فقه الشيخ الهدية وأنصار السنة

رجوع إلى قسم شبهات وردود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
يذكر بعض الإخوة مسائل فقهية معينة يدعون أن الشيخ الهدية رحمه الله خالف فيها جماعته، وأن الشيخ كان على فقه صحيح فيها، غير أن القول بأن بعض المسائل التي خالف فيها بعض أنصار السنة مشايخهم كانت سائدة في الجماعة قول يفتقر إلى دليل، فالجماعة مترامية الأطراف في العاصمة والأقاليم، وتجربة ضيقة في منطقة لا ينبغي أن تطلق بهذا العموم.
ولو صح أن أغلب الجماعة كانت تخالف شيخها في بعض المسائل؛ فهي مخالفة في مسائل فقهية ظنية لا ذم فيها، وإن جزم بعضهم برأيه فلا يعاب إلا إذا كان معتداً برأيه أو جاهل يكثر من الجزم في غير محله، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب من تمتع بالعمرة إلى الحج، والحق كان في خلاف ما جزم به، فحدث الجزم في غير محله من بعض الصحابة والأئمة ولا يزال يحدث من علماء مع علمهم جميعاً بأنه لا يجوز الجزم في غير محله.
وهؤلاء الإخوة يطلقون القول بأن كل الجماعات الإسلامية بحاجة إلى مراجعات، ولا شك أن هذا صحيح، وأن إجماع سلفيي قطر بكامله ليس بإجماع فضلاً عن جماعة سلفية في قطر من الأقطار، ولكن لا يصح التسوية بين أخطاء السلفيين وأخطاء الجماعات المنحرفة في منهج الدعوة والإصلاح وكثيرٍ من مسائل المعتقد عن منهج الرسل ومنهج أهل السنة والجماعة، ثم إن التجربة قد دلت على أن معالجة الأخطاء في الجماعات السلفية أمرٌ سهل ويسير لأنها تربي أفرادها على الدليل والحجة والبرهان، ولاهتمام السلفيين بالعلم ورد الشبه، ولأن الأصل في أصحاب المنهج الصحيح السلامة من الأهواء، ومن لم يجد قبولاً لرأيه عند السلفيين فهو إما بسبب أنه خطأ أو لعدم إحسانه الاستدلال على القول.
فأغلب أنصار السنة يوافقون شيخهم الهدية رحمه الله تعالى في المسائل التي يذكرونها، ومنها؛ الانفتاح على المجتمع، المصافحة ليست من الكبائر، تقديم التوحيد والأولى على ما دونه مثل إعفاء اللحية والمأتم، النقاب والتصوير وقيادة المرأة للسيارة مسائل ظنية، قبول أفراد الجماعة تولي وظائف سياسية عليا في الدولة من غير ترشيح ولا محاصصات ولا تمثيل للجماعة، للمزيد؛ مدونتي » إصلاح » الإصلاح السياسي الأصلي والاستثنائي » ترشيحات ومحاصصات المنظمات المدنية.
وليس صحيحاً ما يدعيه هؤلاء الإخوة من أن أنصار السنة يشترطون شروطاً غير شرعية لعضوية جماعتهم، ولعل هؤلاء الإخوة أرادوا التوسع في العضوية كما تفعل بعض الجماعات المنحرفة في منهج الدعوة والإصلاح، فالتنظيمات المقصود بها الإصلاح، وإذا  كان أعضاء التنظيم لا يختلفون عن غيرهم من المسلمين، فكيف للتنظيم أن يُصلح؟
وأما تقوية الإسلام بعموم المسلمين بمن فيهم الفساق فهو أمرٌ مطلوب، ويمكن أن يتم ذلك مع وجود شروط معينة لعضوية الجماعات الإصلاحية، ولن يكون التنظيم قوياً ولا ناجحاً ما لم يشترط شروطاً معينة في عضويته أقلها اتفاق العضو مع التنظيم في منهج وطريقة الإصلاح خاصة ما يتعلق بالمسائل العقدية والأصولية وإلا كان سهل الاختراق وتغيير منهجه.
والأصل تقديم العدل على الفاسق في الشهادة والقضاء والولايات ونحو ذلك، والفاسق هو من يجاهر بالكبيرة أو من اشتد نتن كبيرته حتى ثبتت بالقضاء الشرعي ولم يتب {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، والإصرار على الصغيرة كبيرة، وأكثر القواعد يدخلها الاستثناء، فعند التعارض والتزاحم والموازنات قد يقدم الفاسق على الطائع، ومن الاستثناءات ما يتعلق بالتدرج في الإصلاح، ولكن هذه الاستثناءات ونحوها خلاف الأصل.
ومما يؤكد أن ترتيب الأولويات والتدرج مع الناس كان فقهاً سائداً في كل أنصار السنة؛ أنهم لم يشترطوا للعضوية في بداية الدعوة التخلي عن عضوية الأحزاب السياسية، ومن ذلك أن بعض إداريي الجماعة فضلاً عن عضويتها في العاصمة والأقاليم كانوا في بدايات الدعوة يحلقون لحاهم فضلاً عن تخفيفها، وبعض هؤلاء قد لا يزال في القيادة إلى يومنا هذا إما موازنةً أو لسبقهم وحاجة الناس إلى خبرتهم وحكمتهم.
وأذكر أن من نقل إلينا في مدينة الأبيض ذم من يأخذ الشاذ من لحيته هو الشيخ عثمان محمد عثمان رحمه الله، وقد تبعه في ذلك البعض حتى وصل الأمرُ بقلة منهم إلى الثورة على الإدارة، والصحيح عدم جواز حلق اللحية ولا تقصيرها مع جواز أخذ الشاذ وما زاد عن القبضة|.
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: (لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ، قال: فقيل لمالك: فإذا طالت جداً؟ فإن من اللحى ما تطول، قال: أرى أن يؤخذ منها وتقصر)، المصدر؛ التمهيد لابن عبد البر.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وأما إعفاء اللحية فإنه يترك، ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره، نص عليه كما تقدم عن ابن عمر، وكذلك أخذ ما تطاير منها)، لمعرفة المصادر وقراءة المزيد؛ مدونتي » أحكام » حكم الأخذ من اللحية.
فنحن في جماعة أنصار السنة المحمدية كما تعلمنا من مشايخنا في نجد والحجاز تعلمنا أولاً من مشايخنا في السودان ومنهم أبوزيد والهدية رحمهما الله تعالى، بل نرى أن جهادهم وما لاقوه من بلاء في سبيل التوحيد والسنة يفوق غيرهم، وكلهم مشايخنا، ولا نقبل أن يقال بأن جماعتنا تخالف مشايخها، بل هم أئمتنا في أصل الدعوة إلى التوحيد والسنة وترتيب الأولويات في ذلك والإصلاح والحكمة وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثيرٍ من مسائل الفقه.
فالشيخان الهدية وأبوزيد رحمها الله تعالى من مشايخ  السلفيين جميعاً في السودان بمن فيهم من لا ينتسب إلى جماعة أنصار السنة المحمدية، ولا يطعن فيهما إلا جاهل بحالهما أو متهور مسيء لنفسه، كناطح صخرة يوماً ليوهنا فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل، ومن أشاع قديماً عن شيخنا أبوزيد رحمه الله تعالى أنه قال الصوفية أحبابنا تراجع، ومن حاول الطعن فيه بسبب خطأ في زعيم الخوارج تراجع أيضاً {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
وعلى من يتعاونون مع غيرنا في عمل سياسي أو دعوي أو تعليمي أو خيري ألا يجالسوهم، وفرق بين الجلوس المتكرر كالجلوس في فصل الدراسة أو المجلس الوطني وبين المجالسة للمؤانسة والصداقة الخاصة، فالأول مخالطة وهي مأمور بها، ومجالسة المبتدعة والكفار والفساق منهي عنها، وهي تؤثر ولو بالقليل؛ (إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة)، فأقل تأثير هو إيغار الصدر بتعظيم أخطاء السلفيين وتقليل شأن انحرافاتهم وبدعهم.
ومعلوم أن أهل البدع هم من يجعل تلك المسائل في مرتبة أعلى من مرتبتها، لأنهم يريدون إرضاء المجتمع، والحقيقة هي أنهم هم من لا يهتم بالأولويات، فالتوحيد أهم أوليات الدين، غير أنهم يظنون أن الأولوية هي إرضاء الناس لأجل وحدة متوهمة.
والإخوة الذين يمدحون الشيخ الهدية رحمه الله تعالى بشيء من الذم لجماعته لا يخلو حالهم من أحد أربعة أمور، وهي؛ إما خطأ في الحكم على الجماعات المخالفة في منهج الدعوة والإصلاح، أو التأثر بمن يجالسونهم من هذه الجماعات، أو محاولة إرضاء هذه الجماعات بتعظيم أخطاء السلفيين والتقليل من عظائم أهل البدع، أو مدح أنفسهم بادعاء أنهم من القلائل الذين يوافقون شيخ الهدية في فقهه الصحيح.
فقبل فترة قرأت لأحدهم ادعاءٌ بأنه أول من قدم برامج في جهاز التلفاز من جماعة أنصار السنة المحمدية! علماً بأن الناس تعرف أن أول من قدم برنامجاً في التلفاز هو الشيخ أبوزيد محمد حمزة رحمه الله تعالى في مناظرة له شهيرة مع علي زين العابدين الصوفي والتي كانت سبباً لأكبر تحول في تاريخ الجماعة، وكان ذلك في السبعينات من القرن الماضي.
ومن يطعن في إخوانه ﻹرضاء خصومهم أشد الناس ضرراً لأن العوام يحملون كلامه محمل؛ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا}، ولما يسببه طعنه في ظهر إخوانه من إضعاف الولاء لحملة الدعوة، ولهذا قال ابن عون فيما رواه عنه ابن بطة رحمهما الله تعالى: (من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع)، وتقدم أن مخالطة الناس مأمور بها، بينما مجالسة المبتدعة منهي عنها، وأن المجالسة هي الوارد النهي عنها في حديث مثل الجليس الصالح والسوء.
والهوى الخفي يعرض لكل عامل، قال الله تعالى ذكرُهُ: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ}، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحدًا يريد الدنيا، حتى قال الله ما قال)، والهوى الخفي عارِض كغيره من المعاصي التي تكفر بالتوبة والاستغفار، والخفي لا يشعر به صاحبه بزيادة نية الدنيا على نية الآخرة، والنية القليلة للدنيا التي لا تساوي نية الآخرة ولا تزيد عليا لا تفسد العمل الصالح.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة، أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين) [1].
والصحيح في الجماعات المنحرفة في منهج الدعوة والإصلاح عن منهج السلف؛ أنها جماعات بدعية، ولكن لا يبدع كل من انتسب إليها، لأن بعض من ينتسبون إليها مخالفاتهم جزئية لا تعود على أصل بالنقض، ولكن ينظر في حال المخالف في الجزئيات، فيفرَّق بين مجرد الزلة وجعلها أصلاً في الدعوة أو عقد الولاء والبراء عليها أو تكفير المسلمين بسببها واستحلال دمائهم وأعراضهم وأموالهم كما تفعل الخوارج، وكذا يفرق بين صاحب العلم والفضل وغيره بقاعدة إذا بلغ الماء القلتين ودليل ذلك؛ (إنه شهد بدراً)، وكتبتُ رداً على من يزعم أن وجود هذه الجماعات ظاهرة صحية في؛ مدونتي » شبهات وردود » الإخوان بين اليوسف والمدخلي وأنصار السنة.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
يوم الجمعة 12 ذو القعدة 1438هـ، الموافق 4 أغسطس 2017م

المصادر

[1] منهاج السنة النبوية (ج4/ص543)، تحقيق؛ محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1406 هـ - 1986م.

رجوع إلى قسم شبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق