يردد بعض السياسيين في تقليد أعمى ما يدعيه البريطان من أنهم هم من نشر النظام البرلماني الشوري في العالم.
وما خلفه الاستعمار هو النظام الحزبي، وأما الأنظمة الشورية النيابية والمُباشرة؛ فمعروفة منذ القدم.
لم تكن الأحزاب السياسية معروفة في العالم قبل أكثر من ٣٤٢ سنة، وأول الأحزاب السياسية نشوءاً كانت في بريطانيا، وهما حزب المحافظين وحزب اليمين، وكان ذلك عام ١٦٧٨م.
وقد نشأت الأحزاب في السودان أيام الاستعمار، وأول حزب نشأ في السودان هو حزب الأمة عام ١٩٤٥م، ثم تلاه الحزب الشيوعي عام ١٩٤٦م.
والبرلمان إنما انتشر كمصطلح فقط بالاستعمار، فكلمة البرلمان يقال أنها مأخوذة من كلمة فرنسية قديمة؛ parler وتعني الحوار والنقاش، وهذه مفاهيم معروفة منذ القدم.
فالشورى المباشرة كانت معروفة، وذلك بنحو رفع الأيدي ووقوف المؤيدين لمُرشح قريباً منه لمعرفة الأكثر تأييداً بمجرد النظر دون الحاجة إلى عد الناخبين، وهذه طريقة قبيلة الدينكا في جنوب السودان في اختيار رئيس القبيلة.
ووُجد كذلك النظام التمثيلي النيابي بنحو العرفاء والمجالس الشورية العليا (البرلمانات).
والشورى المُباشرة تصلح فيما يُستفتى فيه العامة وفي المجتمعات الصغيرة بدوية كانت أو حضرية، ولا تزال توجد في الاستفتاء العام وفي قبائل بدائية وكل مجتمع صغير في الاجتماعات محدودة العدد.
والمجتمعات الكبيرة المُعقدة لابد لها من نظام تمثيلي نيابي إضافة إلى الشورى المباشرة في نحو الاستفتاءات القومية واستبيانات الرأي العام.
وما يُعرف بالديمقراطية الأثينية اليونانية هي أول شورى مُباشرة موثقة وليست أول شورى مباشرة مطلقاً، فربما وجدت شورى مباشرة قبل الأثينية لم توثق.
بل هذا ما يغلب على الظن، وذلك لأن مثل هذه المباديء غالباً ما تكون من بقايا تعاليم الرسل في المجتمعات، فلا يصح ادعاء الغربيين بأن الشورى المباشرة أو النيابية بدأت في بلادهم.
من أمثلة الشورى النيابية التمثيلية عند العرب نظام العُرفاء.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين أذن لهم المسلمون في عتق سبي هوازن: (إني لا أدري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم)، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه أن الناس قد طيبوا وأذنوا) [١].
ويُرجع الغربيون والبريطان سبب نشوء الديمقراطية الغربية المُعاصرة إلى الماغنا كارتا أو العهد الأعظم، وذلك لأنه حدَّ من التفرد الملكي بالسلطات رغم أنَّ مصلحته كانت خاصةً بالنبلاء أو الأحرار.
وقد صدر العهد الأعظم عام ١٢١٥م في عهد الملك البريطاني جون بعد خلاف بين الملك وبعض النبلاء، ثم أعيد تبنيه في عهد ابنه الملك هنري.
ومن مقتضيات الميثاق الأعظم؛ مطالبة الملك بالقبول بأن حريته لن تكون مطلقة، وأن يوافق علناً على عدم معاقبة أي رجل حر إلا بموجب قانون الدولة.
وقد كان ملوك النصارى في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية يزعمون أنهم يستمدون حكمهم من الله وأن الحوار والنقاش هو منة ومنحة من الملك وليس حقاً، وقد كان للملك مجموعة من المستشارين المقربين.
علماً بأن ملوك المملكة التركية المُسلمين في تلك الفترة لم يدعوا تلك الصلاحيات التي أزاحتها وثيقة العهد الأعظم.
ومع ذلك يردد بعض سياسيينا أن الديمقراطية (يعنون الأنظمة الشورية) بدأت بما يعرف بالماغنا كارتا!
والحقيقة التي لا ريب فيها أن الأنظمة الشورية معروفة منذ القدم، وأما الاستعمار فخلف أسوأ تجربة عرفتها البشرية على الإطلاق، وهي النظام الحزبي، وقد ثبت سوء هذه التجربة في العالم أجمع، بل هي لم توضع إلا للعب على الشعوب، فهي لعبة قذرة كما يسميها أصحابها.
المصادر
[١] صحيح البخاري (٧١٧٦).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق