تعد الحكومات العسكرية الانتقالية بانتخابات عامة، ولتجارب سابقة يفضل بعض استمرار الحكم العسكري بدون انتخابات.
ومما يحمل بعض الناس على تفضيل الحكم العسكري أن تأييد الجيش في الانتخابات العامة على طريقة الديمقراطية الحزبية باطل.
ولكن الدعوة لاستمرار الجيش في الحكم بدون انتخاب مخالفة للشرع والفطرة، وهي مخالفة تعرض صاحبها للقدح لأن فطرة الناس تأباها.
المقصود بالحكم العسكري الحكم غير المنتخب، إذ لا بأس أن يرشح الناس عسكرياً لرئاستهم، بل إن قوة البدن والتدريب العسكري لمما يضاف لخصال أخرى في اختيار الحاكم.
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
والمقصود بالانتخاب الاختيار والشورى، فالانتخاب لغة هو الاختيار، وليس المقصود الانتخاب بطريقته المعروفة اليوم في الديمقراطيات الحزبية، إذ لا شك في بطلان الانتخابات العامة بهذه الطريقة.
وقد اقترحت التشوقة انتخاباً عاماً هرمياً ومنضبطاً بالمختصين كالمحاكم الدستورية.
فالانتخاب العام يمكن أن يحقق حسن اختيار أهل الحل والعقد إذا كان هرمياً ومنضبطاً بالضوابط الشرعية، وذلك لأن كل الناس يمكنهم معرفة الكفؤ الأمين مثلما يعرف الجاهل بالطب الطبيب الماهر.
ولا شك في بطلان الانتخابات العامة بطريقتها المعروفة اليوم في الديمقراطيات الحزبية.
والجبر هو ما يخالف الانتخاب، والحكم الجبري درجات متفاوتة، ومن الحكم الجبري ما هو عدل.
وملك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان عدلاً، وكذا كان ملك سليمان وداوود عليهما السلام.
ولم يكن في ولاية معاوية رضي الله عنه جبر متعمد، فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على بيعته بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة، وكانت ولايته قبل ذلك على الشام في عهد علي رضي الله عنه ببيعة بعض الصحابة رضي الله عنهم إياه.
والتفاوت في الحكم الجبري معلوم ومشاهد، ومن أنواعه في العلوم السياسية الغربية؛ الحكم الشمولي والحكم السلطوي، ويسمونه الدكتاتوري.
الحكم الجبري قد يَصلح اضطراراً لفترة مؤقتة، وقد يصلح الحكم الجبري المستبد كوناً وقدراً للمجتمعات الظالمة، فقد لا يصلح الحاكم العادل لسياسة مثل هذه المجتمعات، ولذا حُرِّم الخروج على السلطان الظالم المقيم لأصل الدين، وهذا مقتضى الرحمة كوناً وقدراً.
ولكن النظام الجبري مخالف للشرع والفطرة، فلا يجوز شرعاً استحسان الأنظمة الجبرية وإن جاز استحسان وجودها قدراً وكوناً لما في تقدير الله تعالى من حكم بالغة.
والولاية تكون بالشورى والاستخلاف والتغلب.
والتغلب غير شرعي في الأصل، ولكن الولاية تثبت للمتغلب شرعاً من جهة حرمة الخروج عليه إذا كان مسلماً مقيماً لأصل الدين الشهادتين والصلاة.
والاستخلاف داخل في الشورى، فقد استشار أبوبكر الصديق رضي الله عنه كبار الصحابة رضي الله عنهم في استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومن آثار التكلف في اشتراط أن يكون التعريف جامعاً مانعاً؛ توهم عدم تداخل المفاهيم والأقسام.
والحكم المنتخب يناسب الفطرة والمصالح العامة، ومع أن أكبر هم الناس هو الوضع الاقتصادي، ولا يهمهم كثيراً من يحكم، إلا أن الناس يكرهون الجبر الكامل الشديد.
فلو تحكمت فئة تحكماً كاملاً في الدولة راعت مصالحها، ولو اختار الحكام غالب الناس راعوا مصالحهم، ولهذا قال النبي ﷺ في حكومات جبرية: (سترون أثرةً وأموراً تنكرونها)، يعني استئثاراً بالسلطة والثروة.
وفي الانتخاب العام مراعاة مصلحة الدين، وفيه مع ضعف تدين الناس مراعاة مصلحة أصل الدين الشهادتين والصلاة، وفي الحديث؛ (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
وكلما تم ضبط الانتخاب العام كلما كان أقرب لتحكيم الشرع عموماً، وتكتمل مصلحة الدين مستقبلاً برعاية أصله، ومن ذلك رعاية المساجد والجامعات الإسلامية وتدريس الدين في المدارس.
ولأن الحكم المنتخب يناسب الفطرة والمصالح العامة تدعيه الأحزاب وكثير من الحكومات.
وليس في الغرب حكم منتخب حقيقي مهما كان أقل جبرية من غيره، فكلها حكومات جبرية يتحكم اللوبي الصهيوني فيها وفي انتخاباتها.
والتحكم في الانتخابات لا ينافي أنها انتخابات جزئياً.
والناس يعرفون الأكاذيب والألاعيب ومع ذلك يطربون لسماع الوعد بحكم منتخب، لأنه ولو كان جزئياً أفضل من الحكم الجبري الكامل الشديد.
فبريطانيا مثلاً وكثير من الدول الأوربية ملكية حقيقة، غير أنها حكم هجين ملكي منتخب، واللوبي يتحكم في الانتخابات ويلعب فيها بطريقة ماكرة خفية.
ولملك بريطانيا حق حل البرلمان، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعين من نجمتين فما فوق، وغالب مجلس اللوردات (البرلمان الأعلى) بتعيين الملك والوراثة والمرتبة الدينية، وملك بريطانيا فوق القانون لا يحاكم أبداً.
ولكن ملك بريطانيا تنازل عن بعض صلاحياته (غير المذكورة سابقاً) لرئيس الوزراء المنتخب زعموا، وهو انتخاب متحكم فيه.
الفرق بين الممالك الأوربية وغيرها هو أن ملوك أوروبا يتحكم فيهم اللوبي الصهيوني الذي هم أعضاء فيه، ولا أدري هل الملوك قادة للوبي الصهيوني في بلادهم أم لا.
ومن أضرار النظام الجبري الكامل أنه قد يطرأ عليه الاستبداد والظلم إن كان عدلاً، وقد تعظُم أضرار الأنظمة الجبرية مع الزمن وقوة تحكم فئة في الدولة.
وسرعان ما ينقلب الناس على الحكم الجبري إذا سبب لهم أزمات في معايشهم، وأما الحكم المنتخب؛ فالناس يصبرون عليه لأنه اختيارهم.
وبالمقارنة نلاحظ أن الممالك أكثر استقراراً من الحكومات العسكرية، مثل؛ سلطنة بروني، ماليزيا (حكم هجين ملكي منتخب)، بريطانيا (هجين)، السويد (هجين)، دول الخليج، والفروقات المؤثرة في الاستقرار ثلاثة؛
١. العلاقة بين القيادات في الأسرة المالكة أقوى بسبب الرحم، وعلاقة الرحم أقوى من غيرها حتى على مستوى القبيلة والشعب فضلاً عن الأسرة.
٢. التراتيبية معلومة في النظام الملكي بدرجة القرابة والعمر، فولي العهد هو الابن الأكبر أو الأخ الأكبر.
٣. الحواضن الجماهيريّة لمعظم الملوك قبائل روابط أعضائها قوية بسبب الرحم، وبعض الملوك يقوون علاقتهم بالقبائل بالزواج، بينما تسيطر الأحزاب في البلاد العسكرية على قيادات المجتمع المدني كالإدارات الأهلية وقادة المنظمات المدنية.
الحواضن الجماهيريّة لملوك أروبا عبر اللوبي الصهيوني.
فمن أسباب عدم استقرار الحكم العسكري في بعض البلدان؛ عمل الأحزاب على تقويضه، والأحزاب مدعومة من الخارج ولها حواضن جماهيريةة.
والعدو يلتف على القانون الدولي الذي يمنع التدخل في شؤون الآخرين، وذلك بدعم مواطنين يزعمون أنهم يمثلون شعوبهم، بحجة أن هذه مطالب تلك الشعوب وليست تدخلاً في شؤونها.
ولذا فإن منع التحزب فيه قطع المطامع الداخلية في السلطة والثروة واستقوائها بالعدو الماكر الخداع.
والعدو يضغط حتى على الممالك لزعزعة استقرارها بالتحزب، ولذا نجد أحزاباً في بعض الدول الملكية.
وهذا يدل على أهمية دراسة التشوقة بما فيها من انتخاب هرمي، وفي التشوقة رد مكر الأعداء الذين يدعون دعم الحكومات المنتخبة وحق الشعوب في التكتل السياسي لخدمة برامجهم عبر التحزب السياسي، وذلك باقتراح تحويل الأحزاب السياسية لجماعات نصح سياسي.
المقصود أنه لابد من تبني سياسة شرعية أو أقرب للشريعة عند عدم القدرة لرد كيد الكفار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق