آثار وبدائل المجانية ودعم السلع والخدمات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

المحتويات

  1. التفكير السليم
  2. فهم كيفية عمل الاقتصاد
  3. ارتباط عوامل النمو ببعضها
  4. ضرر تسعير الأثمان والمُثمنات
  5. آثار دعم السلع والخدمات الأساسية
  6. بديل لدعم السلع والخدمات
  7. آثار مجانية الخدمات
  8. بديل لمجانية الخدمات
  9. تمويل مشاريع البنى التحتية والخدمات الأساسية
  10. شروط المانحين
  11. نبذ التقليد الأعمى وتشجيع الابتكار

التفكير السليم

فهم كيفية عمل الاقتصاد، ثم فهم الحال الاقتصادي المعين، ثم التحليل وتحديد أسباب المشكلة، ثم وضع الحلول المناسبة حسب الحال.

فهم كيفية عمل الاقتصاد

ذكرت في المقال الماضي أن عمل الاقتصاد آلي يرتكز بالدرجة الأولى على آلية العرض والطلب.
فلابد لكل محلل اقتصادي ومتابع للتحليلات من وضع هذه الآلية في ذهنه، هذا إضافة إلى فهم مفاهيم اقتصادية محدودة كما سبق.
وبالمثال يتضح المقال، وكنت قد ذكرتُ مثالاً تجارياً بأسعار الطماطم، وأود هنا ذكر مثالين اقتصاديين.
والفرق بين الاقتصاد والتجارة هو أن الاقتصاد على مستوى الدول والمناطق، والتجارة على مستوى الشركات والأعمال التجارية الخاصة والحُكومية.
المثال الاقتصادي الأول؛ اتفاقية البترودولار؛ وأساسها بيع السعودية النفط بالدولار مقابل الحماية العسكرية الأمريكية، فلو أرادت الصين مثلاً شراء النفط من السعودية لزمها أن تشتري الدولار أولاً، والفائدة الاقتصادية لأمريكا هي زيادة الطلب العالمي على الدولار لرفع سعره مقابل العملات الأخرى وزيادة كميته المتداولة عالمياً.
المثال الثاني؛ الأزمة الاقتصادية في حدود سنة 2008م، وقد بدأت بسوق العقار، وكان سببها الأول ما يسمى بالفقاعة الاقتصادية، ومن كلمة فقاعة نعرف أنها سريعة الانفجار، وكان سبب الفقاعة هو ارتفاع سعر العقار مؤقتاً ثم هبوطه المفاجيء، وذلك لأن ارتفاع السعر المؤقت كان بسبب زيادة طلب غير حقيقية على العقار.
ما حدث هو أن المصارف تساهلت في الإدانة من غير ضمانات كافية، فزاد الطلب على العقار بسبب سهولة الحصول على القرض الربوي فارتفعت أسعاره، وعندما عجز الناس عن السداد؛ صادرت المصارف العقارات ممن لم يسدد بأعداد كبيرة، ثم عرضتها في السوق، فزاد العرض على الطلب فهبطت أسعار العقار، ثم انتقلت الأزمة إلى مواد البناء و ... إلى أن ظهرت آثارها في أسواق البورصات.
الدورة التجارية تبدأ بإنتاج سلع أو خدمات وتنتهي ببيعها، ولذا فإن كل ما يتعلق بتكاليف الإنتاج والنقل والاتجار والقدرة الشرائية مؤثر في النمو الاقتصادي للبلد.
والإنتاج إما سلع أو خدمات وهي المُثمنات عند الفقهاء، والأثمان المعاصرة هي العملات والأرصدة، والنمو الاقتصادي متعلق تعلقاً مباشراً بإنتاج السلع والخدمات.
يُعْرف النمو الاقتصادي لبلد ما بمقارنة مجمل الناتج القومي للسنة المالية بالسنة التي سبقتها.
ومجمل الناتج القومي هو قيمة مجموع الناتج من سلع وخدمات لدولة ما خلال السنة المالية.
وفرق مجمل الناتج القومي من مجمل الناتج المحلي هو أن القومي يشمل قيمة المنتجات خارج البلد وداخلها، والمحلي يشمل الداخلية فقط.
فالنمو الاقتصادي متعلق بإنتاج السلع والخدمات، وغرض الإنتاج غالباً البيع مع الفائدة، وفائدة البيع تعتمد على العرض والطلب، وهذا يرتبط بعوامل أخرى كالقدرة الشرائية والتكلفة (كالإنتاجية، والنقل، وفوائد الاتجار، والضرائب والرسوم).

ارتباط عوامل النمو ببعضها

كل عامل في النمو الاقتصادي يؤثر في عامل آخر ويتأثر به، والعوامل مرتبطة ببعضها، وبالتالي فإن الأثر والتأثر قد يكون مباشراً وقد يكون غير مباشر.
فمثلاً قلة إنتاج الخدمات والسلع (زراعية وحيوانية وصناعية) تعني نقصاً في عرضها، ونقص عرضها يرفع أسعارها، وارتفاع الأسعار يؤدي إلى الإحجام عن الشراء، وقلة الشراء تؤدي إلى تقليل المنتجين للإنتاج وتقليل المستثمرين لتكاليف الاستثمار.
وقلة الإنتاج والاستثمار تؤدي إلى نقص الرواتب والعطالة، ونقص الرواتب والعطالة تؤدي إلى قلة شراء المنتجات، وقلة الشراء تؤدي إلى مزيد تقليل المنتجين إنتاج السلع والخدمات.
وضعف البيع يعني ضعف الطلب على العملة المحلية، وضعف الطلب على العملة المحلية يؤدي إلى نقصان قيمتها.
ونقصان قيمة العملة المحلية يؤدي إلى غلاء السلع المستوردة، وغلاء السلع المستوردة يؤدي إلى ضعف شرائها، وهكذا.

ضرر تسعير الأثمان والمُثمنات

سبق في المقال الماضي بيان ضرر التسعير، وأن تعويم الجنيه سياسة صحيحة إذا قُرنت بحلول لغلاء السلع المستوردة لا سيما الضرورية ومدخلات الإنتاج.
وأود في هذا المقال نقل عبارات جديدة أضفتها للمقال السابق فيها تأكيد ضرر التسعير على الاقتصاد، وهي التالية.
فإذا كان ارتفاع سعر الطماطم مثلاً بسبب عدم نزول الأمطار، فكيف يكون في التسعير حل لأساس المُشكلة؟
والتسعير يُضعف حافز الإنتاج، فإذا كان رفع المُنتِج السعر بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج بالري الصناعي ونحوه، فإن التسعير قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج، وسعر المُنتِج يؤثر في سعر التاجر الوسيط، وهكذا إلى السعر النهائي للمُستهلك.
فإن قيل: الارتفاع قد يكون بسبب الندرة مع جشع التجار، فجوابه؛ أن التاجر غير المحتكر لا يستطيع أن يرفع السعر فوق القدرة الشرائية، وذلك ليضمن بيع كميات كبيرة مما عنده من السلعة.
وكمية السلعة أصلاً قليلة، فلم لا يشتريها فقط من يستطيع أن يشتري مؤقتاً؟ وذلك بغرض تحفيز مزيد من المُنتجين، وبالتالي يحدث انخفاض حقيقي في الأسعار تلقائياً مع النمو الاقتصادي بسبب زيادة الإنتاج.
فالتسعير في السوق الحر يحدث تلقائياً بالعرض والطلب الحقيقيين، والتسعير الجُزاف مضر بالاقتصاد مع ما فيه من ظلم الناس بإلزامهم ببيع السلع بسعر غير حقيقي.
وأما إذا كانت زيادة العرض أو نقصه بسبب غير طبيعي - كما لو كان نقص العرض بسبب الاحتكار الخاطيء -، فقد أجاز بعض العلماء التسعير في هذه الحالة، ولكن إذا لم يمكن إلزام المُحتكرين بالتسعير، فلا فائدة منه، ولذا فالأفضل اللجوء إلى حلول أخرى، كالعقوبات الصارمة ومراقبة التجار لمعرفة المحتكرين وإلزامهم ببيع ما عندهم من سلع مُحتكرة.

آثار دعم السلع والخدمات الأساسية

لا شك أن دعم السلع والخدمات الأساسية فيه تخفيف العبء عن المواطن، ولذا تدعم بعض الدول السلع الاستهلاكية الضرورية كالخبز والسكر والأدوية والوقود والخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصحة.
ولكن دعم السلع والخدمات الأساسية بتخفيض سعرها هو نوع من التسعير يحوي كل أضرار التسعير، لا سيما المتعلقة بالسلع والخدمات المدعومة، ويُضاف إلى ذلك أنه يثقل كاهل الدولة وميزانيتها.
ينتج عن الدعم إضعاف قدرة الدولة على تمويل مشاريع تلك الخدمات لتحسينها وزيادة إنتاجيتها، ويحد من قدرة الدولة على تشييد البنى التحتية المهمة في حركة الاقتصاد.
ولتغطية الدعم والعجز في الميزانية عادة ما تلجأ الدول إلى زيادة الضرائب والرسوم، والجبايات نوعٌ من التسعير لأنها تزيد من سعر السلع والخدمات، وهذا يؤدي بدوره إلى قلة الشراء، وقلة الشراء تؤدي إلى ضعف الإنتاج وبالتالي مجمل الناتج المحلي، وبالتالي انكماش في النمو الاقتصادي.
وأموال الجبايات التي تذهب إلى الدولة كان من الممكن أن تستخدم في زيادة الإنتاجية والاستثمار لتلك القطاعات الخاصة الرابحة، وبالتالي المساعدة في النمو الاقتصادي عموماً.
ودعم هذه السلع والخدمات يخفض من سعرها بأقل من تكلفة الإنتاج للسلع المنتجة محلياً، وبأقل من تكاليف الاستيراد للسلع المستوردة ومدخلات الإنتاج، وبالتالي يحد الدعم من إنتاج واستيراد السلع والخدمات المدعومة، وذلك لعدم قدرة المُنتجين والمُستوردين على منافسة الأسعار المدعومة.
وتلجأ الدول أيضاً لتغطية تكاليف الدعم وعجز الميزانية إلى الاقتراض الذي يؤجل فقط مشاكل ميزانيتها بسبب سداد أقساط القروض الربوية.
فدعم السلع والخدمات يؤدي إلى ضعف حركة الاقتصاد لاسيما السلع والخدمات المدعومة، مما يؤدي إلى الانكماش الاقتصادي الذي قد يتطور إلى ركود ثم كساد ثم انهيار.

بديل لدعم السلع والخدمات

بدل دعم السلع لخفض سعرها؛ أقترح وضع فارق سعر الدعم والسعر الحقيقي كنقاط في حساب اشتراك المواطن في محل بيع السلعة أو الخدمة، ثم تحول النقاط لمبلغ بالجنيهات يودع في حساب المستهلك آخر كل شهر.
من أهم فوائد هذا المقترح؛ الحفاظ على السعر الحقيقي التنافسي لتلك السلع والخدمات، ورفع القدرة الشرائية، وفي هذا تحفيز على الإنتاج.
فالمواطن قد يشتري بفارق السعر سلعاً وخدمات أخرى، وفي ذلك تحريك للسوق بالبيع والشراء مما يشجع الإنتاج والاستثمار، وبالتالي زيادة في النمو الاقتصادي.
والدول التي لديها قدرات مالية كدول الخليج تنتهج سياسة دعم السلع والخدمات بتخفيض سعرها، والأفضل لهذه الدول أن تدعم السلع والخدمات بدعم مشتريها نقداً لما سبق من أسباب.
ولتخفيف العبء عن ميزانية الدولة يمكن قصر دفع فارق السعر على الفئات ذات الحاجة فقط والشركات الناشئة الناجحة تشجيعاً لها، وفي تشجيع الاستثمارات الناشئة الناجحة دفع لعجلة الإنتاج والاستثمار وتحريك للسوق، وبالتالي زيادة في النمو الاقتصادي.

آثار مجانية الخدمات

مجانية الخدمات بالطريقة المتبعة عالمياً في العصر الحديث آثارها السيئة أشد من آثار دعم السلع والخدمات بتخفيض أسعارها.
فإذا كان دعم السلع والخدمات الأساسية بتخفيض سعرها يحول دون توسيع إنتاجها بسبب أسعارها المدعومة التي لا تنافس، فمن باب أولى الخدمات المجانية، وضعف المنافسة يؤدي إلى ضعف الأداء.
مجانية الخدمات تقلل قيمة الخدمة في نفوس الناس، فما رخص ثمنه قلت قيمته، فتؤدي مجانية الخدمات إلى ضعف الهمة في مثل التعليم، وتؤدي إلى إهدار الموارد في مثل الكهرباء والتعليم، وتُخفي اهتمام الدولة بالمواطن.

بديل لمجانية الخدمات

بدل أن تدفع الدولة تكاليف الخدمة مباشرة لمُقدمي الخدمة، يُمكن أن تدفعها للمُستفيدين كرسوم تُدفع لمُقدمي الخدمة، وأشرح المقترح بمثال حول مجانية التعليم، ويُطبق المقترح بالتدرج، وذلك بالبداية بتحويل الدعم المُباشر إلى دعم غير مباشر برسوم ضئيلة، والتالية هي عناصر المُقترح.
1. فرض رسوم تعليم في المدارس والجامعات الحُكومية.
2. تحدد الرسوم بمبلغ معين حسب المستوى التعليمي للمؤسسة التعليمية وتكاليف تخصص الكلية الجامعية وميزانية الدولة.
3. تدفع إدارة حكومية للشؤون الاجتماعية لكل أسرة لديها أولاد (بنين وبنات) في المؤسسات التعليمية الحُكومية عن كل واحد الرسوم المحددة نقداً في حساب الأسرة.
4. تودع الأسر الرسوم في حساب المؤسسة التعليمية الحُكومية، وتدار الحسابات مباشرةً أو مركزياً على مستوى إدارات التعليم في المدينة أو الولاية أو الإدارة الاتحادية (حسبما يرى الخبراء أنه أيسر وأحفظ للمال).
والتالية فوائد لهذا المقترح
1. الأسر القادرة على تحمل الرسوم أو جزءاً منها تستخدم إعانة التعليم في شراء منتجات، وزيادة الإقبال على الشراء تحفز الإنتاج والاستثمار.
2. زيادة دخل الأسر المقتدرة بإعانة التعليم تحفز الأسر الفقيرة على زيادة دخلها، وفي هذا تحفيز على الإنتاج والاستثمار وزيادة ساعات العمل.
3. قد يلجأ المقتدرون إلى مدارس وجامعات خاصة، وهذا يخفف العبء عن الدولة بتحمل تلك الأسر دفع كل الرسوم.
4. حصول الأسر على دعم تعليمي مباشر يشعرهم بقيام الدولة بواجبها تجاههم، وذلك لأن الدعم غير المُباشر غير مرئي، وليس المُخبر كالمعاين، فخدمات الدولة للمواطن غير المرئية كثيراً ما تُجحد وتُنكر؛ كالأمن، والدفاع، ودعم سلع وخدمات أساسية، والخدمات المجانية كالتعليم.

تمويل مشاريع البنى التحتية والخدمات الأساسية

السبب الأول للأزمة وهو نقص الموارد بفقدان عائدات النفط يؤكد أن أساس المُشكلة هو عجز ميزانية الدولة.
عائدات النفط السابقة تدل على أهمية أن تكون موارد الدولة عبر الاستثمار  لا سيما في الطاقة كالنفط، والمعادن الثمينة كالذهب، والاتصالات بما في ذلك إيجار القمر الصناعي السوداني، والمواصلات كالسكك الحديدية والخطوط الجوية والبحرية، والسودان غني بالموارد الزراعية والثروة الحيوانية.
الخدمات الأساسية كالكهرباء لابد لها من تمويل لزيادة الإنتاجية، وكذلك لابد من تمويل مشاريع البنى التحتية كالاتصالات والطرق والكباري والخطوط الجوية والبحرية والسكك الحديدية.
والكهرباء تعد من الخدمات الأساسية وتعد أيضاً من البنى التحتية المهمة في حركة السوق والإنتاج والاستثمار.
والطريقة الأنفع في تمويل مشاريع البنى التحتية هي ببيع الأسهم والصكوك الشرعية وتشجيع المستثمرين المحليين والأجانب للمشاركة في هذه المشاريع أو المُضاربة بإنشاء أفرع لها.
ولن يتم التمويل من غير حصول هذه المشاريع على أرباح مغرية للمستثمرين ومشتري الأسهم والصكوك، فلابد من دفع عجلة الإنتاج والاستثمار.
وحتى القرض الربوي مضمون الفائدة للمقرضين، لا يفيد من غير دفع عجلة الإنتاج والاستثمار.
فإن المقرضين يحجمون عن إقراض من لا يستطيع دفع الأقساط بفوائدها الربوية أو من يتأخر في السداد أو من يناشد المقرضين بتقليل سعر الفائدة أو إسقاط الديون.
والقروض تساعد في تأجيل المشكلة فقط، وعند نفاذها فإنها تفاقم المشكلة بسبب السداد.
والقروض تجعل قرار الدول الفقيرة رهناً للغنية، فالقرار الدولي في المؤسسات الاقتصادية الدولية حسب رأسمال الدول المساهمة، وأمريكا مع الدول الأوربية تملك معظم رأسمال هذه المؤسسات، وبالتالي فهي تقرر ما تشاء.
والهدف من المعونات هو مجرد المساعدة في دفع عجلة الإنتاج لما في ذلك من فوائد متبادلة بين الجهات الداعمة والدولة، فالمعونات حل مؤقت لإنعاش الاقتصاد مرحلياً وليست حلاً مستداماً.
والجبايات كما سبق تضر الاقتصاد وتثقل كاهل المواطنين مستهلكين ومُنتجين ومستثمرين.

شروط المانحين

شروط المانحين والمؤسسات الاقتصادية الدولية بتعويم الجنيه ورفع الدعم عن السلع والخدمات هي في مصلحة اقتصاد البلد إذا نفذت بتدرج فيه تفادٍ لآثارها السيئة المؤقتة.
فمع أن الدول الغربية لها سياسات معادية للدول الفقيرة والشرقية، إلا أن هذه الدول لا سيما ذات العدد الكبير من السكان تعتبر سوقاً مهماً لمنتجات الدول الغربية، وبالتالي فمن مصلحتها دعم الدول الفقيرة لتحسين اقتصادها بقدر ما يحافظ على سوق الدول الغربية ولا يهدر دعمها.
فالغرب الذي يحرص على الاستفادة المادية من دول صغيرة في العالم كالكنغو بالإقراض المرتبط بشركاته، هل يعقل أنه يريد لها انهياراً كاملاً وهو يقرضها ليستفيد؟
فليست كل شروط المؤسسات الغربية مضرة، فأين يبيع الغرب منتجاته إذا انهارت اقتصادات الدول الفقيرة والنامية؟ ومن تلك المنتجات الغربية التي هي بحاجة إلى سوق؛ الآليات الثقيلة والخفيفة العسكرية والمدنية، وقطع الغيار، والقطارات، والإلكترونيات.
وأما الاقتراض من المؤسسات الاقتصادية الدولية فإنه يؤثر سلباً على قرار الدول الفقيرة ويجعلها تبعاً للدول العظمى.
وبالتالي فإن الاشتراكيين مثل الشيوعيين والبعثيين قد أصابوا في جانب القروض من المؤسسات الاقتصادية الدولية والدول الغربية، ولكنهم أخطؤوا في جانب تعويم الجنيه ورفع دعم السلع والخدمات.
والحداثيون من الحزب الشيوعي أصابوا في جانب تحرير السوق ورفع الدعم، فبعض الشيوعيين تبنى بعض الأفكار الغربية التي يسمونها الرأسمالية، بل حتى الحزب الشيوعي الصيني تخلى عن كثير من النظريات الاشتراكية.
ومن أهم أسباب التخلف وتدهور الأوضاع كلام زعماء مثل هذه الأحزاب فيما ليس لهم به علم، إضافةً إلى قلة المُفكرين المُبدعين من أهل الاختصاص.
وللمزيد حول الفرق بين التحصيل العلمي والإنتاج الفكري وبين التحليل الاستشاري والقدرة العملية؛ تنوع الذكاء والقدرات.

نبذ التقليد الأعمى وتشجيع الابتكار

لا شك أن الاستفادة من التجارب البشرية مهم جداً لا سيما الدول الناجحة اقتصادياً، فالرأي والاجتهاد في هذه المجالات واسع جداً.
والأصل في السياسة الشرعية الحل والإرسال إلا لنص، والأصل في الاقتصاد الحل إلا لنص، وما كان كذلك فمجال الاجتهاد فيه واسع.
فعندما نقول الأصل في الأشياء الإباحة، فهذا يعني مثلاً؛ أن كل المشروبات حلال إلا الخمر، والضار من السموم ونحوها متفق عليه بين البشر، ففرقنا من غيرنا في المشروبات هو الخمر فقط.
ولكن الدول صاحبة الاقتصادات القوية ليست نموذجاً مثالياً يُحتذى في كل شيء، فيكفي أن حوالي ثمانين شخصاً في العالم ثروتهم أعلى من ثروة بقية الناس.
قبل أيام كنت أتحدث مع تاجر مواد غذائية هنا في السويد، ومن خلال كلامه تأكدت تماماً أن الجبايات سياسة فاشلة وتضر المبتدئين أكثر من غيرهم، ويظهر ضررها أكثر مع الأزمات مثل أزمة الكورونا.
وما أشرتُ إليه من كلام تاجر المواد الغذائية هو جزء قليل مما أعرفه من خلال معيشتي في الغرب لمدة تقارب ربع القرن من الزمان.
ولذا فلابد من نبذ التقليد الأعمى في السياسة والاقتصاد، وتشجيع التفكير الحر والتحليل العقلي السليم.
وهذا بعد التمسك بالنصوص والإجماع، لا سيما إجماع السلف، والسلف هم أصحاب القرون الثلاثة المفضلة الأولى.
وقد دلت السنة على أن الأصل تحريم التسعير إلا لظرف طاريء، ودلت كذلك على أن الأصل تحريم المكوس (الجبايات) إلا لظرف طاريء، ومنها حديث المرأة المخزومية التي زنت، وفيه: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لوسعته).
ولقناعتي القاطعة بضرورة التفكير الحر والتحليل العقلي السليم والاستفادة من التجارب البشرية الناجحة بما لا يخالف مصادر الشريعة؛ قدمت الأطروحة التشوقية كحل سياسي، وقدمت اقتراحات اقتصادية غير  مسبوقة.
 والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة 7 رجب 1442هـ، 19 فبراير 2021م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق