التَّشْوَقِيَّة ومؤامرات خفية

عندما يصد جاهل بحق بيِّن أو مظنون عنه فهو آثم، بخلاف من يسكت عما يجهل، قال الله جل ثناؤه: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}، وقال: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}.
لا فرق فيما سبق بين المسائل اليقينية والمظنونة بظن غالب.
من الناس من يصد عن التشوقة بأساليب ماكرة، مثل؛ (جيدة ولكن غير واقعية)، فماذا بقي لها من جودة؟ ومثل؛ (جيدة ولكنها غير مجربة)، (جيدة ولكن لابد من وجود صاحبها في البلد)، والبعض يشغل الناس بقضايا فرعية كاسم الأطروحة.
وثمة من يردد ما يقولون من الأخيار {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}، فإذا كان هذا في حق الصحابة الأخيار مع المنافقين الأشرار، فكيف بمن هو دون الصحابة مع مسلمين؟
أعرف سوء قصد البعض من لحن قولهم ومواقفهم، وإرسال أعينهم لمراقبة العمل وحرفه عن مساره أو تعطيله.
وبعضهم يدعي أن له مشروعاً لا يستطيع البوح به، وهؤلاء إما مخادعون، أو أن مشروعهم إثم، فالإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس.
ولا أنفي ضرورة السرية بشروط، ولكن كل مشروع إصلاحي قائم على سرية تامة فهو إثم.
ولو كان لهم مشروع سري لعلمه الناس من لي ألسنتهم، وما يبدو من لي ألسنتهم وبعض تصريحاتهم أنهم يؤمنون بالديمقراطية الوضعية عدا ما فيها من علمانية، فإن كان لهم مشروع فهو آليات الديمقراطية الوضعية بما فيها من مكر وخديعة ولوبيات سرية وعلنية وعيون وجواسيس.
وهم مضطربون في أنفسهم مع مخادعتهم، فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن الديمقراطية الوضعية خدعة ولعبة، ولهذا فهم يثنون على مبادئها وآلياتها، ولكنهم يخالفون مبادئها الصحيحة في منظماتهم المدنية الدعوية والسياسية، كما فعل الترابي في جماعته ثم دولته، في تقليد أعمى للغرب.
ولو كانت لهم تعديلات على الديمقراطية الوضعية كما يدعون لأخرجوها لنا.
وتقليدهم الصهاينة في آلياتها هو بسبب جهلهم بفوارق الظروف والمباديء، فنسبة اليهود في كل العالم لا تتجاوز 0.2%، فلا يستطيعون السيطرة إلا بالمكر والخديعة.
وأما نحن فغالب شعوبنا مسلمة، والمُخادعة والخيانة ليست من قيمنا الإسلامية ولا من أخلاقنا العرفية.
فهم مقلدون، ومع ذلك يدعون أنهم مفكرون، ولم نر لهم استنباطاً ولا رأياً، وغاية ما عندهم فيما أسموه بالعمل السياسي؛ تقليد الغرب، والموازنات عند التزاحم والتعارض المنقولة المعلومة مع خلل في فهمها وتطبيقها.
ومع ذلك فالصهاينة أذكى من هؤلاء، لأن خداع الصهاينة خفي، لاحتوائه على صدق في فرز الأصوات، وحفظ بعض الحقوق بالسماح بتكتلات مدنية فاعلة، مما يغطي على الظلم في اختيار السطات وتوزيع الثروات.
ولو ترك المعرضون من هؤلاء غرورهم وتأملوا التشوقة لعلموا أنها واقعية، ولكنهم آثروا التكذيب بما لم يُحيطوا بعلمه والصد عما لم يهتدوا به.
والمشروع لا يحتاج إلى وجودي في السودان، فلو أن جماعة النصح وعت الناس فقط بالتشوقة لكفاها ذلك.
وذلك لأن العلمانيين شبهوا على العامة بادعاء أن المسلمين ليس لهم إنتاج فكري سياسي ولا نموذج عملي مثالي.
ولذا ففي التوعية بالتشوقة المستقاة من النصوص والإجماع والقواعد الشرعية رد هذه الشبهة التي أضلت الكثير، ففيها بيان حكمة الشريعة وفضلها على غيرها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في بيانه لما في الشريعة من مراعاة الحكم والمصالح والعدل والرحمة: (فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالّة عليه وعلى صدق رسوله)، المصدر؛ إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج3/ص11).
هذا إضافة إلى ما في قيام جماعة النصح من منافع عاجلة وآجلة، ومنها المواقف السياسية التي لا ينبغي أن تقوم بها الجماعات الدعوية.
نعم، لي اجتهادات في غير الكتاب والورقة أود أن تتبناها جماعة النصح، لتعلقها بالسياسة الشرعية، كعلة جهاد الطلب، والإرقاق، ومتى يكون العهد المطلق جائزاً ومتى يكون لازماً، ومقصد ضرب الجزية على أهل الذمة، ومقصد قتل المرتد وساب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه ليست عقبة، لأن قادة جماعة النصح يجب أن يكونوا أهل تخصص في الشريعة ونحوها مما له صلة بالسياسة الشرعية، فيمكن أن أتدارس معهم هذه المسائل من على البعد.
أما آن للناس دراسة مشروع جديد مستقىً من الشرع والتراث؟ فقد جرب الناس طرقاً شتى في الإصلاح السياسي فلم تُجد نفعاً.
وبعد، فالمقصود التحذير من ترديد كلام من يصد الناس عن مشروع تشوقة السودان لهوىً في نفوسهم، فإنه إثم عظيم وذنب كبير، لا سيما في ظروفنا الحالية، سواء كان الصد من جاحد، أو معرض مكذب، أو صادق يردد كل ما يسمع.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس 11 صفر 1441ه، 10 أكتوبر 2019م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق