تجريب المُجرب

⏩الرؤية العملية الكلية (الاستراتيجية)    ⏫محتويات الورقة     الأحزاب السودانية⏪

منذ استقلال السودان تم تجريب الحكم الديمقراطي الوضعي الحقيقي، والمُدار، والحكم العسكري.
وقد مرت على السودان ثلاث أنظمة ديمقراطية حزبية حقيقية، وأما المدارة فقد كانت بتخطيط من الترابي ولكنه اصطدم بخلاف مع البشير الذي استمر في ذات النهج.
وقد كان الترابي يسعى لجعل حزبه المسمى بالحركة الإسلامية لوبٍ سري علني يتحكم في حزبين كبيرين حاكم ومعارض مع اختراق الأحزاب الصاعدة وتحجيم قدرتها أو الضغط عليها، متأسياً في ذلك بالديمقراطية الغربية التي يديرها اللوبي الصهيوني، وهو لوبٍ سري علني.
من أسباب فشل الأنظمة العسكرية إضافة إلى كونها جبرية تخالف الشرع والفطرة؛ ضعفها في ذاتها، ووجود أحزاب سياسية طائفية متجذرة في المجتمع تعمل على تقويضها،  والسياسة الرشيدة هي تحويل مثل هذه الأحزاب إلى جماعات نصح باستفتاء عام.
أما الديمقراطية الوضعية الحقيقية فسبب فشلها هو أنها مثالية غير واقعية كما فصلت ذلك في أطروحتي التشوقية.
وأما الديمقراطية الحزبية المُدارة فمن أسباب فشلها؛ وجود حزبين طائفيين كبيرين قبل حزب الحركة الإسلامية لهما دور في استقلال السودان ولهما دعم خارجي.
ومن أسباب فشل الديمقراطية الحزبية المُدارة ضعف الدولة السودانية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً مما سهل تدخل الدول الإقليمية والعالمية الأقوى في هذه المجالات أو بعضها في شؤون السودان.
ومن أسباب استقرار الديمقراطية المُدارة في الغرب قوة دوله اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً مما يُعسِّر تدخل غيره في شؤونه، فلا يمكن مثلاً رشوة الأحزاب الغربية.
فمن فوائد تحويل الأحزاب السياسية إلى جماعات نصح؛ رد كيد الغربيين والمفسدين المحليين.
فإن أمريكا والغرب يضغطون حتى على الممالك كالمغرب والأردن والكويت للسماح فيها بالتعددية الحزبية لتفريق المسلمين.
وقول بعض الحكام بوجود تعددية سياسية فردية في بلادهم لا يكفي لرد كيد الكفار، لأن العمل الجماعي المنظم أبلغ لما فيه من تعاون وجمع تبرعات واشتراكات واستثمارات.
ولا ينبغي ترك أمريكا تخادع شعوبنا بادعاء أنها معهم وأنها تسعى لحفظ حقوقهم.
فلا توجد تعددية حقيقية حتى في أمريكا، وذلك لوجود لوبي يدير الديمقراطية الحزبية فيها من وراء ستار.
ولكنها دعاوى الطغاة المجرمين؛ ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾.
فإلى متى نظل نعيد تجربة ما جربناه مراراً منذ الاستقلال؟ أما آن الأوان لتجريب نظام سياسي نابع من شرعنا وتراثنا وأبناء قومنا وفيه مراعاة لظروفنا وهويتنا وعاداتنا وطبائعنا؟

تجربة الحكومات العسكرية

من أسباب عدم استقرار الحكومات العسكرية؛
١. عمل الأحزاب على تقويضها، والأحزاب مدعومة من الخارج ولها حواضن جماهيرية.
والأجنبي يلتف على القانون الدولي الذي يمنع التدخل في شؤون الآخرين، وذلك بدعم مواطنين يزعمون تمثيل شعوبهم، فيزعم أنه يستجيب لمطالب تلك الشعوب ولا يتدخل في شؤونهم.
٢. الحكم العسكري يفتح المجال للأجنبي للتدخل.
وحجة الأجنبي التي يمكن دفعها بجماعات النصح هي أنه لا يوجد تعدد حقيقي بدون إذن بعمل سياسي جماعي منظم لفاعليته، وهم يقولون؛ لا ديمقراطية بدون أحزاب.
والأجني يضغط حتى على الممالك لزعزعة استقرارها بالتحزب، ولذا نجد أحزاباً في بعض الممالك كالمغرب والأردن، وفي الكويت أحزاب عملياً وإن كانت ممنوعة نظرياً، وأجريت انتخابات في قطر.
ولذا فإن منع التحزب واستبداله بجماعات النصح فيه قطع المطامع الداخلية في السلطة والثروة واستقوائها بالعدو الماكر الخداع.
٣. حاضنة الحكومات العسكرية ضعيفة.
من أسباب سقوط النميري الذي حكّم الشريعة في آخر عهده أن حاضنته الجماهيريّة (الحزب الاتحادي الاشتراكي) قامت على مصلحة السلطة والثروة فقط خلافاً للأحزاب الفكريّة، إضافة للمساهمة الفعّالة للحركة الإسلامية في إسقاطه بعد صلحها معه وتغلغلها في منافذ الدولة.
والركائز الداخلية للحكم والتأثير السياسي ستة، وهي بالترتيب؛ المال، الاستخبارات، الشوكة، الإعلام، قيادات المجتمع المدني (إدارات أهلية ومنظمات مدنية)، القضاء.
٤. رابطة العسكريين ضعيفة سياسياً رغم قوتها عسكرياً.
وبالمثال يتضح المقال؛ بالمقارنة نلاحظ أن الممالك أكثر استقراراً من الحكومات العسكرية، مثل؛ سلطنة بروني، ماليزيا (حكم هجين ملكي منتخب)، بريطانيا (هجين)، السويد (هجين)، دول الخليج.
والفروقات المؤثرة في الاستقرار بين الحكومات الملكية والعسكرية ثلاثة؛
أ‌) العلاقة بين القيادات في الأسرة المالكة أقوى بسبب الرحم، وعلاقة الرحم أقوى من غيرها حتى على مستوى القبيلة والشعب فضلاً عن الأسرة.
ب‌) التراتيبية معلومة في النظام الملكي بدرجة القرابة والعمر، فولي العهد هو الابن الأكبر أو الأخ الأكبر.
ج) الحواضن الجماهيرية لمعظم الملوك قبائل روابط أعضائها قوية بسبب الرحم، وبعض الملوك يقوون علاقتهم بالقبائل بالزواج، بينما تسيطر الأحزاب في البلاد العسكرية على قيادات المجتمع المدني كالإدارات الأهلية وقادة المنظمات المدنية.
الحواضن الجماهيرية لملوك أوروبا عبر اللوبي الصهيوني.
فمن أسباب عدم استقرار الحكم العسكري في بعض البلدان؛ عمل الأحزاب على تقويضه، والأحزاب مدعومة من الخارج ولها حواضن جماهيرية.
٥. الناس بطبعهم يكرهون الحكم الجبري الكامل، فإذا أخفق في مراعاة مصالحهم اشتط غضبهم وثاروا عليه.
فالجبر درجات، والحريات التي يحبها الناس أنواع.
والناس يعرفون الأكاذيب والألاعيب ومع ذلك يطربون لسماع الوعد بحكم منتخب، لأنه ولو كان جزئياً أفضل من الحكم الجبري الكامل الشديد.
فبريطانيا مثلاً وكثير من الدول الأوربية ملكية حقيقة، غير أنها حكم هجين ملكي منتخب، واللوبي يتحكم في الانتخابات ويلعب فيها بطريقة ماكرة خفية.
وفي الحكم المنتخب مراعاة مصالح غالب الناس الدينية والدنيوية، ففيه مراعاة مصلحة أصل الدين (الشهادتين والصلاة) حتى مع ضعف تدين الناس، وفي الحديث؛ (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
ولا بأس بالفترات الانتقالية على سبيل الحكم الاستثنائي، فهي داخلة في أحكام الاضطرار أو الاحتياج.
وإخفاق الحكم العسكري وارد مع المكر الخارجي والمطامع الداخلية.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس 11 صفر 1441ه، 10 أكتوبر 2019م

⏩الرؤية العملية الكلية (الاستراتيجية)    ⏫محتويات الورقة     الأحزاب السودانية⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق