الحزبية بين الإنقاذ والتَّشْوَقِيَّة

يئس بعض الناس من درء مفاسد التحزب السياسي أو تقليلها، و يستشهد هؤلاء بمحاولة الإنقاذ القضاء على الأحزاب (الأخرى) على مدى ثلاثين عاماً من عمرها.
ثمة فروقات جوهرية بين التَّشْوَقَة والإنقاذ بخصوص الموقف من الحزبية، يمكن تلخيصها في التالية
1. الإنقاذ نفسها كانت حزبية أحادية متسلطة، والتَّشْوَقَة تنبذ كل الحزبية سواء كانت أحادية متسلطة أو متعددة متصارعة.
2. الإنقاذ لم توجد بديلاً للأحزاب (الأخرى)، وأما التَّشْوَقَة ففيها إيجاد بديل للأحزاب السياسية وهي جماعات النصح غير الحزبية.
فحظر الأحزاب من غير إيجاد بديل لها قد يُستغل لتثبيت دعائم حكم جبري، فلا بد من التكلتل لنشر الأفكار والدعوة إليها ومغالبة من يرفضها من أصحاب القرار بالضغط الجماهيري ونحوه.
3. طريقة الإنقاذ في القضاء على الأحزاب (الأخرى) كانت الحظر التام أولاً مع تسلط الحزب الواحد ثم انتقلت إلى التعددية الكاذبة بالمخادعة والرشاوى والمحاصصات والإرضاءات مع شيء من القمع (الجذرة والعصا).
وقد تنازلت الإنقاذ عن حظر الأحزاب (الأخرى) مضطرة بسبب الضغوط الخارجية الداعمة للضغوط الداخلية، وأما طريقة التَّشْوَقَة فهي تحويل الأحزاب إلى جماعات نصح بمنعها من السعي للسلطة، وهذا يبطل حجة الغرب الذي يخاطب فطرة الناس بالدعوة إلى توسيع الشورى ويخالفها عملياً بإدارة خفية عبر لوبيات قوية.
4. الإنقاذ حاولت القضاء على الأحزاب (الأخرى) قهراً، سواءٌ كان ذلك في بداية حُكمها أو عبر تلاعبها في السنوات التي تليها بين حظر الأحزاب والسماح لها، و أما التَّشْوَقَة فتسعى إلى توجيه مسار الأحزاب عبر استفتاء عام وليس بالقوة ولا الرشاوى والمحاصصات والإرضاءات.
لا يمكن في ظل التعقيدات الدولية والمحلية المعاصرة القضاء على الأحزاب الأحادية أو المتعددة بالقوة كما حاولت الإنقاذ في حربها للأحزاب (الأخرى)، وأما إذا تم ذلك عبر استفتاء عام ففيه إبطال حجة الغرب الذي وضع نفسه في موضع شرطي العالم.
السياسة الرشيدة للقضاء على التحزب هي الضغط باتجاه تحويل غرض الأحزاب الحالية من تنافسي على السلطة إلى تنافسي في الخير ومصلحة البلد، وذلك بمنع الأحزاب بقرار رسمي عبر استفتاء عام من السعي للسلطة بأي وسيلة كانت، سواء كانت محاصصات أو ترشيح أعضائها أو انقلابات عسكرية.
ويؤدي منع الأحزاب من السعي إلى السلطة مع تطبيق الانتخاب الهرمي إلى تلاشي الفاسد من الأحزاب، ويحول الصالح منها إلى جماعات نصح تتنافس في الخير ومصلحة البلد.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس 11 صفر 1441ه، 10 أكتوبر 2019م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق