أفي السودان (الكوشيين) رسول؟

رجوع إلى قسم ثقافة ومعارف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سؤال ساخر يُطرح مزاحاً أحياناً، والمزاح بهذه الطريقة مستقبح.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾.
ولم يكن اختيار الله تعالى لبني إسرائيل عندما كانوا مسلمين لنسب بينه وبينهم؛ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾، وإنما كان بعلمه وحمكته؛ ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ .
العرب تقول السودان والبيضان وتعني القوم السود والقوم البيض، فإذا أرادوا أرضاً قالوا بلاد السودان.
ولم يُطلق السودان على بلد قبل الحكم التركي (١٨٢١-١٨٨٥م).
وكان السودان قبل ذلك ينقسم إلى مملكة سنار العربية الإسلامية (١٥٠٤-١٨٢١م)، وسلطنة دارفور الإفريقية الإسلامية (١٦٠٣-١٨٨٦م).
على قول صاحب كتاب «تاريخ وأصول العرب في السودان»؛ فإن أول من سمى السودان باسمه الحالي هو محمد علي باشا الألباني عام ١٢٤٠هـ - ١٨٢٤م [١]، وذلك بعد استيلائه على مملكة سنار وضمها لملك الأتراك، ثم استولى على مملكة دارفور.
وكان يطلق على بعض السودانيين قبل ذلك السنانير، نسبة إلى مملكة سنار والتي عرفت أيضاً بسلطنة الفونج والسلطنة الزرقاء.
من الإسرائيليات أن أبناء نوح عليه السلام ثلاثة، وهم؛ حام وسام ويافث.
واختلفوا في أمم اليوم، فقيل العرب والفرس والروم ساميون، والهنود والشاميون والمصريون والبربر والنوبة والزغاوة حاميون، والترك والمغول والصقالبة يافثيون.
ويظهر من سحنات الناس أن أصولهم ثلاثة، سود كالأفارقة، وزهر كالأوربيين، وبيض كالصينيين، والبقية خليط إما؛ من سود وبيض كالهنود، أو من زهر وسود كالعرب، أو من زهر وبيض كالترك.
وفي الحديث؛ (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وهذا ينصرف أصالةً إلى ما لا نصدقه ولا نكذبه، ولعل حكمة ذلك أنه قد يثبت بالبحوث والآثار.
ونوح عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية؛ ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾، وعليه يحمل معنى؛ ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾، وذلك بموت من كان معه دون عقب.
 وإذا صحت روايات بني إسرائيل فإن سحنة إبراهيم عليه السلام وذريته رومية (أوروبية)، يرجح ذلك ما ورد في السنة من أنه أقرب الأنبياء شبهاً بالنبي ﷺ، وأن النبي ﷺ كان أزهر اللون كما في الصحيحين، والأزهر هو الأبيض المشرب حمرة كما ورد التصريح بذلك عند الحاكم، وهو لون الرومان الذين تسميهم العرب بنو الأصفر.
وقد قال الشهرستاني رحمه الله عن الرومان أنهم من أولاد العيص بن إسحق بن إبراهيم، وإبراهيم عليه السلام من بابل في العراق.
وقد ورد في الصحيحين عن لون موسى عليه السلام أنه آدم، والآدم هو شديد السمرة، وبما أنه من بني إسرائيل، فشدة السمرة قد تكون بسبب اختلاط للإسرائيليين بالسود.
وأقرب السود إلى مصر هم النوبة، والنوبة الأوائل شديدو السمرة، بخلاف نوبة شمال السودان وجنوب مصر اليوم، والذين قال عنهم ابن خلدون والمقريزي بأن جهينة غلبتهم على مزارعهم ومساكنهم، مما يدل على أن اختلاطهم بغيرهم كثير، يرجح ذلك شدة سمرة النوبة الأصليين الحاليين، وهم ست قبائل من نوبة جبال النوبة في ولاية كردفان في السودان.
تعليقاً على رواية البخاري؛ (وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزُّط)، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: (قول: كأنه من رجال الزط؛ بضم الزاي وتشديد المهملة جنس من السودان)، يعني السود.
وقيل عن مجمع البحرين أنه مقرن النيلين في الخرطوم، فقد ورد عن بعض المفسرين أنه بإفريقية، وقيل غير ذلك.
وقد يرجح أنه مقرن النيلين أن مجمع اسم مكان من الجمع، فلو كان المقصود مصب النيل لقيل ملتقى البحرين لأن ملتقى من اللقاء.
وذكر ابن كثير أن سحرة فرعون من السودان، وهم الذين؛ ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، وقيل غير ذلك.
وفيما صح في لون موسى عليه السلام تكذيبٌ لمن يزعم من اليهود والنصارى أن كل أبناء حام سوداً وبيضاً عبيد.
فمن الإسرائيليات أن أبناء حام هم؛ كوش جد السودان كالنوبة والبجة والزغاوة، ومصرايم جد المصريين، وكنعان جد الشاميين، وفوت جد الأمازيغ.
ترجع قصة استعباد الحاميين عامة والسود منهم خاصة إلى قصة في الكتاب المقدس فيها أن حام بن نوح أخطأ فلعن نوح كنعان بن حام! ودعا عليه بأن يكون نسله عبيداً، ثم زعم بعض شراح الكتاب المقدس أن لون السود يعود إلى تلك اللعنة.
ومما يكذب هذه القصة من الكتاب المقدس أن الإنسان لا يعاقب بفعل غيره، فكيف يكون المخطيء حام ويلعن ابنه كنعان؟
ومما يكذب تفسير سواد كوش باللعنة من الكتاب المقدس أن زوجة موسى عليه السلام كوشية، والرواية المختلقة تدعي أن الملعون هو كنعان بن حام وليس كوش بن حام!
واليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار، ويكثرون من استخدام عبارة أعداء السامية (anti semitism)، وقد نزعت الخيرية منهم.
ولم يثبت تفضيل الساميين، ولم يثبت أن أبناء نوح عليه السلام هم سام ويافث وحام، فالأحاديث فيهم ضعيفة، وما نقل عن السلف فيهم كابن عباس رضي الله عنهما هو من باب التحديث بالإسرائيليات.
والاختلاط في البشر كثير، فالنبي ﷺ من العرب المستعربة لأن إسماعيل عليه السلام غير عربي وزوجته عربية، فوالده إبراهيم عليه السلام من بابل بالعراق، وأمه مصرية وليست عربية.
واليهود اليوم ينتسبون إلى الأسباط الاثني عشر (يوسف عليه السلام وإخوته الإحدى عشر)، ومع ذلك سحناتهم مختلفة، فلعل ذلك بسبب كثرة اختلاطهم بغيرهم من الأمم بعد تشردهم. 
فترى في اليهود صاحب السحنة الأوروبية والعربية والحبشية، فاليهود الفلاشا الذين هاجروا من إثيوبا شديدو السمرة، مما قد يدل على كثرة اختلاطهم بأهل إثيوبيا.
وعلى افتراض صحة أن أبناء نوح عليه السلام الذين من نسلهم البشر اليوم هم الثلاثة؛ فإن زوجاتهم اللاتي هن أصول البشر اليوم قد يكن كثر، ولا يبعد أنهن من أحفاد نوح عليه السلام بحيث يكن بنات عمومة أو خؤولة نازلات لأزواجهن.
ولا يبعد أنهن من غير نوح عليه السلام، وأن البشرية اليوم اعتُبرت ذرية نوح عليه السلام من جهة أن النسب إلى الآباء، فلا شك أن نوحاً عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية.
وقد يكون سبب حصر الروايات عند أهل الكتاب في الأرض المقدسة وما حولها كالشام ومصر إلى السودان الحالي؛ قلة البشر في عهد نوح عليهم السلام وتمركزهم في تلك البلاد.
وقد يكون السبب أن كل رسول كان يرسل إلى قومه خاصة، فأطلعهم الله تعالى على أنسابهم وأنساب من اختلطوا بهم من الأمم القريبة من بلاد الشام. 
وليس بين الله تعالى وبين خلقه نسب، يختار من يشاء بعلمه وحكمته البالغة، وقد نزع الخيرية من بني إسرائيل بعدله، فبعض الصفات الحميدة سلاح ذو حدين كالقلم يكتب به الخير والشر.
ولما جعل الله سبحانه وتعالى رسالة آخر الزمان في بني إسماعيل حسدهم اليهود فكفروا، وكان كل رسول يبعث إلى قومه خاصة.
قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤].
وقال تعالى ذكرُهُ: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [البقرة: ۹۰].
قال رسول الله ﷺ: (إنَّ الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنَّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن).
ما سبق ليس للافتخار بالسودان [٢]، وإنما هو لرد مزاعم اليهود والنصارى ومن قلدهم.
وما كان للبيضان من المسلمين أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى في السخرية من السودان، كما لا ينبغي للسودان أن يسخروا من البيضان.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الثلاثاء ٢٣ رمضان ١٤٤٠هـ، ٢٨ مايو ٢٠١٩م

المصادر والمراجع

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف3/26/2024 09:51:00 ص

    هل هنالك إنجازات تاريخية لعلماء سودانيين في الدين... محدثين.. . تحقيقا.. أو مخطوطات... الخ .؟ البعض ذكر مفاخر للحبش والنيجر ومالي وغيرها.. ولم يجد للسودان غير طبقات ود ضيف الله الشاذة الأفكار والمعتقدات..؟؟؟

    ردحذف