكثرة النقد، ومن فوائد الفصل؛ ضبط وتيسير إدارة الدولة.
أهم فوائد شكل التعدد السياسي؛ تشجيع التنافس في الخير ومصلحة البلد، وإثراء النظام من خلال تباين وجهات النظر السائغة، والجهد الجماعي المنظم أبلغ في خدمة الآراء السياسية، وأبلغ عند الحاجة في الضغط على صناع القرار لإجراء استفتاء عام أو تخصصي حول رؤى سياسية.
أهم فوائد تحقيق الرؤى السياسية السائغة باستفتاءٍ عام أو تخصصي وليس بالتنافس الحزبي؛ الاختيار الحقيقي لرؤى الناس ورؤى من يثقون فيهم من المختصين، لأن الاستفتاء يُجرى على كل رأي مختلف فيه.
وأما طريقة التنافس الحزبي، فقليلٌ من يقرأ ويعرف تفاصيل برامج الأحزاب، ومن يعرفها بتفاصيلها فإنه قد يختار حزباً لموازنات شخصية ضيقة كتخفيض الضرائب، والأحزاب تدرس فئات المصوِّتين، وللفوز قد تركز على بعضهم بالطرق على أمر واحدٍ كتخفيض الضرائب.
أهم فوائد منع التحزب السياسي؛ الاستقرار السياسي، ووحدة الأمة سياسياً بلا حزبية أحادية متجبرة ولا تعددية حزبية متصارعة مؤدية إلى الفشل، ومنع التدخلات الخارجية عبر اللوبيات الحزبية.
ومنع التحزب مع السماح بجماعات النصح يعني تحويل التعدد السياسي من حزبي تنافسي على السلطة إلى جماعي تنافسي في الخير ومصلحة البلد، فهو بديل نافع لأمرٍ ضرره أكثر من نفعه، وهو يحوي ما في المُبدل منه من منافع.
أهم فوائد تحديد وظيفة رؤوس أهل الشوكة في النظام السياسي؛ حماية الأنظمة االتَّشْوَقِيَّة من الانقلابات العسكرية، وضمان اتخاذ القرارات الصحيحة المتعلقة بالأمن والحرب والسلم.
أهم فوائد تَشْوَقَة المؤسسات النظامية؛ الحد مما في بعض القادة العسكريين من تسلط وتدريبهم على التَّشْوَقَة.
من ضوابط النقد؛ ألا يُعلن إلا عند الحاجة وفي حضور المُنتقد، والحضور حُكمي بالوسائط الحديثة في المسائل الظاهرة كما في وسائل التقويم الحديثة، ويُشترط في المسائل الخفية تمكن المُنتقد من الدفاع عن نفسه وقراراته في نفس الجلسة لكيلا يطير نقده كل مطير، فقد يكون له عذر شرعي.
من فوائد ضوابط النقد؛ حفظ هيبة السلطات وحقِّها في الدفاع عن قراراتها، ودرء الفتن وحفظ وحدة البلاد، وتسهيل محاكمات جرائم المعلومات.
وفائدة حَل النظام الفاسد بالمجالس الحَلْقدية لا الثورات الجماهيريّة؛ تغيير الأنظمة الفاسدة دون تعريض البلاد للفوضى والصراع وتدخل الأجنبي.
وفي التشوقة قطع الطريق على الدول المُستكبرة التي تضغط على المسلمين بدعوى الديمقراطية، فيمكن إلزامهم بأن التشوقة أفضل في تمثيل الشعوب واختيار رؤاهم ورؤى من يمثلهم من أهل التخصص، وأن فيها تعدد سياسي أفضل من التعدد الحزبي.
في المثال : فكل المشروبات مثلا حلال الا الخمر والضار ...
ردحذفتم التصحيح، جزاك الله خيراً.
حذف