انتخابات الرئاسة الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
لم يكن لفئة قليلة (الصهيونية) أن تسيطر في الغرب من غير خلل كبير في النظام الانتخابي والحزبي نفسه.
فالتنافس الرئاسي في أمريكا هو في الحقيقة تنافس بين أعضاء حزب واحد هو الصهيونية أو بين من يتسابقون إلى إرضائه.
الخلل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو بسببين؛
1. نظام المجمع الانتخابي.
2. الانتخاب غير الهرمي.
المجمع الانتخابي أو الكلية الانتخابية هي مجمع مُنتخب يختار الرئيس ونائبه، ويتكون من 538 ناخباً كبيراً، ونصف هذا العدد هو 269، ولهذا يجب أن يتحصل الرئيس المنتخب على أقل تقدير على أصوات 270 ناخباً.
ونظام المجمع الانتخابي نظام عقيم جداً، لثلاثة أسباب، وهي؛ 
1. السبب الأول؛ لا يعرف الناس شيئاً عن هوية الناخبين الكبار، وعندما ينتخب الناس مرشحاً رئاسياً ونائبه، فإنهم يختارون في الواقع الناخبين الكبار الذين سينتخبوهما.
2. السبب الثاني؛ قد يفوز مرشح رئاسة ونائبه مع أن مجموع أصوات الشعب التي تحصلا عليها أقل من الخاسر، وحدث هذا خمس مرات، وذلك بسبب اعتبار ثلاثة عوامل معاً متعلقة بالناخبين الكبار.
3. السبب الثالث؛ لا يوجد في الدستور الأمريكي ما يلزم الناخبين الكبار بالتصويت لمرشح معين ونائبه، وبعض الولايات تعاقب بغرامة من لم يحترم نتائج التصويت الشعبي.
لم يحدث تاريخياً اختيار الناخبين الكبار غير إرادة الناس، لأن عدم نص الدستور على إلزام الناخبين الكبار بإرادة الشعب هو إجراء احتياطي، قد يحتاجه الصهاينة في ظروف نادرة الحدوث، وذلك لأن الانتخاب غير الهرمي يضمن فوز اللوبيات.
وأما الغرامة المالية فيمكن للوبي الصهيوني دفعها عن الناخب الكبير إذا اضطر لتغيير نتيجة الانتخابات.
وحدث من بعض الناخبين انتخاب مرشح غير الذي انتخبوا لأجله، ولكن لم يؤثر ذلك على النتيجة العامة.
العوامل الثلاثة المذكورة في السبب الثاني هي؛
1. حصص الولايات من جملة عدد الناخبين الكبار تتفاوت تفاوتاً كبيراً من ولاية لأخرى (ما بين 55 إلى 3)، وذلك حسب الكثافة السكانية للولاية.
2. يمنح الدستور الولايات حرية في تقرير آلية اختيار كبار الناخبين، وفي كافة الولايات باستثناء نبراسكا وماين؛ إذا حقق مرشح رئاسة ونائبه أغلبية الأصوات الشعبية، فإنهما يحصلان على أصوات جميع الناخبين الكبار في تلك الولاية، سواء كانت الأغلبية ساحقة أو بفارق صوت واحد.
3. فوز مرشح الرئاسة ونائبه متعلق فقط بعدد أصوات الناخبين الكبار لصالحهما (270 فأكثر)، ولا علاقة لفوزهما بعدد الأصوات الشعبية التي تحصلا عليها، لعدم وجود نص على ذلك في الدستور.
فيحدث الخلل بسبب أن فوز مرشح ونائبه في ولاية كبيرة قد يكون بفارق صوت واحد مع أن حصة الولاية من الناخبين الكبار قد تكون كبيرة جداً مقارنة بالولايات قليلة الكثافة السكانية، وقد يحدث عكس ذلك.
ويعود هذا النظام إلى دستور 1787م، وقيل إن هدف واضعي نظام المجمع الانتخابي هو تصفية الرأي العام عبر هيئة مؤلفة من أشخاص أكثر حكمة وخبرة من عامة الشعب.
بعض الأمريكان الذين يؤيدون نظام المجمع الانتخابي العقيم يحتجون بأن الفوز بناءاً على الأصوات الشعبية الاتحادية يؤدي إلى ظلم الولايات الصغيرة من ناحية الكثافة السكانية، معللين ذلك بأن المرشح المقتدر مالياً يستطيع أن يركز على عشرة ولايات فقط ويهمل بقية الولايات تماماً، وعدد بقية الولايات أربعون ولاية من مجمل الولايات الخمسين.
وهذه مخاوف حقيقية، ولكن السبب الرئيسي في هذه المخاوف هو الانتخاب غير الهرمي، فعامل القدرة المالية للمرشح راجع للانتخاب غير الهرمي، فالخطأ هو انتخاب الرئيس مباشرةً أو انتخاب هيئة ولائية أو اتحادية مباشرة، ولذا فإن من أهم مميزات التشوقة؛ الانتخاب الهرمي.
والسبب الأساسي لمشكلة خسارة من حصل على أصوات شعبية أكثر أحياناً هو؛ أن المرشح ونائبه يحصلان على أصوات جميع الناخبين الكبار في الولاية إذا تحصلا على أغلبية الأصوات الشعبية بغض النظر عما إذا كانت الأغلبية ساحقة أو بفارق صوت واحد.
وإذا تم الانتخاب بالتصويت لكل واحد من الناخبين الكبار، فكل مرشح قد يحتاج ولو صوتاً واحداً للفوز على منافسيه، وبالتالي يحرص المرشح على كل صوت في كل ولاية، ولكن المخاوف موجودة فعلاً على كل حال، وذلك لأن السبب الرئيسي لهذه المخاوف هو الانتخاب غير الهرمي.
والتوازن في مطلوبات الولايات يكون بالتمثيل حسب عدد السكان، ففي ذلك عدالة من ناحية مطالب الولايات، لأن عدد السكان يتناسب مع الصرف على الخدمات ومطالب كل ولاية.
السبب الثاني في خلل الانتخابات الأمريكية هو؛ الانتخاب غير الهرمي، فالانتخاب غير الهرمي مع السيطرة على الشوكة والمال هو السبب الرئيسي في سيطرة الصهاينة.
فمن أسباب سيطرة الصهيونية؛ اختيار رؤوس أهل الشوكة بتعيين ممن يفوز في الانتخابات التي يحتكرون الفوز فيها، وضمان فرص فوزهم في الانتخابات وحرمان الآخرين، لأن نقص هرمية الانتخابات يجعلها تعتمد على الحملات الانتخابية، والحملات تتطلب صرفاً مالياً كبيراً.
فهيمنة الصهاينة على رؤوس الأموال تمكنهم من السيطرة على السلطة التنفيذية، والسلطة التنفيذية تمكنهم من رؤوس الأموال، في دورة مستمرة، إضافةً إلى إعادة السيطرة على رؤوس أهل الشوكة؛ قيادات الجيش والشرطة والاستخبارات العسكرية والأمنية.
يُمكن إجمال عيوب الأنظمة الديمقراطية الغربية من ناحية الاختيار في؛ الخداع والاحتكار في انتخاب ممثلي الشعب والسلطات، وعدم الاختيار الحقيقي لرؤى الشعب ورؤى من يثق فيه الشعب من أهل التخصص، وهيمنة لوبٍ سري واحد على السلطات، ويتبع ما سبق ظلم في توزيع الثروة والسلطة.

الفرح بانتصار مرشح أمريكي على آخر

مع أن الصهيونية هي المسيطر الحقيقي على أمريكا، إلا أن الصهاينة أنفسهم مختلفون وقلوبهم شتى.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن اليهود أن فيهم من يؤدي أمانة قنطار وفيهم من لا يؤدي أمانة دينار.
فكذلك الصهاينة مختلفون في شخصياتهم وتربيتهم وتعليمهم وثقافتهم واعتقاداتهم، ومتفاوتون في عداوتهم وخيانتهم واتباع نزواتهم.
ولا توجد شائعة من غير حقيقة، ولا دخان من غير نار، ولا باطل من غير شبهة حق.
فمع أن الديمقراطية لعبة، إلا أن تنافس الأفراد الصهاينة فيما بينهم فيه كثير من الجد فضلاً عن تنافسهم مع غيرهم، فبينهم ما الله به عليم من النزاع والحسد والبغضاء والأنانية وتقديم المصالح الشخصية على العامة.
ولولا قوتهم الاقتصادية والعسكرية، لتمكن أعداؤهم من اختراقهم كما يخترقون هم الدول والأحزاب العربية والعجمية.
بل تمكن مع ما سبق بعض حكام العرب والعجم من اختراق بعض لوبياتهم وجماعاتهم الضاغطة وأحزابهم وأفرادهم، وذلك لفرط أنانية كثير منهم وحبهم للحياة وحرصهم على المال.
ومع أن الحزبين الكبيرين لعبة، إلا أنها مبنية على اختلاف حقيقي في وجهات النظر عند عامة الشعب وكثير من أعضاء الحزبين.
فلا بأس بالفرح بهزيمة عدو متغطرس، ولكن العاقل لا يعول على انتصار عدو له أخف على عدو أشد، وإنما يجتهد في إصلاح نفسه ومجتمعه.
وهذا هو مراد إمامنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى عندما قال بأن الفرح بانتصار مرشح أمريكي على الآخر ضعف توكل وخفة عقل.
فلا شك أن شيخنا رحمه الله تعالى كان يقصد ما كان يشاهده ولا زلنا نراه من اهتمام البعض بالانتخابات الأمريكية أكثر من اهتمامهم بتصفية الدين مما علق به وتربية أنفسهم ومجتمعاتهم.
وأما الفرح بهزيمة عدو لدود بانتصار عدو أخف، فهو أمر طبيعي.
ولما حزن الصحابة رضي الله عنهم عندما انتصر الفرس على الروم، بشرهم الله تعالى بانتصار الروم على الفرس بعد بضع سنين، وأخبرهم أنهم سيفرحون حينئذ بنصر الله الذي يهبه من يشاء لحكم عظيمة.
قال الله تعالى ذكره: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} [الروم : 1-5].
بل أفتى شيخنا العلامة العثيمين رحمه الله تعالى بوجوب التصويت لمن هو أخف ضرر على الإسلام والمسلمين في أمريكا.
وقال بنحو ذلك العلامة السعدي رحمه الله تعالى في قول الله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود : 91].
قال السعدي رحمه الله تعالى في بيان بعض فوائد قصة شعيب عليه السلام مع قومه: (ومنها أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة، قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئاً منها.
وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه.
وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك، لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان.
فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية، يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على إبادتها وجعلهم عملة وخدماً لهم)، المصدر؛ تفسير السعدي (ص388).
وكل ما سبق من باب أخف الضررين، وتبقى أضرار سيطرة الصهاينة في السياسة الداخلية والخارجية ماثلة للعيان، ومن ذلك استئثار اللوبيات وشركاتهم وبنوكهم بالثروة.
وأما المواطن الأمريكي العادي فهو يتعب ويكدح ليدفع الضرائب لتستمتع بها تلك الفئة المفسدة في الأرض.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الاثنين 23 ربيع الأول 1442هـ، 9 نوفمبر 2020م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق