الفصل الثامن؛ تجارب الديمقراطية الحزبية

بعض مباديء الديمقراطية الحزبية جيدة، ويتمثل ذلك في أمرين؛
١. ما فيها من مبادئ صحيحة.
٢. ما فيها من مبادئ توافقية.
والمباديء التوافقية هي التي يجوز للمسلم أن يقر غيره عليها لا أن يقر بها، وهي المباديء القائمة على الصلح الوطني تخفيفاً للشر أو تحقيقاً للأصلح أو دفعاً للأضر.
بل كل الأيدلوجيات في الأنظمة الديمقراطية الحزبية تقر غيرها على مسائل ولا تقر بها.
وأما من ناحية تطبيقية، فلا تستقر إلا الديمقراطية الحزبية المدارة في الخفاء، ونظام الأحزاب الإداري مبني على سرية قيادية عبر نظام الخلايا الهرمي، فهي لوبيات سرية علنية.
وذلك لأن الديمقراطية الحزبية الحقيقية مثالية غير واقعية، وهي مجرد أمانٍ وأحلام.
فكل الديمقراطيات الحزبية المستقرة مدارة في الخفاء، وأذكر الأمثلة التالية ثم أتناول كل مثال في مبحث خاص.
النظام الماليزي استقر وحقق نجاحات لثلاثة أسباب؛ أنه هجين ملكي ديمقراطي حزبي، أن الحزب المسيطر على المشهد السياسي واحد منذ الاستقلال، وأن هذا الحزب حظي بشخصية فذة هي مهاتير محمد.
التجربة الغربية عموماً مدارة من قبل اللوبيات الصهيونية.
التجرية البريطانية مدارة بلوبيات، ونظامها هجين ملكي ديمقراطي حزبي، الأسرة المالكة فيه عضو في اللوبيات.
التجربة الهندية سيطر على المشهد السياسي فيها حزب المؤتمر الوطني منذ الاستقلال بمشاركة حزب بهاراتيا جاناتا في دورات قليلة، مما يشير إلى أن حزب المؤتمر الوطني هو المسيطر على الشوكة والمال، وهو الذي يدير النظام الديمقراطي الحزبي في الهند، ومما ساعد الحزب على الاستقرار قيادة أسرة واحدة له، فما بين الأسرة من رحم يقلل الخلاف وأثره السيء.
فبالنظر إلى هذه التجارب البشرية والتجارب الفاشلة في دول أخرى كالسودان، إضافة إلى ما ذكرتُ من أدلة شرعية وعقلية، يمكن أن نخلص إلى التالي.
لا يوجد نظام سياسي فيه اعتبار المباديء السابقة الصحيحة والتوافقية نظرياً وعملياً وبصدق إلا المبني على الشرع كالنظام التشوقي.
فالديمقراطية الحزبية كذب وغش أو لعبة قذرة كما يحلو لأصحابها تسميتها.
وقد مكنت ظروف بعض الدول من إدارة جهات معينة لنظامها الديمقراطي الحزبي.
ففي ماليزيا؛ الحزب المسيطر كان هو الوحيد أيام الاستعمار، وكان هو صاحب الفضل في الاستقلال، وواضح أنه على توافق مع السلاطين والملوك المسيطرين على الشوكة والمال.
وفي الهند؛ حزب المؤتمر الوطني لا تزال تسيطر عليه أسرة غاندي ونهرو الذين كان لهما فضل في الاستقلال، وواضح أن حزب المؤتمر الوطني تمكن بعد ذلك من السيطرة على الشوكة والمال.
وفي الغرب؛ اللوبيات هي التي أدارت الثورات الغريية ضد تسلط رجال الدين المُحرف النصراني، وقوة الغرب الاقتصادية والعسكرية تمنع أعداءهم من اختراق أحزابهم أو رشوتها كما يحدث في بعض الدول.
وأما في البلدان التي لم تستقر فيها الديمقراطية الحزبية؛ فتلك الظروف غير متوفرة فيها، ولن ترضى قوة سياسية بتهميشها لصالح ديمقراطية مدارة من قوة أخرى.
ولما رأى الحزبيون من سياسيينا أثر التحزب السيء، أخذوا ينادون علناً دون حياء بالحد من عدد الأحزاب، مع أنهم يعلمون أن هذه دعوة مخالفة للمباديء الديمقراطية، فإما أن يكون التحزب غير مشروع أو تكون هذه الدعوة ديكتاتورية مغلفة.
والحد من عدد الأحزاب إلى حزبين كبيرين فقط لن يؤدي إلى استقرار إلا إذا كان الحزبان مُدارين، وذلك للأهمية البالغة للوظائف السياسية العليا لا سيما السيادية.
وقد نجحت الدول التي تدعي نزاهة اختيار شعوبها في الحد من عدد الأحزاب بتلاعب في تمويلها، ففي السويد مثلاً الدولة تدعم الأحزاب بقدر عدد أعضائها في البرلمان، مما يعني الاستمرار في الفوز مرة بعد مرة، وذلك لاعتماد النظام الانتخابي غير الهرمي على الحملات الانتخابية التي تعتمد مباشرة على المال.
وإذا كان الحزبيون يصرحون بأن النظام الديمقراطي الحزبي من مخلفات الاستعمار، فكيف يجتمع استعمار واختيار حقيقي للناس المستعمَرين؟
وأما الدول التي نالت استقلالها بهذا النظام، فتلك خطة المُستعمر للتحكم في تلك الدول عبر النظام الحزبي الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويجعل تلك الأحزاب المتصارعة على السلطة سهلة القياد خاصّة مع الضعف الاقتصادي.
فالنظام الحزبي هو السبب المباشر في عدم الاستقرار السياسي وبالتالي الفشل، وأما الدول التي فيها هذا النظام مع استقرار فلحيل فيها، انظر في هذا الفصل مباحث؛ تجربة الغرب عموماً وبريطانيا خصوصاً وماليزيا والهند.
ولهذا فإن التشوقة تدعو إلى تحويل الأحزاب إلى جماعات نصح بمطالبة صناع القرار بمنعها من المُحاصصات والترشيحات، وذلك عبر استفتاء قومي عام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق